أصدر مجلس القضاء الأعلى قراراً يحصر النظر في القضايا المتعلقة بألوية العمالقة الجنوبية على المنطقة العسكرية الرابعة بالعاصمة المؤقتة عدن، ومنع المحاكم والنيابات العسكرية في المناطق العسكرية التي تتمركز تلك القوات في نطاقها، من النظر في تلك القضايا.
وتوضح وثيقة أن القرار رقم (46) لسنة 2024، الصادر بتاريخ 2 يونيو 2024م، قد قضى بأن يتم نظر قضايا ألوية العمالقة الجنوبية في إطار المحكمة والنيابة بالمنطقة العسكرية الرابعة بمحافظة عدن.
وتتمركز عددا من ألوية العمالقة في بعض مناطق ومسرح العمليات التابعة للمنطقة العسكرية الثالثة، مقرها مأرب، ويمتد نطاق انتشارها ومسرح عملياتها في محافظتي مأرب وشبوة. وفقا لتقسيم مسرح عمليات الجمهورية اليمنية للمناطق العسكرية السبع، التي تم تشكيلها وفقا لقرارات هيكلة القوات المسلحة الصادرة في عامي 2012 و2013م.
وتتمركز ألوية من العمالقة في بعض مديريات محافظة شبوة، التابعة لمحور عتق العسكري التابع للمنطقة الثالثة. وأخرى في مديريات بيحان وعين وعسيلان التي كانت تقع ضمن نطاق محور بيحان العسكري الذي تم تشكيله بقرار رئاسي في مارس2018، ويتبع هو الآخر المنطقة الثالثة.
فيما تتمركز بعض ألوية العمالقة الجنوبية في مديرية حريب، إحدى مديريات محافظة مأرب. وهناك تتمركز أيضا ألوية من "محور سبأ" التابع لألوية العمالقة، التي تم تشكيلها مطلع العام 2022، وتضم أفرادها من أبناء محافظات مأرب والجوف والبيضاء.
وتم انشاء المحور التابع للعمالقة بقرار أصدره القائد العام لها العميد عبدالرحمن المحرمي (ابو زرعه)، عضو مجلس القيادة الرئاسي، وعين الشيخ القبلي عبدالهادي القبلي نمران المرادي، أحد مشايخ قبيلة مراد مارب، قائدا للمحور واللواء الأول عمالقة التابع للمحور.
والمحرمي هو نائب رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي المنادي بانفصال جنوب البلاد، منذ مايو2023م.
وتتمركز القوة الأكبر من ألوية العمالقة في المحافظات الجنوبية التي تقع ضمن مسرح المنطقة العسكرية الرابعة، ومقرها في مدينة عدن، والمحاور العسكرية التابعة لها المنتشرة في أبين ولحج والضالع. وكانت بعض ألوية العمالقة تتمركز في جبهات الساحل الغربي بمحافظتي تعز والحديدة.
وبموجب التقسيم العسكري للجمهورية اليمنية ومسرح العمليات للمناطق العسكرية والمحاور التابعة لها التي تلت قرارات هيكلة القوات المسلحة 2013، فقد تم اعادة تشكيل القضاء العسكري بموجب تقسيم المناطق. وتم تشكيل محكمة ونيابة ابتدائية واستئناف عسكرية لكل منطقة، تتبع دائرة القضاء العسكري، إحدى دوائر وزارة الدفاع.
وتلك المحاكم والنيابات الابتدائية العسكرية هي المختصة نوعياً ومكانياً بالنظر في مختلف القضايا العسكرية في مسرح عمليات كل منطقة، وكل قضايا الوحدات العسكرية التابعة لكل منطقة في نطاقها.
وخلافاً للتقسيم المعتمد للمناطق العسكرية والقضاء العسكري، كان مجلس القضاء الأعلى قد أصدر، 8 فبراير 2024، قرارات بإعادة تشكيل القضاء العسكري، وإنشاء عدد من المحاكم والنيابات العسكرية الاستئنافية والابتدائية.
القرارات قضت بإعادة تشكيل محكمة استئناف القضاء العسكري (محكمة الاستئناف العسكرية) بشعبتين، الأولى في عدن والثانية في مأرب. في تعارض مع المادة (46) من القانون رقم (7) لسنة 1996م، بشأن الإجراءات الجزائية العسكرية، التي تنص على إنشاء محكمة استئنافية عسكرية واحدة يكون مقرها في العاصمة.
كما قضت القرارات بإنشاء نيابة استئناف عسكرية لكل منطقة من المناطق العسكرية السبع. وأضافت لهن استحداث وإنشاء نيابة استئناف عسكرية في تعز والساحل الغربي.
