أخبار محلية

كواليس الصراع الاقتصادي.. كيف راوغ الحوثيون قرارات البنك المركزي لكسب الوقت وانتظار الضغوطات الخارجية (الجزء الأول)

المصدر

عام 2019، بدأت جماعة الحوثي تصعيدها الاقتصادي في اليمن عبر قرار منع تداول العملة اليمنية المطبوعة حديثًا وهو ما كرّس الانقسام النقدي في البلد. إلا أن العام 2022، مثّل بامتياز لحظة تدشين الحرب الاقتصادية، التي بادر إليها الحوثي بهدف تقويض موارد الشرعية الاقتصادية على أمل الدفع نحو انهيارها داخلياً وكذلك تهميشها سياسيًا قبل أي عملية تفاوضية مرتقبة.

وخلال العامين "2022-2023" اتخذ الحوثيون سلسلة من الخطوات التصعيدية الموجعة؛ أبرزها ضرب موانئ تصدير النفط (جنوب وشرق اليمن) ومنع شراء الغاز المنزلي من مأرب، وفرض نقاط جباية في خطوط التماس وأخذ ضريبة مضاعفة على التجار الذين يستوردون بضائعهم من موانئ الشرعية.

خلال العام 2024، اكتسب الحوثيون مزيداً من الثقة السياسية الممزوجة بغرور القوة، وقد شهدت سياستهم العدائية الاقتصادية نقطة تحول جوهري، إذ لم يعد هدفها انتزاع مزيد من الموارد، بل بات هدفها منازعة المركز القانوني للشرعية وتحقيق "السيادة النقدية".

وخلال مارس الماضي، قامت سلطة الحوثين بتوجيه البنوك التجارية في صنعاء، بعدم التعامل مع بنكي القطيبي والبسيري رداً على قرارات تشكيل البنك المركزي في عدن الشبكة الموحدة للتحويلات المالية، وفي 30 مارس قام الحوثيون بتجاوز كافة الخطوط الحمراء، وأعلنوا صك عملة نقدية من فئة 100 ريال وطرحها للتداول.

الشرعية اليمنية تقلب الطاولة

في بداية إبريل الماضي عقد مجلس القيادة الرئاسي اجتماعاً عاجلاً ضم قيادة البنك المركزي والفريق الاقتصادي المساند للمجلس الرئاسي، للتباحث حول كيفية التعامل تجاه طبع الحوثيين لعملة مزيفة.

وبحسب مصدر حكومي رفيع لـ"المصدر أونلاين"، فإن رئيس مجلس القيادة رشاد العليمي أخبر الحاضرين بان هذا الإجراء لو مر فهو فعلاً بداية النهاية لسلطة الحكومة الشرعية، وقد طلب العليمي تقديم اقتراحات بهذا الخصوص.

ويضيف المصدر أن توصيات الاقتصاديين انقسمت إلى صنفين: الأولى توصيات تدعو إلى التكيف وهي التي قدمها الفريق الاقتصادي بقيادة حسام الشرجبي وعثمان الحدي، والثانية توصيات تدعو إلى المواجهة قدمها البنك المركزي اليمني بقيادة أحمد المعبقي.

"لقد اخبر المعبقي الحاضرين بأن لديه خطة للرد لكنها تتطلب من قيادة الشرعية التماسك والصلابة، وقد أمره الرئيس العليمي بالبدء في تنفيذها وأنه سوف يوفر له الغطاء السياسي المطلوب"، هكذا وصف المصدر خلاصة الاجتماع.

وبالفعل قام البنك المركزي اليمني - المقر الرئيسي عدن، بتوجيه كافة البنوك التجارية بنقل مقراتها الرئيسية إلى العاصمة المؤقتة للبلاد، ومنحهم شهرين فقط للامتثال لهذا الأمر. ولإثبات مصداقية البنك، فقد انتهج جملة من الإجراءات التدرجية للضغط على الحوثيين والبنوك المتخلفة، كان من أهمها:

1- قرار بحظر التعامل الداخلي مع 6 بنوك كبرى، لأنها لم تمتثل لنقل مقراتها إلى عدن.

2- قرار بتوريد العملة القديمة إلى البنك المركزي، وذلك تمهيداً لإلغاء التعامل بها.

3- قرار بمنع شركات التحويل المالي العالمية مثل "ويسترن يونيون، وموني جرام" من التعامل مع أي شركات صرافة حتى التي في مناطق الحوثي ما لم يكون ثمة تصريحات من البنك المركزي.

الحوثي يراوغ سراً ويصعد علنا

مثلت قرارات البنك المركزي نقطة تحول جذري في مسار الصراع، إذ أنه وللمرة الأولى منذ توقف معركة الحديدة تمكنت الشرعية اليمنية من استعادة زمام المبادرة وتأكيد مركزها السيادي واستقلالها السياسي.

