أصدرت منظمة سام للحقوق والحريات، اليوم الخميس 3 أكتوبر، تقريرًا حقوقيًا يوثق فصولاً جديدة من نتائج تحقيقات استقصائية أجراها فريق المنظمة حول جرائم الإخفاء القسري والتعذيب للمعتقلين السياسيين في اليمن.
التقرير الاستقصائي الذي حمل عنوان "سنوات الجحيم" ضمن مشروع مراقبة العدالة من أجل المناصرة والإصلاح القانوني وحقوق الإنسان في اليمن، يهدف إلى توثيق انتهاكات حقوق الإنسان خلال فترة الحرب في البلاد، بغية زيادة الوعي بحالة حقوق الإنسان، وحمايتها، عن طريق تمكين المجتمع المدني اليمني من مناصرة العدالة وتعزيز المساءلة.
ووثقت سام في هذا التقرير 32 انتهاكاً طالت الحريات الشخصية في محافظتي صنعاء وعدن، خلال فترة الصراع من 2015 إلى 2023.
وقال التقرير ان جميع الضحايا مدنيون، وانهم تعرضوا للاعتقال التعسفي، والإخفاء القسري والتعذيب
وأشارت المنظمة إلى أن حالات الاعتقال والإخفاء والتعذيب الموثّقة في هذا التقرير اشتركت بعدد من السمات، أهمها: أنها جاءت بدوافع سياسية، وتشابهت في النمط، وجرت من دون أوامر قضائية، ولم يتم إبلاغ الضحايا بأسباب الاعتقال، كما أنهم أُخفوا قسريًا في الأيام أو الأشهر الأولى بعد الاعتقال، إضافة إلى توجيه تهم متشابهة لهم، تركز التحقيق حولها، وأبرزها الانتماء إلى حزب الإصلاح، والتخابر والعمل لصالح العدوان "التحالف العربي"، واتهام البعض منهم بتعكير السلم العام، بسبب كتاباتهم، إضافة إلى الاشتراك في الحرمان من الحقوق، بما في ذلك: منعهم من زيارة أهاليهم لهم، وعدم التمكن من حق الدفاع، بالإضافة إلى نهب ومصادرة ممتلكات غالبيتهم.
وذكر التقرير أن مليشيا الحوثي مسؤولة عما نسبته 88 ٪ من أصل 32 حالة وثقها المشروع من المعتقلين السياسيين وغير السياسيين، ممن استهدفهم التقرير، ومسؤولة عن معظم جرائم الإخفاء القسري والتعذيب التي تعرض لها المحتجزون ممن تربطهم علاقات سياسية مع الأحزاب اليمنية.
وفقاً للشهادات التي جمعها فريق المنظمة، فإن أغلب الضحايا المحتجزين وُجّهت لهم أسئلة أثناء التحقيق، حول انتماءاتهم السياسية وتوجهاتهم الفكرية، مع تكرارها في مراحل التحقيق، بأساليب وأشكال مختلفة، من التعذيب النفسي والجسدي للضحية. وعقب انتزاع "اعترافات تحت التعذيب" من المحتجزين، يتم اعتمادها وتحويلها إلى سلطات القضاء، كأساس في إسناد تلك التهم للضحايا، وصولاً إلى المحكمة وصدور حكم قضائي مبني على تهم ملفقة ناتجة عن مواقف سياسية وفكرية للضحية.
واكدت إفادات الضحايا التي وثقها فريق المنظمة، أن طرفي الصراع قد استخدما وسائل تعذيب قاسية، في مراكز الاعتقال، في صنعاء وعدن، اتسمت بالتكرار والمنهجية، وأحدثت آلامًا جسدية ونفسية للضحايا، بهدف إحراز نتيجة من التعذيب وانتزاع أدلة. وقد استمرت آثارها الجسدية والنفسية بعد الإفراج عن الضحايا، كالإصابة بأمراض مزمنة وحالات نفسية صعبة، جراء تعرضهم للإهمال الطبي في مراكز احتجاز تفتقر إلى الرعاية الصحية ومعدات الإسعافات الأولية، بحسب إفادة المحتجزين.
كما سلط التقرير الضوء على حملة الاعتقالات التعسفية التي طالت العديد من الموظفين اليمنيين العاملين في وكالات الأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية الدولية والمحلية في العاصمة صنعاء، منذ 31 مايو/ أيار 2024، والتي توصف بأنها الأولى من نوعها في اليمن، وتهدد بصورة مباشرة الجهود الإنسانية وجهود المجتمع المدني في البلاد.
كما أدت الاعتقالات الأخيرة إلى تكثيف التحريض ضد العاملين في مجال الإغاثة والمجتمع المدني، حيث تحث الحملات العامة والخطوط الساخنة المواطنين على الإبلاغ عن "الأنشطة المشبوهة". تهدد هذه الحملة سلامة وعمليات الجهود الإنسانية في اليمن، مع احتمال حدوث المزيد من الاعتقالات التي تلوح في الأفق.
وأكد التقرير أن مؤسسات إنفاذ القانون في اليمن، بما في ذلك القضاء، ضمن أبرز المؤسسات التي طالتها الحرب، حيث تعرضت لاستقطاب حاد أسقط معه قدسية القضاء واستقلاليته.
واوضح ان كل سلطة في اليمن شكلت مجلس قضاء ومحكمة عليا ووزارة عدل خاصة بها، بالإضافة إلى تعيين نائب عام وقضاة للمعهد العالي للقضاء، وأصبحت أكثر فشلاً وهشاشة في الوفاء بمعايير المحاكمات العادلة.
ووتحول القضاء إلى أداة من أدوات الصراع، ووسيلة للانتقام من الخصوم، وظهر ذلك جليا في عدد أحكام الإعدام التي صدرت من قبل المحاكم الجزائية المتخصصة في قضايا الإرهاب وأمن الدولة ضد الخصوم، والتي وصلت بحسب إحصائية لمنظمة سام إلى أكثر من 550 حكماً بالإعدام من قبل المحاكم التابعة لجماعة الحوثي.
وطالبت سام الحكومة اليمنية بإجراء تحقيق شفاف وشامل ونزيه حول الادعاءات بانتهاكات حقوق الإنسان، بما فيها الاعتقال السياسي والإخفاء القسري والتعذيب.
كما دعت المنظمة إلى ضمان الوصول الكامل ودون عوائق للمراقبين الدوليين والمستقلين إلى الأراضي اليمنية، بما في ذلك السجون ومراكز الاحتجاز التي تديرها قوات المجلس الانتقالي وجماعة الحوثي والتشكيلات الأمنية والعسكرية المختلفة، وإنشاء آليات رقابية قوية لمراقبة سلوك جميع القوات الأمنية والعسكرية والتشكيلات المسلحة، وضرورة محاسبة المسؤولين عن تلك الانتهاكات من خلال محاكمات عادلة وشفافة.