وفيما يخص النيابات العسكرية الابتدائية، لكل منطقة عسكرية، قضت القرارات باستحداث وإنشاء نيابة ابتدائية عسكرية بمحافظة شبوة، ومثلها لتعز والساحل الغربي. مع أن شبوة تتبع المنطقة العسكرية الثالثة بمأرب، وتعز والساحل الغربي لتعز تتبعان المنطقة الرابعة بعدن، وأما المديريات التابعة لمحافظة الحديدة في الساحل الغربي، فهي تتبع المنطقة الخامسة، ميدي حجة.
وبشأن المحاكم الابتدائية العسكرية فقد قضت القرارات باستحداث محكمة ابتدائية عسكرية بمحافظة شبوة، ومحكمة أخرى لتعز والساحل الغربي، ودمج محكمتي المنطقة السادسة (الجوف) والسابعة (صنعاء) في محكمة ابتدائية واحدة.
أبعاد سياسية وجغرافية
قرار مجلس القضاء بشأن حصر النظر في قضايا الوية العمالقة الجنوبية على المنطقة الرابعة، اعتبره قانونيون تعدٍّ على صلاحيات واختصاصات المحاكم والنيابات في المناطق العسكرية الثالثة والرابعة وكذلك الخامسة. ومن شأن مثل هذه القرار فصل محافظة شبوة وبعض مديريات محافظة مأرب، عن قيادة المنطقة العسكرية الثالثة وعن محافظة مأرب. وفي المقابل، فصل تعز والساحل الغربي عن المنطقة الرابعة وعن العاصمة اليمنية المؤقتة عدن.
ويتحدث خبراء القانون أن هذه القرار تعد مخالفة لقواعد الاختصاص القانونية وسوف تخلق إشكاليات أمام المحاكم والنيابات العسكرية في التعامل مع القضايا وعرقلة عمل الجهات القضائية.
ويرى محللون عسكريون أن هذا القرار يتعارض مع جهود توحيد ودمج القوات والتشكيلات العسكرية التي نص عليها إعلان نقل السلطة (مشاورات الرياض) ومن قبله اتفاق الرياض، إذ أن تلك الألوية وغيرها يفترض أنها أصبحت تعمل تحت إطار وزارة الدفاع، وانصهرت ضمن هيكل الوزارة، عوضاً عن أن أي وحدة أو وحدات عسكرية تكون تابعة وخاضعة إداريا وعملياتيا للمنطقة العسكرية التي تتمركز ضمن مسرح عمليات تلك المنطقة.
واعتبروا أن تلك القرارات مع ما تحمله من أبعاد سياسية وجغرافية، سيكون لها انعكاسات خطيرة على وحدة القوات المسلحة، بما يمكن أن ينتج عنها من تبعات في إضعاف العمليات والسيطرة والتسبب في إثارة الفرقة بين القوات العسكرية.
غياب التوازن والتمثيل
تشير ديباجة القرار، إلى أن القرار تم بعد موافقة مجلس القضاء الأعلى، وجاء القرار تحت توقيع رئيس المجلس مع غياب توازن التمثيل لأعضاء مجلس القضاء الأعلى وعدم وضوح آليات اتخاذ القرارات داخل المجلس والتصويت عليها.
ويتكون مجلس القضاء الأعلى من ثمانية أعضاء. وتم إعادة تشكيل المجلس الحالي بموجب قرار رئيس مجلس القيادة الرئاسي الدكتور رشاد العليمي رقم (٢١) لسنة ٢٠٢٢م، صادر في 4اغسطس2022م.
القرار الرئاسي قضى بتعيين القاضي محسن يحيى طالب أبوبكر (محافظة لحج، جنوب) رئيساً للمجلس. وتعيين القاضي قاهر مصطفى علي إبراهيم (عدن، جنوب) وهو النائب العام للجمهورية، عضوا في المجلس. وتعيين القاضي ناظم حسين سالم باوزير (حضرموت) رئيسا لهيئة التفتيش القضائي، عضوا في المجلس. وناظم هو الأمين العام في نادي القضاة الجنوبي الموالي للمجلس الانتقالي الجنوبي.
وتعيين القاضي صباح أحمد العلواني (عدن، جنوب) عضوا في المجلس. وهي رئيس المكتب التنفيذي لنادي القضاة الجنوبي الموالي للانتقالي. وتعيين الدكتور علي عطبوش عوض (أبين، جنوب) الأمين العام للمجلس، عضوا في المجلس.
وتعيين القاضي علي أحمد ناصر الأعوش (مأرب، شمال) رئيساً للمحكمة العليا، عضو في المجلس. وتعيين القاضي عبدالكريم سعد شرف النعماني (ذمار، شمال) عضوا. والقاضي محمد علي أبكر محمد كديش (الحديدة) عضوا في المجلس الذي مقره في عدن.