تواظب "أروى حداد" زوجة القيادي بالمقاومة الشعبية "عادل حداد"، منذ حوالي ثمان سنوات على حضور الوقفات والفعاليات الاحتجاجية المطالبة بالكشف عن مصير المخفيين قسراً في العاصمة المؤقتة عدن، طرقت كل الأبواب واستخدمت كل الوسائل ليصل صوتها إلى من تعتقد أن بيدهم مصير زوجها المخفي قسراً منذ سنوات ومع ذلك لم تتمكن من الحصول على أي معلومة عن مصيره.
خرج عادل الحداد من منزله في 27 نوفمبر/تشرين الثاني 2016 واستقل سيارته لإنجاز بعض مشاويره لكنه من يومها لم يعد ولم يعثر له على أثر وكل ما عرفته زوجته أن مسلحين تابعين للحزام الأمني استوقفوه في أحد الحواجز ونقلوه إلى جهة مجهولة.
إلى جانب البحث عن زوجها وجدت أروى نفسها مسؤولة عن إعالة أسرة مكونة من سبعة أطفال كان عادل مسؤولاً عن توفير احتياجاتهم، وهي معركة مستحيلة في ظل حالة العوز والفاقة التي خلفتها الحرب وتردي الأوضاع الاقتصادية وتضاعف أعداد الفقراء.
معركة غير مرئية تخوضها أروى، ومعها عشرات النساء الأخريات في عدن، ورغم أن الحكومة الشرعية تتخذ من المدينة مقراً لها، إلا أنها فعلياً تحت سيطرة تشكيلات مسلحة تابعة للمجلس الانتقالي المدعوم من الإمارات.
يقوم مرتكبو الانتهاكات بتسليح أنفسهم بجيوش من الإعلاميين والنشطاء الذين يشوشون على أصوات ذوي الضحايا، مما يمنع تحويل هذه الانتهاكات إلى قضايا رأي عام، ويجعلها مجرد مادة للمشاحنات والمناكفات.
مؤخراً تعرض المقدم علي عشال الجعدني للإختطاف والإخفاء، من مدينة عدن، ولا يزال مصيره مجهولاً إلا أن التحرك الذي تبع هذه القضية ولا تزال تداعيات هذه القضية مستمرة إلى اليوم خصوصاً مع دخول أطراف قبلية ومراكز نفوذ على خط الأزمة تمكنت من تصعيد هذه القضية على الواجهة وأجبرت المسؤولين على اتخاذ إجراءات بدأت بإقالة يسران المقطري قائد قوات مكافحة الإرهاب (وهي تشكيل عسكري يتبع المجلس الانتقالي)، ووصلت الإجراءات حد توجيه النائب العام بالتحقيق في قضية اختفاء المقدم الجعدني وهو ما لم يحدث في عشرات القضايا المشابهة.
بعد معركة تحرير مدينة عدن من مليشيا الحوثي وسيطرة المقاومة الشعبية والقوات الموالية للحكومة الشرعية على المدينة خلال شهر يوليو من العام 2015، دخلت الجماعات المسلحة التابعة للمجلس الانتقالي، لتشهد المدينة بعدها موجة اختطافات تزامنت مع اغتيالات طالت عشرات الشخصيات والقيادات المدينة العسكرية والدينية والاجتماعية.
وبحسب قائمة أعدتها رابطة أمهات المختطفين والمخفيين قسرا، وتحصل عليها "المصدر أونلاين"، فقد بلغ عدد المعتقلين والمخفيين قسرا في سجون قوات الحزام الأمني التابعة للمجلس الانتقالي بالعاصمة المؤقتة عدن، 77 شخصا بينهم 62 شخصا تم إخفاؤهم قسريا و15 معتقلاً تعسفياً.
معاناة الاختطاف والإخفاء
لم تكن " أروى حداد "، هي الوحيد فهناك العشرات من السيدات والأمهات اللاتي يشاركنها المحنة والأمل نفسه، وما يزلن في انتظار اليوم الذي قد تفتح فيه قضيتهم المنسية، ويُكْشَف عن مصير ذويهم والإفراج عنهم.
في 27 يناير 2018 خرج التربوي والشخصية الاجتماعية "زكريا أحمد قاسم"، من منزله في مدينة عدن متجهاً لأداء صلاة الفجر إلا أنه لم يعد حتى اللحظة ولا تعرف أسرته أي معلومات عن مصيره.
