أخبار محلية

عيد الأضحى في اليمن: أضاحي غائبة وأزمة إنسانية متفاقمة بفعل سياسات الحوثي (تقرير خاص)

المصدر
فيصل قاسم

مع اقتراب عيد الأضحى المبارك، الذي يمثل مناسبة دينية واجتماعية عظيمة للمسلمين حول العالم، يجد ملايين اليمنيين أنفسهم مرة أخرى في مواجهة واقع مرير يحرمهم من أدنى مظاهر الفرحة والاحتفال. ففي بلد مزقته سنوات الصراع، تحولت شعيرة الأضحية، التي تعد ركناً أساسياً من أركان العيد، إلى حلم بعيد المنال بالنسبة للغالبية العظمى من السكان. إن تدني القدرة الشرائية وتدهور قيمة العملة الوطنية قد ألقيا بظلالهما القاتمة على أوضاع الناس المعيشية، مما يجعل هذا العيد رمزاً صارخاً للفقر المتفشي.

لا يمكن فصل هذه المأساة عن السياسات الاقتصادية الممنهجة التي تتبعها جماعة الحوثي، والتي فاقمت الأزمة الإنسانية بشكل متعمد. هذا التقرير يسلط الضوء على الكيفية التي حولت بها هذه السياسات عيد الأضحى من مناسبة للبهجة والتكافل إلى تذكير مؤلم بالمعاناة، مؤكداً أن الأزمة ليست مجرد نتيجة للصراع، بل هي استراتيجية متعمدة تهدف إلى السيطرة وإحكام القبضة على مقدرات الشعب. إن تجويع اليمنيين وإفقارهم ليس مجرد تداعيات جانبية، بل سياسة واضحة المعالم.

إن حرمان اليمنيين من القدرة على شراء الأضاحي يتجاوز مجرد الصعوبة الاقتصادية؛ إنه يمس جوهر الهوية الثقافية والدينية. فعيد الأضحى يُعرف تقليدياً في اليمن بـ "عيد اللحمة"، وعندما يصبح هذا التقليد الأساسي مستحيلاً، فإن ذلك يشير إلى انهيار عميق في الرفاه الاجتماعي والكرامة الإنسانية. هذا ليس مجرد سوء إدارة اقتصادية، بل هو استراتيجية تؤثر على نسيج الحياة اليمنية، وتحول مناسبة بهيجة إلى رمز لليأس. هذا الواقع يكشف عن طبيعة الأزمة التي لا تقتصر على الجانب المالي، بل تمتد لتشمل الحرمان الثقافي والروحي، مما يؤكد أن الأزمة إنسانية بالدرجة الأولى، وأنها ناتجة عن أفعال متعمدة.

أولاً: عيد الأضحى: فرحة منقوصة وواقع مرير

يحمل عيد الأضحى مكانة عظيمة في قلوب اليمنيين، فهو يرمز إلى التضحية والعطاء والمشاركة المجتمعية. إنه وقت تتجمع فيه العائلات، ويقدم فيه القادرون الأضاحي، موزعين اللحوم على المحتاجين والفقراء. كما تسبق العيد عادات وتقاليد متوارثة منذ آلاف السنين، مثل "الشتعلة" و"التهشيل" التي يمارسها الأطفال ابتهاجاً بقدوم العيد.

لكن المشهد هذا العام مختلف تماماً. ففي الأسواق، يسود ركود غير مسبوق، يعكس اليأس المنتشر بين الناس. لقد حلت مشاعر الحزن والاستسلام محل الأجواء الاحتفالية المعتادة. فبدلاً من التفكير في الاحتفال، أصبح جل اهتمام اليمنيين ينصب على تأمين لقمة العيش، في ظل شعور عام بـ "القلق المستمر تجاه الأوضاع المعيشية". هذا الركود لم يمنع أسعار الأضاحي من الارتفاع بنسبة تزيد عن 20% مقارنة بالعام الماضي، مما جعلها خارج متناول معظم الأسر.

