تطرح عودة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب إلى البيت الأبيض العديد من التساؤلات التي ترتبط من جانب بطبيعة المقاربة التي سينتهجها في ولايته الجديدة تجاه ملفات الشرق الأوسط، ومن جانب آخر وعلى وجه الخصوص تجاه تنظيم الحوثيين في اليمن، وهل سيتبنى "ترامب" نهجاً قائماً على محاولة الاحتواء والردع على غرار سلفه جو بايدن، أم أنه سيتخذ إجراءات أكثر حدة تجاه الجماعة الحوثية، ولعل خصوصية هذه المسألة ترتبط بجملة من المتغيرات، في القلب منها أن عودة "ترامب" إلى البيت الأبيض تأتي في ظل وضع للشرق الأوسط هو الأسوأ منذ سنوات، الأمر الذي يزيد من أهمية التركيز على مقاربة "ترامب" المحتملة تجاه الحرب والتصعيد الجاري في المنطقة، خصوصاً وأنه كان قد قدم وعوداً عامة وغير تفصيلية في ثنايا حملته الانتخابية، مفادها أنه سوف ينهي الحرب، ما يعزز التساؤل بخصوص ماهية هذا الموقف، وما إن كان يعكس التوجهات المستقبلية لـ "ترامب" بالفعل أم أنه مجرد كارت وورقة انتخابية كان يوظفها "ترامب". الحسابات الحوثية تجاه عودة "ترامب" علق زعيم الحوثيين عبد الملك الحوثي على انتهاء الانتخابات الأمريكية وفوز دونالد ترامب في السباق الرئاسي للبيت الأبيض (١)، بالقول بأن "أمريكا تولّت الدعم والشراكة مع العدو الإسرائيلي إلى جانب بريطانيا.. هناك عقيدة دينية وأطماع استعمارية وأحقاد في المشروع على أمتنا، ويعتبرون الفرصة مهيأة لهم ووضعية الأمة زادت من طمعهم"، وأضاف: "الرؤساء الأمريكيون يتعاقبون على خدمة العدو الإسرائيلي والمشروع الصهيوني..بايدن كان يعلن للعرب أنه يؤمن بالمشروع الصهيوني الذي يستهدف أرضهم وعرضهم وبلادهم وأوطانهم وثرواتهم ومقدساتهم.. ترامب حرص على أن يقدم للعدو الإسرائيلي إنجازات معينة وتباهى بأنه فعل ما لم يفعله الرؤساء الأمريكيون من قبله"، واستطرد: "ترامب قال إنه مستعد لإعطاء إسرائيل المزيد من الأراضي العربية وهو يقصد ما يقول، وهذه هي حقيقة الأمريكيين.. ترامب يرى في الدول العربية الغنية بقرةً حلوباً، ويرى الفقراء أمة بائسة تعيسة ليس لها في حساباته إلا الموت والدمار" على حد تعبيره. وبشكل عام يمكن القول إن حسابات الحوثيين تجاه الانتخابات الرئاسية الأمريكية وتجاه عودة "ترامب" لن تكون مرتبطة بشخص الرئيس الأمريكي، بقدر ما ستكون مرتبطة بطبيعة المتغيرات التي ستشهدها المنطقة على وقع وصول "ترامب" لحكم البيت الأبيض، ويُمكن الاستدلال على هذه الفرضية من خلال مجموعة من المؤشرات الرئيسية: 1- طبيعة الانخراط الحوثي في التصعيد الجاري: انطلق الانخراط الحوثي في الحرب الجارية والتصعيد في المنطقة، من محددين رئيسيين الأول أن هذه الجبهة هي جبهة إسناد لغزة وحالياً غزة ولبنان، والثاني التدرج في التصعيد بدءاً من التضامن مع "طوفان الأقصى"، مروراً بالتصعيد العسكري في البحر الأحمر وفي المناطق الطرفية والساحلية الإسرائيلية، وصولاً إلى احتداد المعارك والوصول نحو المواجهات المباشرة المتقطعة مع إسرائيل، على غرار الاستهداف الحوثي لتل أبيب في 19 يوليو 2024، وكان الرد الإسرائيلي مناسباً لطبيعة العمليات الحوثية، بمعنى الاعتماد على عمليات الحلفاء وخصوصاً الولايات المتحدة وبريطانيا ضد الحوثيين، أو الرد بشكل مباشر على غرار ما حدث عندما استهدفت إسرائيل ميناء الحديدة في 20 يوليو 2024، ويعني ذلك عملياً أن جبهة الحوثيين تظل حتى اللحظة جبهة ثانوية بالنسبة لإسرائيل، وجبهة إسناد بالنسبة للحوثيين، ما يعزز الافتراض بأن مآلات هذه الجبهة سوف تكون مرتبطة إلى حد كبير بطبيعة الترتيبات التي ستحدث خلال الفترات المقبلة في كلاً من غزة ولبنان. 