ألقى عبدالملك الحوثي، مساء الخميس، أول خطاب له منذ انتصار الثورة السورية وتحرير دمشق وهروب الأسد، وانسحاب إيران من هناك، في أقوى ضربة مؤلمة لمحور إيران خلال أسابيع. تلقى المحور سلسلة من الضربات على مدى الأشهر الماضية مثل اغتيالات قادة حزب الله واحتلال الشريط الحدودي جنوبي لبنان واغتيالات الضباط الإيرانيين في سوريا ولبنان، وتدمير الدفاعات الجوية الإيرانية بغارات الاحتلال دون رد إيراني رادع.
ركز الخطاب الحوثي على سوريا وتحول ميزان القوى في المنطقة على حساب إيران، واحتل جل الاهتمام بدلا عن فلسطين وما يحدث فيها على عكس الخطابات السابقة.
اتهم الحوثي عبدالملك الثوار السوريين بالخيانة والعمالة والإرهاب لصالح الاحتلال الإسرائيلي ضد إيران لأن الأخيرة خصم للاحتلال.
اعترف الحوثي بمرارة بفاعلية تحركات الثوار السوريين وتحريرهم سوريا من نظام الأسد بكفاءة وحسم، لكنه اتهمهم أيضاً بالذل والجبن والخور والضعف والمسامحة الكريمة تجاه الاحتلال. كما اتهم أنظمة عربية بتمويلهم وتسليحهم.
لم يذكر الحوثي مطلقا النظام السوري ولا بشار الأسد، وذهب آخرون كمحمد عبدالسلام من جماعة الحوثيين لاتهام نظام الأسد بالعلمانية والبعثية وغيرها، لكنهم اتفقوا على غرار ما ورد في خطاب خامنئي مرشد الثورة الإيرانية وقائدة المحور الإيراني بأن ما جرى مؤامرة صهيونية أمريكية لتغيير المنطقة.
قال عدنان الجبرني الصحفي المتخصص بجماعة الحوثيين "كان خطاب الحوثي نسخة محلية من خطاب خامنئي بالأمس: المُضي قُدماً".
قال خامنئي في خطاب موجه للداخل الإيراني: إن هزيمة الأسد يتحملها نظامه وجيشه وإن طهران كانت تحاول مساعدته لكن الأسد وجيشه فقد إرادة القتال، فتعذرت مساعدته، واتهم الولايات المتحدة وإسرائيل وتركيا بإسقاط الأسد لإضعاف جبهة إيران.
وعلى غرار وعيد خامنئي، توعد الحوثي بمواصلة الهجمات البحرية على السفن المرتبطة بالاحتلال والولايات المتحدة وبريطانيا، وبالهجمات على عمق الأراضي المحتلة، بعد أسبوع من المناقشات عن جدوى استمرار الهجمات الحوثية.
وقال الحوثي إنهم سيواصلونها بكل الطرق الممكنة.
يأتي الوعيد الحوثي بعد ما قال خامنئي بالأمس إن المقاومة ستستمر، والمهم ألا تفقد إرادة القتال ضد الاحتلال الإسرائيلي والوجود الأمريكي، وتوعد بأن تشمل جميع منطقة غربي آسيا "المشرق العربي".
كان عبدالملك العجري نائب رئيس وفد الحوثي المفاوض والقيادي البارز في الجماعة وله علاقات مع قيادات إيرانية ومع قيادات حزب الله قد كتب على صفحته بمنصة إكس إن على المحور أن يتوقف عن هجماته ضد الاحتلال، وأن يهتم بمصالحه الخاصة، بعد أيام من سقوط نظام الأسد، لكنه حذفها لاحقا بعد كلمة علي خامنئي.
