حملات مكثفة وزيارات لا تتوقف وأنشطة عسكرية، وتعبئة طائفية، وصرخات يومية، ورحلات الى المقابر، وتحريض على العنف، وفلاشات قتالية، وزوامل حماسية، هذا ما تشهده المراكز والدورات الصيفية التابعة لميليشيا الحوثي المدعومة من إيران.
عشرات الآلاف من الأطفال والقُصّر والفتيات، يتعرضون لصنوف التعبئة المتطرفة والتحريض على العنف والقتال في هذه المراكز، تحت شعارات ومسميات مختلفة تروج لها سلطة الميليشيا كـ"التنشئة" و"التثقيف"، و"حماية الأبناء من مخاطر الحرب الناعمة" إلى غير ذلك.
مشاهد مسربة وأخرى تداولتها عناصر ونشطاء ووسائل اعلام الميليشيا، تُظهر حجم المأساة الناتجة عن المراكز الصيفية التي تستغلها الجماعة سنوياً لاستدراج المزيد من المقاتلين المراهقين، والزج بهم في جبهات القتال، بعد أسابيع فقط من التعبئة والتدريبات العسكرية.
في هذا التقرير يرصد "المصدر أونلاين" جزءاً من أنشطة سلطة الجماعة في ما يسمى بـ"المراكز الصيفية"، ويتطرق الى بداياتها ولمحة عن مناهجها، الى جانب ذكر بعض ضحاياها، ممن غررت بهم سلطة الميليشيا ودفعت بهم الى متارسها الأمامية في جبهات القتال.
توجه سلالي مُبَكِّر الدورات الصيفية، هي استراتيجية بدأتها الجماعة مطلع الثلاثة العقود الماضية، في مناطق ريفية محددة بشمال البلاد، وأقامتها بناءً على موجهات فكرية وعقائدية صاغتها مرجعيات الجماعة، وكانت تجتمع بشكل سري، واستمرت على هذه الطريقة لأكثر من 15 عاماً، لكنها مؤخراً بدأت في التحشيد لها بشكل علني، خصوصاً منذُ العام 2017م، أي بعد ثلاثة أعوام من انقلابها على الحكومة الشرعية. وتهدف الميليشيا من خلال هذه الدورات التي تخصص مراكز لإقامتها الى استقطاب أتباع ومناصرين ومقاتلين جدداً في صفوفها، لاسيما وأنها خسرت اعداداً كبيرة منهم في مواجهات مع القوات الحكومية على مدار السنوات الماضية.
قُصّر تركز سلطة الميليشيا من خلال هذه الدورات والمراكز، على شريحة الأطفال والنشء، نظرا لسهولة التأثير فيهم، وغرس المفاهيم والمعتقدات الخاصة بها، تمهيدا لإلحاقهم في معسكراتها التدريبية، ليتم لاحقا إرسالهم إلى جبهات القتال للمشاركة في ما تسميه الميليشيا بمعارك "الدفاع عن الوطن"، ثم يعودون تباعاً الى أسرهم جثثا هامدة في مواكب تصح منها الزوامل وتغطيها الملصقات الخضراء.
ولا تخفي قيادات وسلطة الميليشيا أن الدورات التي تقيمها مرحلة أولى للقُصّر، تليها دورة عسكرية ومن ثم تدفع بهم الى جبهات القتال الموزعة على محافظات عدة.
مناهج تحريضية وتغلغل إيراني حرصت سلطة الميليشيا منذُ العام الأول للانقلاب على احداث تغيير جذري سواء في المناهج التعليمية بالمدارس او الخاصة بالدورات الصيفية التي كانت تقيمها وزارة الشباب والرياضة قبل الحرب، وبالفعل غيرت الميليشيا المنهج بشكل كلي، وأقرت محتوى يخدم فكرها الطائفي المتطرف. وعينت شقيق زعيم الجماعة يحيى بدر الدين وزيرا للتربية في حكومتها، وهو الذي ظهر أكثر من مرة وسط حشود الطلاب الذين استقطبوا خلال السنوات الماضية.
واعتمدت سلطة الميليشيا في إعداد وتعديل مناهج التعليم على خبراء ومراجع حوثية درست على أيدي مؤسسي الحركة، وأخرى تعلمت في طهران، وذلك تحت إشراف خبراء إيرانيين منواجدين في صنعاء، وهو ما أكدته نقابة المعلمين اليمنيين لـ"المصدر أونلاين" في تصريحات سابقة.
وركزت الجماعة في محتوى المناهج الحديثة على مفردات تكرس ثقافة العنف وتقديس الموت، والكراهية، كالتركيز على الجهاد ضد المختلف، وكذا تبني شعارات تحريضية للعامة، والمستوردة من إيران مثل ما تطلق عليه "الصرخة"، إضافة إلى مفردات تكرس حالة الفرز للمجتمع والتي تعتمدها الجماعة منذ انقلابها، من خلال تقسيمه الى مجاهدين وآخرين منافقين، في إشارة لكل من يخالف الجماعة ولا يؤمن بفكرها.