2- المكاسب التي حققها الحوثيون: أحد الاعتبارات المهمة التي تعزز من الافتراض السابق، تتمثل في طبيعة المكاسب التي حققها تنظيم الحوثي جراء انخراطه في هذا التصعيد، وذلك على مستويات متعددة، أولها بناء قواعد شعبية على المستوى الداخلي والعربي عبر توظيف القضية الفلسطينية، ما يتجسد في المظاهرات المستمرة التي تخرج في بعض المدن الخاضعة لسيطرة التنظيم والتي تعبر عن دعم عمليات الحوثي والتضامن مع الفلسطينيين واللبنانيين، وثانيها تغطية هذا التصعيد الحوثي على العديد من الأزمات خصوصاً الاقتصادية والاجتماعية، والتي تعيشها المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثي، وثالثها أن الحوثيين زادوا خلال الفترة من 7 أكتوبر 2023 وحتى اليوم من انخراطهم في إطار المحور الإيراني، ما يضمن للتنظيم مكاسب اقتصادية ولوجستية وعسكرية كبيرة على المدى المتوسط والبعيد، ويُضاف إلى ذلك أن التنظيم قد يوظف هذا التصعيد والمتغيرات الأخيرة في إطار أي تسوية سياسية قد يتم الشروع فيها بخصوص الملف اليمني. 3- عدم ردع الممارسات الأمريكية للحوثيين: بالنظر إلى نهج كلاً من دونالد ترامب خلال فترته الرئاسية الأولى، وجو بايدن خلال فترة رئاسته الحالية، سوف نجد أن الأول اعتمد على نهج يقوم على تقليل المواجهات مع الحوثيين سواءً من قبل الولايات المتحدة نفسها أو من خلال الحلفاء في المنطقة، مع الاعتماد على الضغط عبر تصنيف الحوثيين كتنظيم إرهابي أجنبي، فيما اعتمد الثاني في بداية حقبته على سياسة الاحتواء من خلال إلغاء تصنيف الحوثيين كتنظيم إرهابي ودعم التوصل لتسوية شاملة، مع تحول تدريجي في هذا النهج منذ الانخراط الحوثي في التصعيد الجاري، وذلك عبر الاعتماد على الضربات النوعية لمناطق نفوذ التنظيم، وتشكيل التحالفات على غرار "حارس الازدهار" في البحر الأحمر، وصولاً إلى إعادة تصنيف الحوثيين ولكن "ككيان إرهابي عالمي مصنف بشكل خاص" وهي درجة أقل من تلك التي تبناها "ترامب". وبالنظر إلى تداعيات هذه المقاربات سواءً في حقبة "ترامب" الأولى أو في حقبة جو بايدن، سوف نجد أن هذه المقاربات الأمريكية بأشكالها المختلفة لم تساهم في ردع التنظيم أو دفعه باتجاه التوصل لتسوية في الملف اليمني، ففي حقبة "ترامب" كان اتفاق "ستوكهولم" لعام 2018 فرصة بالنسبة للحوثيين لتعزيز نفوذهم في مناطق سيطرتهم والحصول على المزيد من الأسلحة من إيران، وفي حقبة "جو بايدن" لم تستطع كافة هذه التحركات الأمريكية ردع الحوثيين، سواءً العسكرية أو السياسية، وبالتالي فإن مدى تأثير الانتخابات الأمريكية على الحوثيين لن يكون مرتبطاً إلى حد كبير بشخص "ترامب" بقدر ما سيكون مرتبطاً بطبيعة السياسات التي سيتبناها "ترامب" تجاه التنظيم وتجاه التصعيد في منطقة الشرق الأوسط. طبيعة المحددات التي ستحكم مواقف "ترامب" يُمكن القول إن أحد السمات الرئيسية لـ "ترامب" والتي تُضفي تعقيداً كبيراً على مسارات تعامله المحتملة مع عدد من الملفات، ترتبط بشخصه وطبيعة سلوكه المفاجئ والغير متوقع، لكن أحد الافتراضات المطروحة فيما يتعلق بنهج "ترامب" خلال حقبته الجديدة هي أن هذه المقاربات لن تكون بالضرورة استنساخاً لسياساته ومواقفه خلال حقبته السابقة، وذلك بحكم المتغيرات التي طرأت على المشهد الدولي والإقليمي، والتغيرات التي طرأت على الولايات المتحدة وعلى "ترامب" نفسه، لكن حتى تسلم "ترامب" للحكم بشكل رسمي في يناير المقبل، يُمكن القول إن المعيار الرئيسي للحكم على المسارات المحتملة التي سيتبناها سوف يكون محكوماً باعتبار خلفية الرجل الاقتصادية وإيمانه بمبدأ الصفقات، فضلاً عن التجربة السابقة لترامب في رئاسة البيت الأبيض، وفي ضوء ما سبق يُمكن