إن حرمان الغالبية من اليمنيين من القدرة على أداء شعيرة الأضحية، وهي ممارسة ثقافية ودينية متجذرة، يتجاوز مجرد الصعوبة الاقتصادية. إنه يشير إلى تآكل الروابط المجتمعية والتقاليد العائلية، وحتى الكرامة الفردية. إن عدم قدرة الأسر على توفير الأضحية، التي تحمل رمزية عميقة، يمكن أن يؤدي إلى ضائقة نفسية عميقة وشعور باليأس. هذا التدهور ليس مجرد أرقام اقتصادية، بل هو تفكيك بطيء للهوية الثقافية والتماسك الاجتماعي، مما يساهم في حالة "احتقان وسخط كبير" بين الناس. فالعيد، الذي كان يوماً للفرح، أصبح يوماً للحسرة، ويدفع الكثيرين إلى استبدال اللحوم بالدواجن إن استطاعوا.

ثانياً: سياسات الحوثي: آلة الإفقار الممنهج

تُعد السياسات الاقتصادية التي تتبعها جماعة الحوثي المحرك الرئيسي للأزمة الإنسانية والاقتصادية المتفاقمة في اليمن، حيث تعمل هذه السياسات كآلة إفقار ممنهجة تستهدف المواطنين بشكل مباشر.

أ. تجفيف الرواتب: خنق الطبقة الوسطى

منذ سيطرة الحوثيين على العاصمة صنعاء في عام 2014، وما تلاها من قرار نقل البنك المركزي إلى عدن في عام 2016، حُرم ملايين الموظفين في القطاع العام من رواتبهم بانتظام لما يقرب من عقد من الزمان. هذه السياسة لا تُعد نتيجة لعجز مالي، بل هي عمل متعمد يهدف إلى إحكام السيطرة على السكان.

تُظهر التقارير الأممية واقعاً مريراً، حيث يشير تقرير حديث إلى أن 3% فقط من السكان في مناطق سيطرة الحوثيين يحصلون على رواتب منتظمة، بينما يعتمد 54% على العمالة المؤقتة، و18% على المساعدات الغذائية. هذا يتناقض بشكل صارخ مع مناطق سيطرة الحكومة، حيث يعتمد 35% من السكان على الرواتب، وإن كانت متقطعة.

تبرر جماعة الحوثي أزمة الرواتب بنقل البنك المركزي وشح الموارد. إلا أن الخبراء الاقتصاديين يدحضون هذه المبررات، مؤكدين أن حجب الرواتب هو سلاح سياسي واقتصادي محسوب. فبدلاً من توجيه الإيرادات لتمويل الخدمات العامة، يتم تحويلها بشكل منهجي لدعم المجهود الحربي للجماعة وتوطيد سلطتها. لقد استخدم الحوثيون معاناة الموظفين "كورقة ضغط ووسيلة ابتزاز".

لقد دفعت هذه السياسة الطبقة الوسطى، التي كانت تمثل العمود الفقري للمجتمع، بما في ذلك الأكاديميون والموظفون المدنيون، إلى هوة الفقر المدقع. كما أدت إلى انهيار الخدمات الحكومية الأساسية، مع إغلاق الجامعات لأقسامها بسبب نقص الالتحاق وإضرابات الموظفين، مثل إضراب نقابة أعضاء هيئة التدريس ومساعديهم بجامعة تعز. إن هذه الأرقام تكشف عن استراتيجية الحوثيين لتفكيك هياكل الدولة التقليدية وخلق مجتمع يعتمد على العمالة الهشة أو المساعدات الإنسانية، التي يسعون بدورهم للسيطرة عليها. هذا لا يضعف أي معارضة محتملة فحسب، بل يعزز قبضتهم على السلطة من خلال توجيه الموارد نحو الموالين وآلة الحرب.

ب. احتكار سوق المواشي: إثراء على حساب الجوع

مع اقتراب عيد الأضحى، فرضت ميليشيا الحوثي حظراً غير معلن على استيراد المواشي (الأبقار والأغنام) إلى مناطق سيطرتها. وقد احتجزت عشرات الشاحنات المحملة بالماشية لأسابيع في نقاط جمركية مستحدثة، مثل منطقة الراهدة جنوب تعز، دون تقديم أي مبررات رسمية.

