مجدداً، يتحرك الملف اليمني في أروقة الدبلوماسية الدولية في إطار مناقشات إضافية، بحثاً عن حلول تفك شفراته المعقدة التي يزيدها التصعيد الحوثي ورفضه المتكرر لدعوات السلام تعقيداً، بحسب موقع صحيفة "اندبندنت عربية"
وقالت الاندبندنت، ان العاصمة البريطانية شهدت اجتماعاً ضم وزير الشرق الأوسط البريطاني والمبعوث الأميركي الخاص إلى اليمن تيم ليندركينغ، وسفيري الولايات المتحدة ستيفن فاجن والسعودية محمد آل جابر، خصص لمناقشة الأزمة
ورغم ان الاجتماع الذي كرس لقضية اليمن لم يكشف عن تفاصيل الرؤية لحلها، الا انه أظهر تأكيدات بريطانية على إحلال السلام في اليمن، كـ"أمر حيوي للاستقرار الإقليمي"، وفقاً لما كتبه وزير الشرق الأوسط في تدوينة على حسابه في منصة "إكس".
وبعودة التفتيش في أوراق ملف الأزمة اليمنية وما تكتنفه من تشعبات وتعقيدات مركبة، تحضر الأسئلة التي تحاصر عملية حلها وجدوى الجهود الإقليمية والدولية لهذا المسعى في ظل "تعنت حوثي"، إذ رفضت مليشيا الحوثي الانصياع لدعوات السلام عندما كانت في وضع عسكري وسياسي أضعف، فكيف تقبله اليوم وهي تتمترس خلف ترسانة أسلحة إيرانية.
اللقاء الذي يتزامن مع أحداث لاهبة تشهدها السواحل الغربية اليمنية وتصاعدت وتيرتها أخيراً بفعل العمليات الحوثية في البحر الأحمر ضد السفن الدولية والرد الأميركي المقابل على مواقع مفترضة للجماعة، يعزز فرضيات ابتعاد فرص الحلول الدبلوماسية الواعدة نحو سلام مستدام.
يرى مراقبون، وفق اندبندنت، أن الرؤى الغربية لفرض الحل في اليمن اليوم لم تكن هي ذاتها المطروحة قبل العمليات الحوثية التي تستهدف القطع البحرية في طرق الملاحة الدولية، إذ كانت الولايات المتحدة وبريطانيا تضغطان على الحكومة الشرعية والإقليم الداعم لها للقبول بجملة الحلول المطروحة مع الجماعة المدعومة من إيران.
فالولايات المتحدة وفقاً لتصريحات مسؤوليها لم تعد ترى الحوثي جديراً بالدخول في عملية سياسية تفضي لحل نهائي ومستدام، وإدماجه في مستقبل اليمن السياسي عندما تعلق الأمر بالمصالح الغربية في المياه الدولية.
وفي أبريل (نيسان) الماضي استبعد ليندركينغ التوصل إلى حلول سياسية في ظل استمرار النهج الحوثي في البحر الأحمر فقط، وقال "لا يزال التزامنا بعملية السلام في اليمن ثابتاً لا يتزعزع، لكن الحوثيين لم يتركوا للمجتمع الدولي أي خيار".
وأضاف "المفاوضات الناجحة صعبة جداً إذا ما استمر الحوثيون بأعمالهم العدوانية".
وجاء حديث ليندركينغ وكأن المأساة الإنسانية الأسوأ على مستوى العالم التي سببها الانقلاب الحوثي على اليمنيين ليست كافية لتضعهم في خانة الطرف "غير الجاد" بالاعتراف الدولي كفصيل سياسي في مستقبل اليمن، وهي المفارقة التي سبق وحذرت الحكومة اليمنية من اعتباراتها عند رعاية الحلول الدبلوماسية للأزمة الدامية.
ذلك لأن "الشرعية" ظلت تعتبر الحوثي ميليشيات منفلتة استولت على سلاح الدولة وتلقت دعماً إيرانياً بأسلحة متطورة يشرف عليها خبراء وضباط من الحرس الثوري، للسيطرة على اليمن وتهديد جيرانه خدمة لمشروع طهران في المنطقة العربية والممرات المائية.
هذا الموقف دفع الحكومة لمخاطبة المجتمع الدولي مراراً لدعمها سياسياً وعسكرياً على أن تتولى مهمة القضاء على الحوثي وتأمين البلاد وسواحلها وإنهاء المشروع الإيراني العابر للحدود.
يرى الباحث السياسي فارس البيل أن ثمة إشارة من المبعوث الأميركي في مقابلته الأخيرة، تكشف عن عدم رغبة المجتمع الدولي والإدارة الأميركية في أن يكون الحوثي شريكاً سياسياً بالسلوك الذي ينتهجه.
يقرأ البيل هذه المعطيات بأنها مؤشر على وضع خريطة السلام على رف التأجيل نتيجة سلوك الحوثي ومغامراته في البحر الأحمر، ويضيف "يبدو تصريح ليندركينغ الأخير كما لو أنه تلويح للحوثي بالعودة لخريطة السلام والتوقف عن ممارساته".
على رغم ذلك يعتقد البيل أن "المجتمع الدولي يدرك أن الحوثي، وما يقوم به يعد نوعاً من رفع سقف الشروط من إيران التي أصبحت ورقة التفاوض معها (إيران) هي الحوثي مع الغرب".
ولذلك يأتي هذا الاجتماع في "سياق الحديث عن هذه التطورات ويكشف عن رغبة في محاولة غلق المشكلة اليمنية مع ترقب لما بعد الانتخابات الأميركية، فجاء اللقاء كما لو أنه تدارس لطبيعة ما سيتم".
يتابع "فلا التحرك العسكري في البحر الأحمر كان حازماً حتى نرى رغبة في إبعاد الحوثي تماماً، ولا أغلقت أبواب البحث عن حل سياسي".
وإزاء هذه المعطيات يقول البيل إن "المجتمع الدولي يدرك وجود عوائق كثيرة أمام عملية السلام، لأن القرار ليس بيد الحوثي وما يقوم به مجرد دور في مسرح كبير المخرج فيه إيران".
وبقراءة في خفايا المقاربة التي يجري تجهيزها يرى أن "مناقشة الملف اليمني تأتي في إطار مناقشات تتعلق بتطورات المنطقة العربية ككل ولا تقرأ تحرك الحوثي بشكل منعزل عنها، بالتالي يكون المجتمع أمام خيارين، إما الضغط على الحوثي عسكرياً أو دفعه للحل السياسي".
يتابع "المجتمع الدولي والفاعلون في الملف اليمني يدركون أن الذهاب لهذين الخيارين تتعلق بهما كثير من الحبال السياسية، ولذلك فالمسألة ستظل في هذا المنطق، محاولة لجر الحوثي لمربع السلام والضغط على الطرف الحكومي لتقديم مزيد من التنازلات كمحاولة لإفقاد إيران ورقة التفاوض القوية لديها".
ويختتم مستدركاً "لكن إيران لن تمنح الغرب هذه القيمة بشكل كامل وسنشهد في هذه المسألة نوعاً من السجال الذي لا حسم فيه ولا حل، حتى تتضح الرؤية أكثر عقب الانتخابات الأميركية".