في خطاب الحوثي لم يشر مطلقاً إلى ما يسمونه منذ فترة طويلة: وحدة الساحات، مع أنه تحدث عن عمليات مشتركة. يبدو أن تجاهل الحوثي لمسألة وحدة الساحات وعدم الإشارة إليها هذا الأسبوع مقارنة بالأسبوعين الماضيين وما قبلهما يعود إلى تحميل إيران لنظام الأسد مسؤولية انهياره، وتبريرها أنها لن تقاتل في بلد آخر نيابة عنه، وأن دورها يقتصر فقط على الاستشارة والتدريب وتعبئة الجهود وتأسيس مراكز القيادات وغيرها.
الاستعداد للنموذج السوري
كان أهم ماورد في خطاب الحوثي مساء الخميس توقع نموذج يمني شبيه بما حدث في سوريا.
وقال الحوثي: إنهم سيتصدون لأي تحرك وقد أعدوا له براً وبحراً وجواً وتجنيد مئات الآلاف من الشعب.
ومن الواضح أن القلق الحوثي من تكرار النموذج السوري في اليمن ضد الحوثيين الموقف الحوثي الغاضب على مستوى بقية القيادات، وقال محمد عبدالسلام فليتة القيادي الحوثي البارز المقيم في سلطنة عمان منذ سنوات بعد دقائق من انتهاء كلمة الحوثي على قناة المسيرة إن التغيير في المنطقة قد حدث، متوقعاً انتقاله إلى اليمن: "- اليمن ليس سوريا ولن نسكت لأي تحرك ضدنا وسنستهدف من يدعمون أي تحرك... من عليه أن يقلق ويتخوف وأن يشعر بالرعب هو الطرف الآخر، لأن أي تحرك ضد الحوثي هو لصالح الصهاينة يعني حرباً كبيرة جواً وبحراً وبراً، وسنستهدف كل داعم للمرتزقة والخونة".
علق عدنان الجبرني في صفحته على منصة إكس في صفحته على منصة إكس "بصوت مرتفع، وقلق وفزع واضحين حاول انتشال معنويات أنصاره بعد انتكاسات سوريا ولبنان مؤكداً على رفع مستوى المواجهة والتصدي لمكائد الأعداء".
الكاتب والباحث عبدالسلام محمد كتب على منصة إكس تعليقا على انفعال الحوثي ورفع صوته وحدته: "خطاب زعيم الحوثيين اليوم متشنج، ولأول مرة يظهر بهذه الصورة المنعدم فيها الطمأنينة والسكينة، وحتى الوقار الزائف. حالته النفسية انعكاس طبيعي للاضطراب الذي يعيشه، هو وحركته المسلحة في اليمن، خاصة وهم يرون محور إيران يتهاوى ونفوذ حليفهم ينهار".
محمد الباشا كتب أيضاً على صفحته وشارك مقطعاً من حديث الحوثي: "لم أرَ أو أسمع عبد الملك الحوثي بهذا الغيظ منذ زمن بعيد، لقد كان غضبه وشدته اليوم غير مسبوقين، حيث صرخ واندفع بعنف شديد لم نشهد له مثيلاً من قبل".
وأضاف الباشا في تغريدة أخرى "طبول الحرب تقرع في اليمن.. عبد الملك الحوثي غاضب، وجهه محمر، وعروقه منتفخة من الصدغين، وهو يصرخ بأعلى صوته، صوته مليء بالغضب".
الخبير الأمني د. علي الذهب كتب على صفحته في منصة إكس: "خطاب مسكون بالرعب وارتعاد الفرائص ما ظهر فيه المتمرد عبدالملك الحوثي. انتفخت أوداجه وهو يزبد ويرعد، في انكشاف متوقع".
يقول آخرون إن أشد ما في رعب الحوثي من التطورات في سوريا بجانب التغير الجيوسياسي، يتمثل بفاعلية قوات ردع العدوان وكفاءتها وحسن تنظيمها وإدارتها للمعركة الأخيرة، حيث استغرقت عملية ردع العدوان وطرد إيران وانهيار الأسد أقل من أحد عشر يوماً فقط، مع تطور كبير في الخطاب السياسي والإعلامي والإداري والبنية التنظيمية للثورة السورية.