كان عدد من المعارضين لنظام الرئيس اليمني الراحل علي عبد الله صالح يصفون حزب المؤتمر الشعبي العام، بـ"حزب الحاكم" بدلاً عن "الحزب الحاكم"، على الرغم من أنه كان يحكم البلاد منذ تأسيسه في 24 أغسطس/آب 1982، أي بعد نحو أربع سنوات من تربع صالح على سدة الحكم في 17 يوليو/تموز 1978، حتى تسليمه السلطة في فبراير/شباط 2012. المعارضون لنظام صالح كانوا يرون أن "المؤتمر الشعبي" اليمني لا يرتكز على أيديولوجية فكرية، ولا على فكر محدد، أو برنامج سياسي واضح، فهو تجمع من الناس التفوا حول شخص الرئيس، وبالتالي فمستقبل الحزب مرهون بحياة الشخص، وربما ينتهي بموته.
وتأسس المؤتمر الشعبي العام في 24 أغسطس 1982، ويعد أحد أكبر الأحزاب السياسية في اليمن، وساهم مع الحزب الاشتراكي اليمني في تحقيق الوحدة اليمنية في 22 مايو/أيار 1990. في الانتخابات البرلمانية في إبريل/نيسان 1993 حصد "المؤتمر الشعبي" اليمني 121 مقعداً من أصل 301، وفي انتخابات 1997 حصد 187 مقعداً، ثم في انتخابات 2003 حصد 238 مقعداً، ما أهله لتشكيل الحكومة حتى سقوط صالح في 2011، إثر الاحتجاجات التي عمّت اليمن في ظل ثورات الربيع العربي.
أزمة "المؤتمر الشعبي" اليمني الأزمة الحالية التي يعيشها "المؤتمر الشعبي" اليمني الذي يعاني من التشظي والانقسام، تثبت صوابية المسمى الذي أطلق عليه "حزب الحاكم". فعقب ثورة 11 فبراير الشبابية الشعبية في العام 2011، بدأت بوادر تشظي الحزب مع جملة الانشقاقات التي أعلنها قادة مدنيون وعسكريون من نظام صالح، احتجاجاً على قمع المحتجين السلميين، وإعلانهم تأييدهم للثوار. ازداد حجم الشرخ أكثر عقب إطاحة صالح من رئاسة اليمن وتعيين عبد ربه منصور هادي رئيساً توافقياً، في 21 فبراير 2012، لينقسم المؤتمريون إلى جناحين، الأول اعتبر هادي رئيساً لحزب المؤتمر الشعبي العام كونه رئيساً للدولة، فيما أبقى الجناح الثاني رئاسة الحزب لصالح، مضفياً عليه لقب "الزعيم".
فكرة ارتباط "المؤتمر الشعبي" اليمني بشخص صالح لم تكن فكرة وليدة، بل إن الشاعر والمؤرخ اليمني عبد الله البردوني (1929-1999)، وفي حوار صحافي نشرته صحيفة النداء اليمنية عقب وفاته بسنوات، وصف حزب المؤتمر الشعبي العام بأنه "مجرد لملمة ومجرد جمع ناس إلى ناس، أصوات وأغانٍ وتظاهرات، لكن لا ينفعون في سياسة خلاقة، ينفعون للتظاهرات، وينفعون للزامل (صنف من الأهازيج الشعبية)، لكن لا ينفعون للسياسة الكبرى، لأنه (المؤتمر الشعبي) ليس له رؤية سياسية يستميت لأجلها".
بعد إقصائه من منصب رئيس الجمهورية، ظل صالح متشبثاً بمنصب رئيس حزب المؤتمر الشعبي العام، وعيّن القيادي صادق أبو راس نائباً لرئيس الحزب، بعد إقالة هادي من منصبه الحزبي، عام 2014، بصفته نائباً لرئيس "المؤتمر الشعبي" اليمني وأمينه العام. كما أقال صالح في الوقت نفسه، عبد الكريم الإرياني من منصبه نائبا لرئيس "المؤتمر الشعبي"، وهي خطوة زادت من حجم الشرخ داخل الحزب. خطوة صالح التصعيدية ضد هادي جاءت عقب اتهامه له بالوقوف وراء قرار العقوبات الصادرة عن مجلس الأمن عام 2014 (حذفت لجنة العقوبات التابعة لمجلس الأمن، نهاية الشهر الماضي، اسمي علي عبد الله صالح ونجله أحمد، من قائمة العقوبات الخاصة بالأفراد والكيانات المعرقلة للسلام في اليمن)، والتي تقضي بمنعه من السفر وتجميد أرصدته المالية، نتيجة مساهمته بعرقلة عملية السلام في اليمن، غير أن هذه الخطوة لاقت معارضة كبيرة داخل الحزب.