لقد تسبب هذا الاحتجاز التعسفي في خسائر فادحة للتجار، حيث نفقت العديد من المواشي بسبب الجوع والعطش وغياب الرعاية داخل الشاحنات المحتجزة. ويصف التجار هذا القرار بأنه "جائر وعبثي"، ويتهمون الحوثيين بالابتزاز عبر فرض جبايات غير قانونية واحتجاز البضائع، خاصة خلال المواسم التي تشهد حركة تجارية نشطة كالأعياد. وقد أُجبر بعض التجار على دفع "تبرعات" من المواشي لدعم "المجهود الحربي".

إن هذا الحظر ليس عملاً عشوائياً، بل هو جزء من استراتيجية تهدف إلى تضخيم أسعار المواشي المحلية بشكل مصطنع عن طريق الحد من المعروض، مما يخلق احتكارات مربحة للتجار الموالين للحوثي، الذين يُسمح لهم وحدهم بالاستيراد. هذه السياسة تؤثر بشكل مباشر على قدرة اليمنيين العاديين على شراء الأضاحي، حيث ترتفع الأسعار بأكثر من 20% حتى في ظل ركود السوق.

على الرغم من أن الإنتاج المحلي يغطي حوالي 70% من احتياجات المواشي، إلا أن حجم الاستيراد يرتفع بشكل كبير خلال موسم عيد الأضحى، ليصل إلى 100 ألف رأس من الأغنام والماعز و50 ألف رأس من الأبقار. وبالتالي، فإن الحظر يخلق نقصاً حاداً في المعروض في وقت الذروة، مما يزيد من ارتفاع الأسعار. إن هذا المزيج من الحظر غير المعلن واحتجاز الشحنات وفرض الإتاوات عند نقاط التفتيش يشير إلى استراتيجية متعددة الأوجه للسيطرة على السوق وتحويل الثروة. من خلال التحكم في الواردات وفرض رسوم غير قانونية، يضمن الحوثيون أن شبكاتهم المفضلة هي الوحيدة التي يمكنها العمل بشكل مربح، مما يؤدي إلى إخراج التجار الشرعيين وتضخيم الأسعار على المستهلك. هذا يحول تقليد العيد إلى وسيلة لتحقيق مكاسب مالية على حساب معاناة الشعب.

ج. الجبايات والفساد: استنزاف الموارد الوطنية

بالإضافة إلى قطاع المواشي، فرضت جماعة الحوثي بشكل منهجي ضرائب وجبايات "وتبرعات" تعسفية (تحت ذريعة "المجهود الحربي") على القطاع الخاص والمواطنين في جميع الأنشطة الاقتصادية، دون تقديم أي خدمات مقابلة. ويشمل ذلك فرض "الخمس" وآليات مبتكرة أخرى لامتصاص الموارد.

لقد تم تحويل أو وقف إيرادات الموارد الوطنية الحيوية، مثل عائدات تصدير النفط والغاز، التي كان يمكن أن تغطي رواتب القطاع العام. فمنذ أواخر عام 2022، توقفت الصادرات النفطية في شبوة وحضرموت بسبب هجمات الحوثيين على موانئ التصدير، مما أدى إلى خسارة أكثر من 6 مليارات دولار من الموارد الذاتية للحكومة.

كما أثرت ممارسات الحوثيين، بما في ذلك هجماتهم على السفن التجارية في البحر الأحمر، على تأخير المساعدات الإنسانية. علاوة على ذلك، أدت جهودهم لإعادة توجيه الشحن التجاري من ميناء عدن إلى ميناء الحديدة وإجبار التجار على التعامل رسمياً عبر الحديدة إلى التأثير سلباً على الاقتصاد الأوسع واستقرار العملة في مناطق سيطرة الحكومة. وقد تأثرت كفاءة الموانئ الخاضعة لسيطرة الحوثيين (الحديدة، الصليف، رأس عيسى) أيضاً بالضربات الخارجية، مما أدى إلى استخدام التفريغ اليدوي وانخفاض أحجام الواردات.