وفي المقابل أصيبت جماعة الحوثي بحالة هيستيريا، وظهر زعيمها بكافة خطاباته يؤكد على أن قرارات البنك تمثل حرباً كونية على جماعته، ويلوح بالرد التصعيدي العسكري العابر للحوثيين.

لكن خطاب الحوثيين التصعيدي لم يكن معبراً بصدق عن موقفهم الفعلي، فقد كشف مصدران مصرفيان ومصدر ثالث أممي، عن ان الجماعة قررت التواصل من خلال المبعوث الاممي لتعلن استعدادها لتقديم التنازلات للشرعية مقابل عدم المضي في تطبيق القرار.

وبحسب المصادر، فإنه خلال مايو الماضي قدمت جماعة الحوثي عرضاً رسمياً للشرعية يتضمن ثلاث نقاط: الأولى استعدادها للاعتراف بأن البنك المركزي في عدن، وان صنعاء سيكون مجرد فرع، والثانية استعدادها لسحب العملة التي طبعوها من التداول وهو ما تم فعلا.

اما الثالثة فقد عرضوا استبدال بعض العملات التالفة لديهم بعملات جديدة مطبوعة من الشرعية، وبحسب المصادر فقد جاء العرض على النحو التالي: "استبدال 10 مليار ريال من فئة المئة ريال، واستبدال 12 مليار ريال من فئة المئتين ريال" .

لقد بدا واضحاً حينها أن المركزي نجح في تحقيق أول أهدافه وهو إفشال خطوة طبع عملة جديدة، لذا فإنه قرر الانتقال إلى الهدف التالي المتعلق بفرض السيادة النقدية، وبحسب مصدر رفيع في البنك المركزي، فقد كان رد المعبقي "نحن نصرّ على استبدال كافة العملات التالفة، ويجب أيضاً إلغاء كافة القرارات والقوانين الحوثية التي تتدخل في قطاع الصرافة".

وبحسب المصدر فقد كان البنك المركزي في عدن يتشكك من عروض الحوثيين هذه، وقد أعادت إدارته تحليل نهج الحوثيين التفاوضي خلال جولات السلام السابقة خصوصاً وان محافظ البنك المركزي احمد المعبقي كان احد أعضاء الوفد الاقتصادي للشرعية في مفاوضات ستكهولم وقد كان أول المعترضين على مخرجات المفاوضات، وأخبر الرئيس هادي حينها أن مصير الحديدة سوف يؤول للحوثيين.

وبناءً عليه اعتبرت إدارة البنك أن عروض الحوثين قد لا تعدو عن كونها مناورة لشراء الوقت إلى حين اختبار مدى جدية الشرعية في المضي قدما، وبحسب المصدر فقد جاءت توجيهات مجلس القيادة الرئاسي متطابقة أيضا مع تقديرات البنك ومطالبة إياه بالمضي قدما في قراراته.

وحينما أصدر البنك المركزي سلسلة قرارات حازمة خلال شهري مايو ويونيو تقدم الحوثيون بعرض جديد يبدو أكثر امتثالاً لشروط الشرعية. وبحسب مصادر مصرفية متطابقة في صنعاء وعدن، فقد نقل الحوثيون عبر مكتب المبعوث استعدادهم للمضي في تطبيق خمسة شروط في حال وافق البنك المركزي على التفاوض معهم:

1- توحيد العملة

2- حرية القطاع المصرفي وتراجعهم عن أي تدخل في عمل البنوك

3- الغاء كل القوانين التعسفية التي اعتدت على حقوق المودعين

4- وقف الحرب الاقتصادية

5- استئناف تصدير النفط وتسليم المرتبات

لقد بدأ الموقف الموقف النظري للحوثيين فعلا في الاستجابة لمطالب الشرعية، لكن الجماعة كانت أيضا تشتري الوقت كي تختبر مدى جدية الشرعية اليمنية، وتؤجل قرارات نقل البنوك قدر الإمكان.

وفي هذا الوقت كانت جماعة الحوثي في صنعاء تتعرض لضغوط موازية من رؤساء البنوك الستة المشمولة بقرار البنك المركزي، بعد أن اخبروهم بان المهلة الزمنية الممنوحة لهم تنفد ولم يعد أمامهم سوى الانتقال إلى عدن.

حينها وبحسب مصادر مصرفية في صنعاء، قرر الحوثيون تفعيل استجابتهم الأمنية مع الأحداث، وقامت أجهزتهم الأمنية بأخذ بيانات جميع الموظفين في البنوك وهددتهم باعتقال أي شخص يفكر بالمغادرة إلى عدن ومصادرة أصول البنوك التي قد تستجيب لقرار النقل، وفي الوقت نفسه قدمت دعوة خاصة لرؤساء البنوك لزيارة صعدة وهناك أبلغوا ان "عبدالملك الحوثي شخصيا سوف يضمن عدم تطبيق القرارات ضدهم".

في الجزء الثاني: (لماذا قد تتراجع الشرعية عن قراراتها؟)

المصدر أونلاين