التحالف مع الحوثيين هذا الجناح المؤتمري الذي يقوده صالح، تحالف مع الحوثيين عقب إسقاطه، إذ كان يهدف للانتقام من القوى التي شاركت في الثورة الشبابية الشعبية. ومع بقاء نفوذ صالح وسيطرته الفعلية على الجيش، قام بتسهيل تسليم المعسكرات للحوثيين، وصولاً إلى سيطرة جماعة أنصار الله على صنعاء في 21 سبتمبر/أيلول 2014. في 28 يوليو 2016 أعلن صالح مع جماعة الحوثيين تشكيل "المجلس السياسي الأعلى" بما هي هيئة تنفيذية عليا لحكم اليمن، ليصبح التحالف بين الطرفين رسمياً، بعد أن كان يتخفى وراء إعلان مواقف مشتركة من "العدوان"، في إشارة إلى التحالف العربي لاستعادة الشرعية في اليمن، والذي تقوده السعودية والإمارات.
على الرغم من الإعلان أن رئاسة المجلس السياسي دورية بين "المؤتمر الشعبي" اليمني والحوثيين، إلا أن الحوثيين مددوا لرئيس المجلس صالح الصماد المنتمي للجماعة، واستأثروا برئاسة المجلس مع اتباع سياسة تهميش "المؤتمر الشعبي"، وتقليص دوره، إذ عيّن الحوثيون مشرفين منهم على وزراء الحزب في الحكومة المشكلة من الطرفين. في الثاني من ديسمبر/كانون الأول 2017 دعا صالح أنصاره للانتفاضة ضد جماعة الحوثيين، لكن الجماعة أخمدت التمرد بعد اشتباكات عنيفة بين الطرفين في صنعاء انتهت بمقتل صالح، ومعه الأمين العام للحزب عارف الزوكا، في الرابع من ديسمبر 2017.
بعد مقتل صالح انتقلت رئاسة الحزب ــ جناح صنعاء، إلى القيادي صادق أبو راس، الذي شكل مطلع 2018 قيادة جديدة للحزب من قيادات مؤتمرية في صنعاء، قابعة تحت الإقامة الجبرية، وتمارس تحالفاً معلناً - بالإجبار - مع الحوثيين. ويشغل أبو راس منصب رئيس الحزب، وثلاثة نواب له هم نجل صالح المقيم في الإمارات، أحمد (تم تعيينه غيابياً)، ورئيس برلمان حكومة صنعاء الشيخ يحيى الراعي، وقاسم لبوزة، فيما يشغل غازي أحمد الأحول منصب الأمين العام للحزب. في المقابل، فإن "المؤتمر الشعبي" ــ جناح الشرعية، له قيادة مستقلة برئاسة هادي، ويشغل رئيس مجلس الشورى أحمد عبيد بن دغر منصب الأمين العام للحزب، ورئيس مجلس النواب سلطان البركاني منصب الأمين العام المساعد. بموازاة ذلك، هناك جناح ثالث للحزب مدعوم من الإمارات على رأسه أحمد علي عبد الله صالح، ووزير الخارجية الأسبق أبو بكر القربي، ومحافظ تعز الأسبق حمود الصوفي، وأحمد الكحلاني.
