أخبار محلية

تقرير: عودة العطاس.. رمزية السياسة الجنوبية في قلب التنافس الإقليمي

المصدر

عاد المهندس حيدر أبو بكر العطاس، مستشار رئيس مجلس القيادة الرئاسي، إلى مدينة عدن للمرة الأولى منذ ثلاثين عامًا، في زيارة أثارت تساؤلات حول دلالاتها وتوقيتها، لا سيما في ظل التطورات الأخيرة في حضرموت وتفاهمات السعودية مع الحوثيين.

العطاس، الذي غادر المدينة في عام 1994 إثر الحرب، عاد إليها في وقت تشهد فيه البلاد تشظيًا سياسيًا وتنافسًا محليًا وإقليميًا على النفوذ، خاصة في محافظة حضرموت. هبط المستشار الجنوبي رفقة الرئيس رشاد العليمي، في زيارة هي الثانية للبلاد بعد عودته الأولى ضمن الوفد الرئاسي إلى مدينة المكلا، عاصمة المحافظة المترامية، في يونيو/حزيران العام الفائت.

وشغل العطاس منصب رئيس هيئة رئاسة مجلس الشعب الأعلى (بمثابة الرئيس الشرفي للدولة) لجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية التي كان عمليًا آخر رؤسائها حتى إعلان الوحدة اليمنية التي ترأس فيها أول حكومة، قبيل مغادرته البلد على إثر حرب صيف 1994.

العطاس في عدن.. لماذا الآن؟ "ترتبط الزيارة في الإطار العام بتطور التفاهمات السعودية مع الحوثيين، لكن الأوضاع المتأزمة في حضرموت هي المهمة الرئيسية خلف عودته"، وفق ما قاله المحلل السياسي والصحفي صلاح السقلدي لـ"يمن فيوتشر".

يضيف، "دفعت السعودية وتدفع بقيادات حضرمية سياسية وقبلية وعسكرية، وإلى ذلك شكلت عديد الكيانات لإحداث حضور سعودي فاعل في حضرموت الاستراتيجية وبالتأكيد في المهرة شرقًا".

ويأتي الحدث بُعيد أيام من احتشاد الآلاف من أنصار المجلس الانتقالي الجنوبي في ذكرى الرابع عشر من أكتوبر/تشرين الأول في مدينة سيئون، مركز مديريات وادي حضرموت، حيث تشكل المحافظة النفطية محورًا استراتيجيًا للتنافس الإقليمي.

ووادي حضرموت محور تنافس محليًا بين المجلس الانتقالي الجنوبي من جهة مع قوات المنطقة العسكرية الأولى التي تتمركز في سيئون، وهي على علاقة بحزب التجمع اليمني للإصلاح من جهة ثانية.

وتدعم السعودية تحالفًا سياسيًا واسعًا في المحافظة الشرقية تم إشهاره في العاصمة الرياض، يونيو/حزيران 2023، تحت مسمى "مجلس حضرموت الوطني"، بهدف تعزيز نفوذها هناك.

ويعود التنافس على حضرموت إلى تحرير مدينة المكلا عام 2016 من قبضة تنظيم القاعدة. ومنذ ذلك الحين، تسيطر قوات النخبة الحضرمية على الساحل، وهي قوات محلية مدعومة إماراتيًا، لكن مع تقلص وجود أبو ظبي في اليمن منذ عام 2019، اتسع مجال التنافس الإقليمي، حيث سعت السعودية لتعزيز نفوذها عبر دعم القوى المحلية في حضرموت

العطاس وحضرموت: رسالة مزدوجة

على ما يبدو، تحمل زيارة العطاس في هذا التوقيت رسائل سياسية موجهة لعدة أطراف محلية وإقليمية. ورغم محدودية التأثير المباشر للعطاس على الأرض، إلا أن اسمه قد يكون ورقة تستخدمها السعودية لتعزيز نفوذها في حضرموت، حيث يحظى بعلاقات جيدة مع الرياض، ويمكن أن يلعب دورًا في تسوية النزاعات بين الأطراف الجنوبية المتنافسة.

وعلى الرغم من أن العطاس يحمل صفة المستشار لرئيس مجلس القيادة الرئاسي، إلا أن تأثيره الفعلي يأتي من مكانته التاريخية ورمزيته في الجنوب، حيث كان رئيسًا لمجلس الشعب الأعلى ورئيسًا للحكومة اليمنية، "رغم محدودية تأثيره على الأرض، يمكن الاستفادة من اسمه لتوجيه رسائل سياسية تهدف إلى تعزيز نفوذ السعودية في حضرموت وإبعاد القوى غير المرغوب فيها من الساحة السياسية"، وفق ما ذهب إليه السقلدي.

