أخبار محلية

مدرسة صغيرة وأحلام كبيرة.. معاناة طلاب الزتان في رحلة التعليم

المصدر

مع بداية كل عام دراسي يسلك صهيب محمد من أبناء قرية الزتان صباح كل يوم ثلاثة كيلومترات مشياً على الأقدام إلى مدرسة "الجبل الأخضر" بمنطقة العدف التابعة لعزلة المنعم بمديرية جبل حبشي، لتلقي تعليمه الثانوي.

يقول صهيب محمد حسن (18 عاماً) لـ "المصدر أونلاين": "أذهب صباح كل يوم من كل عام دراسي إلى المدرسة لتلقي التعليم، رغم بعد المسافة التي تستغرق مني ساعات، إلى جانب وعورة الطريق التي أسلكها، لكني مضطر إلى ذلك، فلا بديل غيرها، فكل المدارس الأخرى بعيدة عن قريتنا."

ومنذ سنوات طويلة يعيش أهالي قرية الزتان التابعة لـ عزلة الشراجة بمديرية جبل حبشي غربي محافظة تعز صعوبات وتحديات كبيرة نتيجة افتقار المنطقة للطرقات والمدارس الحكومية والخدمات الصحية والكهرباء ومشاريع المياه الصحية، دون أي تدخل من قبل السلطات المحلية للتخفيف من معاناتهم.

وتعد قرية الزتان واحدة من عشرات القرى الريفية في تعز، التي يعاني سكانها من حرمان التعليم وانعدام الخدمات الأخرى في ظل غياب السلطات والجهات المعنية عن تقديم المشاريع الخدمية للمنطقة، الأمر الذي أجبر أهالي المنطقة على نقل مؤونتهم من مسافات بعيدة مشيًا على الأقدام، وذهاب أبناءهم إلى مدارس أخرى بعيدة عن القرية لاستكمال تعليمهم الدراسي.

ويعتبرون وعورة الطريق أكبر عائق أمامهم في تردي الكثير من الخدمات الحيوية، خاصة التعليم ونقل المواد الغذائية، الأمر الذي يجعلهم يدفعون فاتورة باهظة لمواجهة الصعوبات التي يعيشونها.

ويتابع حسن حديثه بالقول: "مررنا بمراحل صعبة ومأساوية ونحن نسلك طرقاً جبلية ووعرة كل صباح عند ذهابنا إلى المدرسة بحثاً عن التعليم، أملين بمستقبل جيد."

ويضيف: "كان عندما يمرض أحد من زملائنا ونحن في نصف الطريق أما في الصباح أو وقت الظهيرة، يصيبنا الرعب والخوف. نتساءل: ماذا سنفعل له ونحن في هذه الطريق الجبلية الوعرة، الخالية من كل شيء، لا مياه، لا سكان، لا رعاة؟ كان أحياناً نتساءل: ماذا لو سقط أحدنا من هذه القمم الشاهقة، ماذا سيحدث له؟ أسئلة كثيرة نتساءل بها ولم نجد لها إجابة."

ونتيجة افتقار قرية صهيب لمدرسة حكومية لتلقي أبناءها التعليم، يسلك غيره العشرات من الطلبة كل صباح ساعات طويلة للذهاب إلى مدارس أخرى تبعد عن القرية أربعة كيلومترات، ثم يعودون منها ظهراً بين حرارة الشمس الملتهبة.

يشير حسن إلى أن بعضاً من طلاب المنطقة تلقوا تعليمهم الأساسي والإعدادي في مدرسة "التوحيد" عرشان الواقعة في منطقة الزريبة التابعة لعزلة الشراجة، وطرق هذه المدرسة بعيدة ووعرة، تأخذ من وقتهم كل يوم أربع ساعات ذهاباً وإياباً.

ظروف مأساوية

في هذا السياق، يقول إيهاب حافظ، أحد سكان المنطقة لـ "المصدر أونلاين": "منذ أن سكن آباؤنا وأجدادنا في هذه المنطقة ونحن نعيش ظروفاً مأساوية، محرومين من كل شيء، لا طرقات، لا مدارس حكومية، لا كهرباء، لا خدمات صحية، وكأننا معزولون عن المجتمع والعالم."

ويضيف حافظ: "ونتيجة بعد المسافة بين المدارس الأخرى والقرية، وخوفًا على الأطفال وهم يسلكون طرقاً جبلية وعرة، قام الأهالي بجهود ذاتية على نفقتهم ببناء مدرسة لتعليم الأطفال مكونة من فصلين دراسيين قبل حوالي 20 عاماً، يتم فيها تعليم الأطفال من الصف الأول إلى الثالث. 