إن فرض الجبايات المتنوعة، وتحويل الإيرادات الوطنية مثل صادرات النفط، والسيطرة على المساعدات، كلها تشير إلى استراتيجية متماسكة: بناء اقتصاد حرب. إن جماعة الحوثي لا تكتفي بجمع الضرائب؛ بل تقوم بشكل منهجي بتفكيك الاقتصاد الرسمي للدولة واستبداله بنظام استخراجي غير رسمي يمول جيشها ويثري الموالين لها. هذا يشير إلى أن السياسات الاقتصادية لا تسبب الفقر فحسب، بل تعيد هندسة الاقتصاد اليمني بنشاط لخدمة أجندة سياسية وعسكرية محددة، على حساب الرفاه العام، وتخلق نظاماً مالياً موازياً وغير شفاف.

ثالثاً: تداعيات اقتصادية وإنسانية واسعة النطاق

إن السياسات الحوثية المدمرة قد أدت إلى تداعيات اقتصادية وإنسانية كارثية، طالت كل جانب من جوانب الحياة في اليمن.

أ. انهيار العملة وتآكل القدرة الشرائية

شهد الريال اليمني انهياراً كارثياً، حيث انخفض من 215 ريالاً مقابل الدولار في عام 2014 إلى أكثر من 1000 ريال بحلول عام 2022، ووصل إلى مستوى غير مسبوق بلغ 2200 ريال للدولار الواحد بحلول يناير 2025. هذا التدهور الدراماتيكي يجعل الريال اليمني من أسرع العملات تدهوراً عالمياً، على الرغم من الدعم المالي السعودي.

وقد أدى هذا الانهيار إلى تضخم جامح، حيث يتوقع صندوق النقد الدولي ارتفاع معدل التضخم في اليمن إلى 20.7% في عام 2025. ونتيجة لذلك، ارتفعت أسعار السلع الأساسية بشكل كبير، مما أدى إلى تآكل القدرة الشرائية للمواطنين. وحتى مع "ضوابط الأسعار" في مناطق الحوثيين، فإن متوسط تكلفة سلة الغذاء الأساسية كان أعلى قليلاً، وكانت القدرة الشرائية للسكان أقل مقارنة بالمناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة. وقد ارتفعت أسعار المواد الغذائية بنسبة 38% سنوياً.

تُظهر الأرقام حجم المأساة: فقد ارتفعت معدلات الفقر لتتجاوز 80% بحلول عام 2022. ويعتمد أكثر من 24 مليون يمني، أي أكثر من ثلثي السكان، على المساعدات الإنسانية، مع معاناة 16.2 مليون شخص من انعدام الأمن الغذائي. وتحذر الأمم المتحدة من أن اليمن يواجه "أسوأ أزمة إنسانية في العالم". وبحلول فبراير، كان 17.1 مليون شخص يواجهون انعدام الأمن الغذائي.

إن انهيار العملة، الذي تدفعه أفعال الحوثيين (مثل وقف صادرات النفط وتحويل مسارات التجارة)، يؤدي مباشرة إلى التضخم المفرط، مما يجعل السلع الأساسية غير ميسورة التكلفة. وهذا، بالإضافة إلى الرواتب المتوقفة، يدفع شرائح واسعة من السكان إلى الفقر والاعتماد على المساعدات. إن الودائع السعودية توفر راحة مؤقتة، لكنها لا تستطيع معالجة القضايا المنهجية التي تسببت فيها سياسات الحوثيين. لقد خلقت الأزمة حلقة مفرغة من الاعتماد، حيث تصبح المساعدات الخارجية مجرد حلول مؤقتة لجرح غائر تسببه سياسات داخلية متعمدة، بدلاً من أن تكون طريقاً للتعافي المستدام. إن الوضع الاقتصادي يقترب من "نقطة الانهيار".

