بحكم طبيعته الجغرافية، يعتبر سهل تهامة (غرب اليمن) مصباً لعدد من الوديان وممراً للسيول الموسمية، الأمر الذي يعرضه للخطر السنوي في مواسم هطول الأمطار والتي تحولت خلال السنوات الأخيرة، بفعل التغيرات المناخية، إلى منخفضات جوية متكررة.
يصب في سهل تهامة الذي تتوزع أراضيه إدارياً على محافظات (حجة والحديدة وتعز) ما يقارب تسعة وديان كبيرة ، وأهم هذه الوديان "وادي مور، وسهام، وسردد، ورماع، ونخلة، ووداي زبيد، ووداي تباب بالقناوص، ووادي علوجة، ووادي اللاوية" وتتفرع عن كل الوديان السابقة وديان وسيول صغيرة.
تمثل هذه الوديان شريان حياة لسكان تهامة طوال أيام السنة الا أنها تحولت هذا العام الى مصدر للكارثة، المتوقعة سنوياً، وأدت إلى وفاة عدد كبير من المواطنين وخسائر مادية لم تستطع أي جهة تقديرها بشكل دقيق نظراً لعدم توفر الإمكانات اللازمة لذلك. منذ بداية شهر أغسطس بدأت الأمطار بالهطول على السهول والمناطق التهامية والمرتفعات المحيطة بها في كل من محافظة اب وريمة والمحويت وحجة إضافة إلى نزول الأمطار في كل مديريات تهامة الأمر الذي تسبب في نزول الوديان المعهودة إضافة إلى السيول التي تكونت بشكل مفاجئ نتيجة لطول فترة الأمطار التي امتدت لأكثر من أسبوع بشكل متقطع.
جاء مساء الثلاثاء الماضي في السادس من أغسطس ليكشف عن كارثة تكونت بفعل جريان الماء في الوديان والسيول المفاجئة إضافة لتشبع الأرض نتيجة الأمطار التي امتدت منذ بداية الأسبوع، كارثة لم يكن بمقدور أبناء تهامة مواجهتها خاصة وأن الغالبية منهم يسكنون في بيوت طينية أو "عشش" تُبنى من سعف النخيل.
ضربت السيول والأمطار أكثر من 14 مديرية من مديريات محافظة الحديدة إضافة الى أربع مديريات من مديريات محافظة حجة، لتمتد الكارثة على الخط الساحلي الممتد من ميدي في محافظة حجة الى الخوخة في محافظة الحديدة.
غياب الأرقام
غابت الأرقام الحقيقة لتقدير حجم كارثة السيول في تهامة وهذا يرجع لأسباب يمكن تلخيصها بالتالي: أولاً: المنطقة الواسعة التي ضربتها الأمطار والسيول والفيضانات والممتدة ربما على أطراف خمس محافظات هي تعز واب وريمة والمحويت وحجة إضافة الى مركز الكارثة وهي مديريات محافظة الحديدة، وهو أمر يفوق إمكانيات الحكومة، وهذا ما أعلنته وزارة الخارجية اليمنية بعد يوم من الكارثة داعية الشركاء الإقليميين والدوليين لمساعدتها في جهود الإغاثة.
ثانياً: الكارثة الأكبر تركزت في مديريات محافظة الحديدة الواقعة تحت قبضة جماعة الحوثي والتي تفرض عليها تكتماً غير مفهوماً، ولا يظهر حجم الكارثة الحقيقي للعالم.
ثالثاً: غياب آليات التوثيق الدقيقة وانعدام الكهرباء خاصة وان السيول ضربت الأجزاء الريفية التي تكاد تكون الكهرباء فيها شبه منعدمة إلا من بعض الألواح الشمسية التابعة للمواطنين والتي جرفت السيول جزءً كبيراً منها.
تضاربت الأرقام حول حجم الأضرار إلا أنَ أقربها إلى الحقيقة هي ما أعلنه مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية "أوتشا" عن تضرر أكثر من 10 آلاف أسرة، وما أعلنته السلطة الشرعية لمحافظة الحديدة عن وفاة 63 شخصاً، إلا أن مراقبين وسكان محليين أكدوا أن هناك قرى كاملة جرفتها السيول ولم تعد موجودة ولم تصل إليها جهود الإغاثة حتى لحظة كتابة هذه المادة. الوحدة التنفيذية لإدارة مخيمات النازحين – ونطاق عملها ضمن المديريات التابعة للحكومة الشرعية- أكدت في تقرير أن 1527 أسرة تضررت جراء السيول في مديرية "حيس" لوحدها، بينما قام نشطاء تهاميون بحصر أكثر من 5392 أسرة في 14 مديرية واقعة تحت سيطرة الحوثيين رغم صعوبة الحصر هناك والتعرض لمضايقات الحوثيين.
غياب جهود الإغاثة
غابت جهود الإغاثة الحكومية والخيرية لثلاثة أيام برغم معاناة الناس واحتياجاتهم الطارئة، مما يجعل الأمر غير مفهوماً خاصة من قبل الأمم المتحدة التي تداعت سريعاً في ظروف سياسية يعرفها الجميع مبررة ذلك بالوضع الإنساني وهذا يطرح تساؤلات عدة.
وبعد مرور أيام من الكارثة رأينا تحركات محصورة جداً ولا ترقى لحجم الكارثة من قبل "الخلية الإنسانية" التابعة للمقاومة الوطنية في الساحل الغربي بدعم من الهلال الأحمر الإماراتي وكذلك وصول مساعدات من "البرنامج السعودي" إضافة الى جهود كويتية، واقتصرت تلك الجهود على توزيع البطانيات والسلل الغذائية.
بينما تلك الجهود لا ترقى لحجم الخسائر التي تسببت بها السيول من جرف للمنازل بساكنيها والمواشي والمزارع والممتلكات، وعليه فإن حجم الكارثة يستدعي أن تتكاتف الجهود للتخفيف من أثرها، وأن تعمل على النزول لحصر الضرر الحقيقي المروع، كما أتمنى أن يسمح الحوثيون بجهود الحصر والإغاثة فالناس في حاجة شديدة لتعويضهم والوقوف الى جانبهم.
المصدر أونلاين