وبحسب متابعين فإن مناهج المراكز الصيفية للميليشيا، تهدف إلى جعل الجهاد والقتل والقتال أولوية في فكر ووعي الأطفال والنشء، وتساهم في خلق "مجتمع الحرب" الذي تسعى إليه الجماعة منذ سنوات بمختلف الوسائل والطرق، بما في ذلك الدورات الصيفية.
مغلقة ومفتوحة يقسم الحوثيون مراكزهم الصيفية في تلك المناطق الى مفتوحة يحضر فيها المشاركين من خمس الى ست ساعات يومياً في الصباح، وأخرى مغلقة تستمر لمدة 45 يوماً، ويمكث فيها الطلاب طوال هذه الفترة في تلك المراكز ويخضعون لدورات مكثفة تشمل تدريبات عسكرية.
وتقام في جامع "الصالح" في منطقة السبعين وسط صنعاء، (حوله الحوثيين الى اسم جامع الشعب)، أكبر المراكز الصيفية الحوثية المغلقة، والتي تضم طلاباً قصّر تتراوح أعمارهم ما بين (9 سنوات – 16 سنة)، وتوزعهم الميليشيا الى مجموعات على شكل كتائب عسكرية.
ويعتبر الطلاب الملتحقين بالدورات الحوثية المغلقة من أكثر العناصر الذين تستدرجهم الميليشيا الى صفوفها، وتزج بهم في الجبهات.
زيارات مكثفة على مدار أيام الدورة تزور العديد من القيادات العسكرية والميدانية الحوثية المراكز الصيفية بين الحين والآخر، وذلك بهدف الإشراف المباشر على تجنيد الأطفال الملتحقين بالدورات الصفية، وفقا لمصادر مطلعة.
والى جانب القادة الميدانيين في الميليشيا تتنقل بين هذه المراكز لجان تسمى "لجان التعبة والحشد" وتتبع بشكل مباشر وزارة الدفاع الحوثية، وتقوم هذه اللجان باختيار الشباب المناسبين للالتحاق بدورات عسكرية. كما تزور لجنة مشكلة من مكتب زعيم الجماعة أغلب مراكز الدورات الصيفية.
يقول "عبده علي الحذيفي" المختص في توثيق ومراقبة تجنيد الأطفال إن "معظم الأطفال المجندين في اليمن تم ويتم تجنيدهم عبر المراكز الصيفية والمدارس وبرامج التثقيف بإشراف من وزارة التربية".
وحسب الحذيفي فإن "تدشين المراكز الصيفية على مستوى المحافظات والمديريات.. يمثل اختتام لبرامج التعبئة في المدرسة وعبر لجان التجنيد التابعة لوزارة الدفاع".
رحلات الى المقابر على دفعات تأخذ الميليشيا الأطفال المشاركين في الدورات الصيفية وعلى متن حافلات الى زيارة تعليمية في مقابر قتلاها، وتقول إن الهدف من زيارة الطلاب الى "روضة من رياض الشهداء، هو تحقيق الشعار الأقوى شعار (علم وجهاد)"، في إشارة الى غرس ثقافة الموت والتشجيع على القتال في سبيل الجماعة، للالتحاق بمن تسميهم "شهداء المسيرة".
وتعليقا على ذلك يقول الحذيفي: "داخل مقبرة مكتظة بالموتى تواصل جماعة الحوثي إعداد أطفال المراكز الصيفية نفسياً للتجنيد والالتحاق بمعسكراتها والقتال في صفوفها". ويضيف على "تويتر": "تشجعهم على العنف والكراهية وتجبرهم على ترديد شعار خميني إيران المعادي للشعوب والإنسانية".
تدريبات عسكرية تحت مبرر "عروض كشفية" تقوم الميليشيا بتدريب عناصر هذه الدورات عسكريا، وذلك في ساحات فارغة وبعيدة عن السكان سواء في ملاعب او في أحواش وميادين خصصتها لتدريب وتأهيل عناصرها طوال سنوات الحرب، بحضور قيادات ولجان الميليشيا المشرفة على هذه الدورات كلا، حسب منطقته الجغرافية. كما تقوم الميليشيابتدريب طلاب هذه الدورات على فك وإعادة تركيب الأسلحة الخفيفة خلال الفترة المسائية في الغالب.
ويردد المشاركون في هذه التدريبات شعارات حماسية وتحفيزية، دأبت الجماعة على استخدامها عند تدريب كتائبها العسكرية طوال السنوات الماضية، كما يرددون هتافات توعدية بأعداء الجماعة ومن يقف في طريق مشروعها التدميري، الى جانب رفعهم صور وأعلام ومجسمات حوثية وايرانية وأخرى للحرس الثوري وكتائب شيعية في المنطقة.
مسرحيات تجنيد وتحفيز ينظم القائمون على المراكز فعاليات وأمسيات تحريضية، ويقومون باختيار مجموعة من الطلاب لتأدية أدوار مقاتلين حوثيين في جبهات القتال، وتحث هذه المسرحيات التي يتم الإعداد لها مسبقاً على ثقافة الدم والعنف والتطرف أوساط المشاركين في هذه الدورات. وفق ما توضحه فيديوهات وصور تنشرها وسائل إعلام الجماعة على الإنترنت.
المصدر أونلاين