تقول سهام أحمد شقيقة المختطف والمخفي قسرا زكريا إن عائلتها تعاني مثل بقية أهالي المخفيين من الخوف والقلق الدائم على مصير زكريا والذي اُخْتُطِف من قبل مسلحين في مدينة عدن.
وتضيف سهام في حديثها لـ "المصدر أونلاين" أنها ذهب مراراً للسلطات المعنية في عدن إلا أنها صدمت برفض كل المسؤولين الإدلاء بأي معلومة عن المخفيين قسرا والكشف عن مصيرهم، وامتنعت من التحرك والضغط في ملف المخفيين وكأنه ليس من اختصاصها أو مسؤوليتها.
وتؤكد أن قضية اختطاف وإخفاء المقدم علي عشال تمثل قضية كل المخفيين قسرا منذ 2016، وتمت بنفس الأدوات ونفس الأشخاص المتورطين في جميع قضايا الإخفاء القسري، مطالبةً إدارة الأمن بالتحرك الجاد والسريع للكشف عن مصير المخفيين والإفراج عنهم بشكل كامل.
وناشدت سهام أحمد قاسم الجهات الحكومية المعنية، والمنظمات الحقوقية الداخلية والخارجية، وجميع فئات المجتمع الوقوف إلى جانب قضيتهم الإنسانية للكشف عن مصير ذويهم المختطفين والمخفيين قسرا منذُ سنوات.
قضية شائكة
تقول رئيس رابطة أمهات المختطفين والمخفيين قسرا "أمة السلام الحاج"، إن الرابطة وثقت أكثر من 62 حالة اختطاف وإخفاء قسري في سجون الانتقالي بالعاصمة المؤقتة عدن.
وتضيف الحاج في تصريح خاص لـ "المصدر أونلاين"، أن السبب الرئيسي في عدم تحرك ملف هذه القضية ومماطلتها هو عدم معرفة الجهة التي تقف خلف اختطافهم وإخفائهم، مشيرةً إلى أن المجلس الانتقالي نفسه ينكر ذلك، ويقول لهم إن ذويهم ليسوا مختطفين لديه، وإنما لدى الإمارات.
وتؤكد الحاج أن قضية المختطفين والمخفيين قسرا في سجون قوات المجلس الانتقالي بالعاصمة المؤقتة عدن، قضية شائكة بالنسبة للرابطة وللشرعية، على الرغم من أنها عملت مع الأهالي على إيصال الصوت إلى المجلس الانتقالي نفسه، وإلى الشرعية وإلى مكتب المبعوث الأممي، إلا أنها لم تلق أي استجابة، أو تفاعل مع قضيتها.
وتشير إلى أن كل الحكومات المتعاقبة والمسؤولين تنصلوا وتخلوا عن قضية المختطفين والمخفيين قسرا في عدن، وأن الرابطة نظمت وقفات سابقة أمام مقر التحالف في عدن وطلب منهم قائدها بتقديم قائمة بأسماء وبيانات ذويهم المختطفين، وبدأ الملف يتحرك نوعا ما، إلا أن قائد التحالف السعودي نُقِل واختفى منذ ذلك الحين، وعادت الأمور إلى نقطة الصفر.
ودعت الحاج حكومة الشرعية ووزارة حقوق الإنسان واللجنة الوطنية لحقوق الإنسان والمنظمات الدولية ومجلس الأمن والأمم المتحدة، إلى التحرك العاجل والجاد للكشف عن مصير المخفيين قسرا في عدن، وتقديمهم للمحاكمة العادلة في حال كانت لديهم أي تهم، والإفراج الفوري عنهم.
وأوضحت أن أسر وأهالي وذوي المختطفين والمخفيين قسرا في عدن، عانت كثيراً ولا تزال تعاني حتى اليوم بشكل كبير جدا، حيث فقدت رابطة الأمهات ثلاث أمهات بعد أن غيبهم الموت وهن في انتظار مشاهدة ذويهم المختطفين والمخفيين قسرا في السجون السرية.
وأوضحت أن أسر وأهالي المختطفين والمخفيين قسراً في عدن عانوا وما زالوا يعانون بشكل كبير حتى اليوم، لافتة إلى أن الرابطة فقدت ثلاث أمهات بسبب الوفاة بينما كنّ في انتظار رؤية أبنائهن المختطفين والمخفيين قسراً في السجون السرية.
المصدر أونلاين