جدول: سعر صرف الريال اليمني مقابل الدولار الأمريكي (سنوات مختارة)

السنة سعر الصرف (ريال يمني/دولار أمريكي) المصدر
2014 ~215  
2022 >1,000  
يناير 2025 ~2200  

يوضح هذا الجدول التدهور الهائل في قيمة العملة الوطنية، مما يعكس بشكل مباشر تآكل القدرة الشرائية للمواطنين وتفاقم معاناتهم.

ب. تدهور الخدمات الأساسية

لقد انهار قطاع الرعاية الصحية في اليمن، مع تدمير المستشفيات ونقص حاد في الأدوية والمستلزمات الطبية. وقد أدى ذلك إلى انتشار الأوبئة الفتاكة مثل الكوليرا (أكثر من مليون حالة منذ عام 2017)، والدفتيريا، وحمى الضنك، في ظل انهيار شبه كامل لنظام الرعاية الصحية.

كما أن قطاع التعليم في خطر جسيم، حيث يوجد أكثر من مليوني طفل يمني خارج المدارس، إما بسبب قصف مدارسهم أو تحويلها إلى مراكز عسكرية. ويعد التراجع في الالتحاق بالتعليم الجامعي، خاصة في التخصصات الإنسانية، أمراً مقلقاً، حيث شهدت جامعة صنعاء انخفاضاً بنسبة 80%، ووصفه المتخصصون بأنه "مخيف وغير مسبوق".

وتواجه المنظمات الإنسانية الدولية والمحلية، التي تعد شريان الحياة في اليمن، ضغوطاً هائلة، خاصة في مناطق سيطرة الحوثيين. وتشمل هذه الضغوط سجن موظفيها، وملاحقة المنظمات المحلية، والاستيلاء على مقارها وحساباتها المصرفية، وكل ذلك يهدف إلى التحكم في توزيع المساعدات لتحقيق أهداف الحوثيين ودعم مجهودهم الحربي.

إن انهيار قطاعي الصحة والتعليم ليس مجرد أثر جانبي للحرب؛ بل هو نتيجة مباشرة لتحويل الحوثيين للموارد وتركيزهم على الأهداف العسكرية بدلاً من رفاهية الشعب. علاوة على ذلك، فإن مضايقة منظمات الإغاثة والتحكم فيها يظهر استراتيجية متعمدة لاحتكار جميع أشكال الموارد، بما في ذلك المساعدات الإنسانية. هذا يؤكد أن سياسات الحوثيين تفكك بشكل منهجي قدرة الدولة على توفير الخدمات الأساسية، مما يخلق مجتمعاً ليس فقيراً فحسب، بل ضعيفاً ومعتمداً بشكل متزايد، مما يعيق أي تعافٍ أو تنمية في المستقبل ويؤثر على رأس المال البشري لليمن على المدى الطويل.

رابعاً: أصوات يمنية غاضبة: شهادات من قلب المعاناة

بعيداً عن الإحصائيات وتحليلات السياسات، تتجسد المأساة الحقيقية في اليمن من خلال أصوات شعبها، الذي يتحمل العبء الأكبر لهذه الأزمة التي صنعها الإنسان. إن إحباطهم ويأسهم واضحان مع اقتراب عيد الأضحى، الذي فقد بهجته التقليدية. فالناس في حالة "احتقان وسخط كبير".

رصد خطوط برس أصوات الناس وجاءت كالتالي:

مواطن في صنعاء (موظف حكومي سابق):

"كان العيد يعني لنا اللحمة والبهجة، اليوم يعني لنا حسرة. تسع سنوات ونحن بلا رواتب، كيف نشتري أضحية؟ الحوثي أخذ كل شيء، حتى الفرحة من قلوبنا. أصبحت الأضحية حلماً بعيد المنال، وكأنهم يعاقبوننا على الحياة."

تاجر مواشي في تعز:

"الشاحنات محتجزة، والمواشي تموت من الجوع والعطش في الجمارك المستحدثة. هذه ليست قرارات اقتصادية، هذا ابتزاز واضح. يريدون أن يرفعوا الأسعار ليبيعوا مواشيهم هم، ويجعلوا العيد فرصة لإثراء جماعتهم على حساب دماء الحيوانات ومعاناة الناس. خسائرنا فادحة ولا من مجيب."