القول إننا قد نكون أمام بعض المسارات الرئيسية فيما يتعلق بتعامل "ترامب" مع الحوثيين، وذلك على النحو التالي: 1- تقليل الانخراط الأمريكي في مواجهة التنظيم: ما إن تم الإعلان عن فوز دونالد ترامب بالانتخابات الرئاسية الأمريكية، حتى خرج روبرت أف كندي جونيور، وهو أحد السياسيين الأمريكيين المعروفين بقربهم من "ترامب" ويُتوقع أن يلعب دوراً مهماً في الإدارة الأمريكية الجديدة، وأشار إلى أن "ترامب يعتزم سحب القوات الأمريكية الموجودة في سوريا وعدم الإبقاء عليها" (٢)، أيضاً فإن "ترامب" نفسه كان قد أشار في حملته الانتخابية إلى أن "أولويته هي وجود جيش أمريكي قوي يُركز على حماية الأراضي الأمريكية"، وباستقراء هذه التصريحات ودلالتها، وفي ضوء تجربة "ترامب" السابقة في البيت الأبيض، يُمكن القول إن "ترامب" أميل إلى تقليل الانخراط العسكري الأمريكي المباشر في مهام خارجية، ما يعني عملياً أن "ترامب" قد يتجه إلى إنهاء فكرة الانخراط العسكري الأمريكي المباشر في مواجهات مع الحوثيين والاعتماد بدلاً من ذلك على مقاربات بديلة. 2- احتمالية دعم صفقة كبرى لإنهاء التصعيد: أحد السمات الرئيسية لدونالد ترامب تتمثل في أنه شخص واقعي يتعامل بمنطق "الصفقات" واعتبارات المكسب والخسارة، وإذا ما وُضعت التصريحات الأخيرة لترامب بضرورة إنهاء الحرب على قاعدة انتصار إسرائيل، وهي تصريحات تتجاوز الدعاية الانتخابية لاعتبار أن ذلك سوف يمثل مكسباً سياسياً كبيراً بالنسبة لترامب في بداية حقبته، وما يعزز من هذا الافتراض أن بعض التقارير أشارت إلى أن ترامب أبلغ نتنياهو خلال اللقاء بينهما في الولايات المتحدة، في شهر يوليو 2024، أنه يريد إنهاء حرب غزة تزامناً مع عودته إلى منصبه في البيت الأبيض في يناير 2025، إذا ما وُضعت هذه التصريحات جنباً إلى جنب مع الخسائر المترتبة على استمرار هذه الحرب بالنسبة للولايات المتحدة، يُمكن القول إن "ترامب" قد يجنح إلى تسوية صفقة كبيرة في المنطقة تضمن إنهاء حالة التصعيد الراهنة، بما في ذلك التصعيد من ناحية الحوثيين في البحر الأحمر. ويبدو أن ملامح هذه الصفقة قد تكون متعددة الأبعاد، لتشمل ترتيبات مع بعض الأطراف الإقليمية والعربية بخصوص "اليوم التالي" في غزة ولبنان، جنباً إلى جنب مع حرص "ترامب" على استكمال مسار "الاتفاقات الإبراهيمية" خصوصاً فيما يتصل بالتطبيع السعودي الإسرائيلي، ويُضاف إلى ذلك الدفع باتجاه تسوية للملف اليمني مدفوعاً في ذلك بوجود رغبة سعودية مشابهة، وربما الاعتماد في ثنايا ذلك على استراتيجية "الضغوط القصوى" لإنجاز هذه الملفات. 3- الاعتماد على سياسة "الضغوط القصوى": ربما يلجأ الرئيس الأمريكي الجديد دونالد ترامب، كبديل لتكلفة الانخراط العسكري المباشر في مواجهات مع الحوثيين ومن خلفهم إيران إلى الاعتماد على سياسة "الضغوط القصوى" على التنظيم اليمني، بما يضمن دفعه باتجاه تقليل وتيرة التصعيد، والدفع باتجاه تسوية شاملة في الملف اليمني، ويُمكن أن يلجأ في هذا الإطار إلى فكرة العقوبات الاقتصادية الكبيرة، جنباً إلى جنب مع فكرة التصنيف على لوائح الإرهاب كتنظيم إرهابي أجنبي على غرار تنظيم القاعدة. ختاماً يُمكن القول إن وصول "ترامب" إلى الحكم مجدداً في البيت الأبيض يطرح العديد من السيناريوهات بخصوص المقاربة التي سيتبناها الرئيس الأمريكي الجديد تجاه الحوثيين في اليمن، لكن المؤكد أن استنساخ نفس السياسات السابقة لترامب أو إدارة جو بايدن، بمعزل عن تسويات حقيقية في المنطقة تضمن وقف التصعيد، وضغوط على الحوثيين للقبول بتسوية سياسية شاملة في اليمن، لن تكون مجدية على مستوى ردع التنظيم أو إحداث أي اختراقات في الملف اليمني.