العلاقة مع المجلس الانتقالي الجنوبي لم يصدر المجلس الانتقالي أي تعليق رسمي على زيارة العطاس، لكن العلاقة بين الطرفين ليست في أفضل حالاتها بسبب اختلاف الرؤى حول مستقبل الجنوب. العطاس، الذي يدعو إلى إقامة دولة فيدرالية من إقليمين، يميل إلى حلول تدريجية تحقق الاستقرار بأقل الخسائر، بينما يسعى الانتقالي إلى السيطرة المباشرة وفك الارتباط عن الشمال بشكل أسرع.

هذا التباين في الرؤى يعكس الخلاف الأعمق بين العطاس وعلي سالم البيض، الذي كان شريكًا له في قيادة الجنوب قبل 1994. بينما اتخذ البيض مسارًا أكثر تشددًا نحو فك الارتباط، ظل العطاس متمسكًا بخيار الفيدرالية كحل طويل الأمد للأزمة اليمنية، وهي وجهة النظر ذاتها التي ما زال يتمسك بها الرئيس الجنوبي الأسبق علي ناصر محمد.

العطاس في ميزان التأثير رغم تقدمه في السن، يظل العطاس شخصية مؤثرة سياسيًا واجتماعيًا في الجنوب، خاصة في حضرموت. ومع ذلك، يرى السقلدي أن دوره في المرحلة المقبلة قد يكون محدودًا في ظل تعقيدات المشهد السياسي الحالي، رغم أن الرياض قد تستفيد من رمزيته لتعزيز نفوذها وتوجيه رسالة إلى الأطراف المحلية والإقليمية.

يقول الصحفي محمد الطويل إن عودة رئيس الوزراء الأسبق بعد غياب طويل تحمل أبعادًا سياسية واضحة، مشيرًا إلى أنه لا يستبعد أن هناك أطرافًا دفعت بعودته في هذا التوقيت الحساس.

أضاف لـ"يمن فيوتشر"، "عودة العطاس مرتبطة بجهود المملكة العربية السعودية، حيث كان يقيم منذ سنوات، التي تسعى لتهيئة الساحة لتسوية سياسية شاملة". وأشار الطويل إلى أن الرياض تحاول، عبر العطاس، الدفع بحلول تتوافق مع سياساتها، مستغلة ما تبقى من شعبيته وحاضنته الاجتماعية في الجنوب.

من هو حيدر أبو بكر العطاس؟ سياسي جنوبي بارز من محافظة حضرموت (85 عامًا)، تولى عديد المناصب الحكومية في اليمن الجنوبي حتى وصل رئاسة الدولة، كما كان رئيسًا للحكومة اليمنية الموحدة عام 1990. لعب دورًا مهمًا في السياسة الجنوبية خلال العقود الماضية، قبل مغادرته البلاد عام 1994 إثر الحرب بين الشمال والجنوب، ليقيم في المملكة العربية السعودية.

كان من الموقعين على اتفاقية الوحدة 30 نوفمبر/تشرين الثاني 1989. وبعد مغادرته اليمن، بقي العطاس بعيدًا عن المشهد السياسي حتى عام 2011 عندما شارك في مؤتمر القاهرة، إلى جانب الرئيس الأسبق علي ناصر محمد، ضمن تحالف عريض ضم عشرات القادة الجنوبيين، بهدف إعادة صياغة الوحدة عبر دولة "فيدرالية من إقليمين، مع حق تقرير المصير للجنوب".

وبعد مرور نصف شهر من إعلان تحرير مدينة عدن في الـ17 من يوليو/تموز، أصدر الرئيس السابق عبدربه منصور هادي في مطلع أغسطس/آب 2015 قرارًا بتعيينه مستشارًا سياسيًا، وهو أول منصب يتقلده منذ العام 1994.

العلاقة مع الانتقالي

لم تصدر تصريحات رسمية من المجلس الانتقالي الجنوبي، لكن العلاقة بين الطرفين يشوبها التوتر. كما تعكس العلاقة توترات سابقة بين العطاس والزعيم الجنوبي الأسبق علي سالم البيض، رغم شراكتهما في جبهة واحدة حتى العام 1994.

ورفض الانتقالي التعليق على الزيارة رغم محاولات وسائل الإعلام الحصول على رد. ومع ذلك، يشير السقلدي، "دور العطاس في السياسة أصبح محدودًا بسبب تقدمه في العمر"، لافتًا إلى أن أهميته قد تتركز في حضرموت بدعم سعودي. فيما يرى الطويل أن الزيارة قد تحقق أهدافًا بسيطة، لكنها لن تغير من واقع القرار السياسي، الذي لا يزال بعيدًا عن أيدي الأطراف المحلية.

ويظل السؤال معلقًا حول الدور الذي قد يلعبه العطاس في الصراع على النفوذ الدائر في حضرموت والجنوب. ووسط التنافس السعودي الإماراتي، تظل حضرموت منطقة استراتيجية، وقد يكون العطاس ورقة سعودية لتوجيه رسائل سياسية في هذا السياق، رغم محدودية تأثيره المباشر.