ونتيجة لصغر حجمها، ولم تستوفِ باقي الفصول الأخرى، يضطر الطلبة إلى مواصلة تعليمهم في مدارس أخرى بعيدة عن المنطقة. مشيراً إلى أن المدرسة باتت على وشك الانهيار وظهرت عليها آثار تشققات، وأن سطح المدرسة على وشك السقوط نتيجة اهتراء الأخشاب، وأنه خلال موسم الأمطار لم يعد يتم التدريس فيها خوفًا من سقوطها على رؤوس الطلبة."

وبحسب حافظ، فإن الطلاب يواجهون مخاطر يهابها الكبار وهم يسلكون طرقاً جبلية شاهقة ووعرة مشياً على الأقدام أثناء ذهابهم إلى المدرسة، كمدرسة التصحيح بقرية الأشروح، أو مدرسة طارق بن زياد بمنطقة القبة التابعة لعزلة الشراجة، إلى جانب المدارس الأخرى بمنطقة البريهة. 

ويشير إلى أن الطرق الواصلة من المدارس إلى القرية أشبه بميادين المغامرات الخطرة، يُجازف التلاميذ بالسير فيها، أملاً في اللحاق بطابور الصباح.

ويؤكد حافظ أن القرية تفتقر لأبسط مقومات الحياة رغم أن عدد سكانها يبلغ حوالي 3000 نسمة، ونتيجة لضيق المدرسة واحتوائها على طلاب قرية الزتان وقرية عرير السفلى وقرية عرير العلياء، لم تتسع لعدد الطلاب الكبير. 

ويضطر الأهالي لتدريس أولادهم تحت الأشجار بين حرارة الشمس، ومبانٍ مهجورة لا تتوفر فيها البيئة التعليمية والأجواء المناسبة، مما يخلق معاناة مزدوجة بالنسبة للطلبة والمعلمين في ظل غياب الجهات المعنية.

غياب الدولة وتدني التعليم

على مدار أعوام مضت، ظل أبناء قرية الزتان من الأطفال يتلقون التعليم في مدرسة صغيرة مكونة من فصلين دراسيين تم بناؤها على نفقة الأهالي، والتي تحتوي طلاب التمهيدي والابتدائية من الصف الأول إلى الثالث، أملين من سلطات الأمر التدخل العاجل لبناء صرح تعليمي مكتمل واعتماد المدرسة ضمن مكتب التربية والتعليم بالمحافظة ليحظى طلاب المنطقة بتعليم جيد كبقية القرى المجاورة في العزلة.

في السياق، يقول الناشط المجتمعي أحمد الجهمي (35 عاماً) من سكان المنطقة لـ "المصدر أونلاين" إن أبناء القرية يقطعون مسافات طويلة كل يوم مشياً على الأقدام لمواصلة تعليمهم الأساسي والثانوي، كون المنطقة تفتقر لمدرسة حكومية لتلقي أبناءها التعليم دون الذهاب إلى مناطق أخرى بعيدة.

ويضيف أن بعض الطلبة يتركون تعليمهم نتيجة بعد المسافة ووعورة الطريق التي يسلكونها إلى المدارس الأخرى، ناهيك عن صغر سنهم وخوف الأهالي عليهم من الذهاب إلى مدارس بعيدة تقدر مسافتها بـ 3 إلى 4 كيلومترات.

وفي وقتٍ سابق، حاول الأهالي إضافة فصل ثالث في المدرسة، حيث تم بناء القواعد والأعمدة الخرسانية والجدران، ونتيجة للظروف الاقتصادية الصعبة التي يمرون بها، كون المنطقة خالية من أية مشاريع أخرى كالطرقات والكهرباء والخدمات الصحية، منعتهم من إكمال بناء السطح، الأمر الذي أجبر الطلاب على افتراش الأرض تحت أشعة الشمس وهبوب الرياح لتلقي التعليم، مما يؤثر سلباً على تركيزهم وتعليمهم.

وفي رسالة جماعية وجهها أهالي قرية الزتان لـ "المصدر أونلاين"، طالبوا الجهات المعنية والمنظمات ومكتب التربية والتعليم بالمحافظة بالنظر إلى الوضع المأساوي الذي يعيشه أبناؤهم الطلبة من حرمان التعليم، وتوسيع المدرسة وإضافة فصول دراسية لاستيعاب عدد أكبر من الطلبة، لنيل حق من حقوقهم وهو الالتحاق بالتعليم.

وأضافوا أن دور السلطة المحلية بالمديرية والسلطات بالمحافظة يقتصر على بناء مدرسة واعتمادها وضمها إلى مكتب التربية والتعليم بالمحافظة، مشيرين إلى أن مدير المديرية، فارس المليكي، قد وعدهم في وقت سابق ببناء مدرسة متكاملة، وحتى اللحظة لم يتم بدء العمل في المشروع.

المصدر اونلاين