وسط هذا التشرذم يرى الكثير من قواعد "المؤتمر الشعبي" اليمني أن رفع العقوبات عن أحمد صالح، قد يمثل بارقة أمل في إعادة لملمة صفوف الحزب من جديد نتيجة الشعبية التي يحظى بها. غير أن آخرين يرون أن الواقع السياسي الجديد لا يخدم تطلعات نجل صالح السياسية، خصوصاً مع تشكيل العميد طارق صالح، ابن ابن عمّ أحمد، المكتب السياسي لـ"المقاومة الوطنية". المكتب يعد كياناً سياسياً له نفوذه العسكري على الأرض، وتمثيله السياسي في عضوية مجلس القيادة الرئاسي، بالإضافة لتشكيل العشرات من برلماني "المؤتمر الشعبي" اليمني كتلة خاصة بالمكتب السياسي.
التأثر بالأحداث اليمنية يقول نائب رئيس الدائرة الإعلامية لحزب المؤتمر الشعبي العام عبد الحفيظ النهاري، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن "تأسيس المؤتمر الشعبي كان بشراكة شعبية وسياسية واسعة، تمثل مرجعية وضمير الشعب اليمني، وهو نابع من هويته الوطنية غير مرتهن لفكر وافد، وليس أسيراً لأيديولوجيا، أو قوى خارجية". ويضيف أن تأسيس الحزب "استند إلى حوار وطني انبثق عنه مشروع وطني جامع مستفتى عليه شعبياً، تمثل في الميثاق الوطني كدليل فكري ونظري، وفي المؤتمر الشعبي، كحامل تنظيمي وطني لبرنامج سياسي واقعي، يستند إلى أولويات وتطلعات الشعب اليمني، وينبذ التطرف والعنف وينتهج الوسطية والاعتدال".
ويشير النهاري إلى أن "حال المؤتمر الشعبي هو حال بقية الأحزاب في تأثره بالمتغيرات الدراماتيكية التي واجهها اليمن، والواقع الذي خلفته الصراعات والحروب في فترة ما بعد 2011، وبعد انقلاب المليشيا الحوثية على المسار الديمقراطي الانتقالي، وسيطرتها بقوة السلاح على العاصمة والمؤسسات". ويوضح أنه "نجم عن الحرب والصراعات المسلحة شتات القيادات في كل الأحزاب ونزوحها إلى الخارج، وانفصالها عن جماهيرها وقواعدها، وليس المؤتمر الشعبي استثناء في ذلك".
ويلفت النهاري إلى أن "المؤتمر الشعبي" اليمني "يراهن على تعزيز وحدته الداخلية واستعادة تماسكه التنظيمي من خلال الحوار الداخلي والديمقراطي في حياته التنظيمية، وتعزيز تكويناته ومرجعياته التنظيمية التي احتفظ بتماسكها النسبي رغم كل الأحداث التي عصفت به". ويقول إن "ذلك مرهون بتحقيق السلام الوطني، وتهيئة الأجواء الطبيعية للعمل السياسي، والتعاون والاصطفاف الوطني حول الثوابت الوطنية التي تجمع ولا تفرق".
من جهته يعتبر المحلل السياسي اليمني محمد الحكيمي، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن أزمة "المؤتمر الشعبي" اليمني الحقيقية "ناتجة من تحالفه مع الحوثيين ومساعدتهم في السيطرة على الدولة، وتسهيل اجتياحهم صنعاء والمدن اليمنية بدواعي الانتقام من القوى التي شاركت في ثورة فبراير".
ويقول إن "هذه الخطوة كانت بمثابة ردة على النظام الجمهوري وعلى ثورة 26 سبتمبر 1962 (إعلان قيام الجمهورية العربية اليمنية)، وهو ما أدى إلى حالة انقسام في صفوف قواعد المؤتمر الشعبي العام، وانعكس هذا الانقسام على الصف القيادي الأول، ما أسفر عن أجنحة متعددة داخل الحزب".
ويضيف أن "إشكالية المؤتمر الشعبي جزء من مشكلة عامة تعاني منها الحياة الحزبية في اليمن، والتي فقدت قدرتها على ممارسة نشاطها المدني في ظل تسيّد المليشيات والجماعات المسلحة للمشهد السياسي العام لليمن". ويرى الحكيمي بالتالي أن "تعافي الأحزاب السياسية مرهون باستعادة الدولة، لأنه لا يمكن لحزب سياسي أن يمارس عمله في ظل غياب الدولة ومؤسساتها".