ربة منزل في الحديدة:

"أطفالي يسألون عن الأضحية، ولا أملك حتى ثمن وجبة واحدة كاملة. الريال ينهار كل يوم، والأسعار تشتعل. كنا نذبح كبشاً، اليوم نفكر في شراء دجاجة إذا استطعنا. الحوثيون يتحدثون عن الصمود، ونحن نصمد على الجوع والفقر. أي عيد هذا؟"

شاب يمني نازح:

"كل عام نأمل أن يكون العيد أفضل، لكنه يزداد سوءاً. لا عمل، لا رواتب، لا كرامة. الحوثيون يجمعون الجبايات باسم المجهود الحربي، بينما الشعب يموت جوعاً. أين تذهب كل هذه الأموال؟ لماذا لا تُصرف الرواتب؟ السخط يزداد، واليمن ينهار."

ناشط مجتمعي:

"الوضع الاقتصادي وصل إلى نقطة الانهيار، والناس في حالة احتقان وسخط كبير. الأعياد كانت فرصة للتكافل، اليوم هي فرصة لإظهار حجم المأساة. سياسات الحوثيين أفقرت الجميع، وحولت اليمن إلى سجن كبير يعيش فيه الناس على المساعدات المتقطعة، إن وصلت."

تُبرز هذه الشهادات، التي تعكس المشاعر العامة في اليمن، كيف أن الأزمة الاقتصادية والسياسات الحوثية قد أثرت بعمق على الحياة اليومية للمواطنين. إنها تضفي طابعاً إنسانياً على الأرقام الجافة، وتكشف عن اليأس والإحباط الذي يعيشه اليمنيون، وتؤكد أن الأزمة ليست مجرد قضية سياسية أو اقتصادية، بل هي مأساة إنسانية تفتك بكرامة الإنسان وحقه في الحياة الكريمة.

الخلاصة

يقف عيد الأضحى في اليمن شاهداً صارخاً على كارثة إنسانية واقتصادية عميقة، وهي كارثة صاغتها إلى حد كبير السياسات الاقتصادية المنهجية والعدوانية لجماعة الحوثي. فمن الحجب المتعمد للرواتب الذي شل حياة الملايين، إلى التلاعب المحسوب بالأسواق عبر حظر الاستيراد والجبايات التعسفية، أظهرت أجندة الحوثي باستمرار تفضيل المجهود الحربي والإثراء الذاتي على رفاهية الشعب اليمني.

إن انهيار الريال اليمني، والتضخم الجامح، وما نتج عن ذلك من فقر واسع النطاق وانعدام الأمن الغذائي، ليست مجرد عواقب للصراع، بل هي نتائج مباشرة لسياسات مصممة للتحكم في الموارد والسكان. كما أن تدهور الخدمات الأساسية مثل الرعاية الصحية والتعليم يرسخ دورة اليأس والاعتماد. وتُقلل المعطيات الراهنة من فرص نجاح أي تسوية في إرساء السلام على المدى البعيد، وترفع من احتمالات تفجُّر نزاعات جديدة بسبب عدم تحقق انفراجة ملموسة في الجانب الاقتصادي والمعيشي.

يجب على المجتمع الدولي أن يتجاوز المساعدات المؤقتة ويمارس ضغطاً مستمراً للتوصل إلى حل سياسي شامل يعالج الأسباب الجذرية لهذه الأزمة التي صنعها الإنسان. وهذا يشمل ضمان حوكمة اقتصادية شفافة وعادلة، وضمان دفع رواتب القطاع العام، ورفع القيود التجارية التعسفية، ومحاسبة أولئك الذين يستغلون معاناة أمة لتحقيق مكاسب سياسية ومالية. عندها فقط يمكن لشعب اليمن أن يأمل في استعادة كرامته والاحتفال بتقاليده، بعيداً عن ظلال اليأس. إن الحاجة إلى دعم دولي حقيقي يركز على دعم الاستقرار السياسي والاقتصادي، عبر تقديم مساعدات مالية مباشرة، أمر بالغ الأهمية.