في محطة موسمية جديدة، اعتادت ميليشيا الحوثي على تنظيمها سنوياً تمتد على مساحة "60 يوماً"، تبدأ الجماعة يوم غد السبت، في مختلف مناطق سيطرتها دوراتها الطائفية (الصيفية) للأطفال تحت مبرر "تنشئتهم وتثقيفهم من الأفكار المغلوطة".
ومع نهاية كل عام دراسي تكرس الميليشيا جهودها وتقود حملات مكثفة من خلال المنابر ووسائلها الإعلامية وقيادتها وعقال الحارات والمشرفين، لإقناع أولياء الأمور في تلك المناطق بإلحاق أبنائهم في هذه الدورات التي تزعم أنها "حواضن تربوية آمنة لاستيعاب الطلاب والطالبات خلال العطلة الصيفية"، وتقول إن لها "دور في بناء جيل واعٍ متسلحٍ بالثقافة القرآنية والمعرفة الصحيحة والعلوم النافعة والقيم الأصيلة".
وتزعم الميليشيا أنها تهدف من خلال هذه الدورات إلى "ترسيخ الهوية الإيمانية في نفوس (الأطفال) ومواجهة الحرب الناعمة، وتربيتهم على هدى القرآن وتحصينهم من الأفكار والثقافات المغلوطة، في ظل سعي الأعداء لإفساد الشباب من خلال الحرب الناعمة".
وتأتي هذه المراكز في ظل انهيار ملحوظ تعيشه العملية التعليمية في مناطق سيطرة الحوثيين وبقاء المعلمين بدون مرتبات منذ سبع سنوات، كما تترافق مع موجة انتهاكات مستمرة ترتكبها المليشيا بحق العاملين في القطاع التربوي منذ تسع سنوات، وكان اخر مظاهرها وفاة الأستاذ والتربوي صبري الحكيمي مدير عام التدريب في وزارة التربية والتعليم، تحت التعذيب والإهمال وانعدام الرعاية الصحية، في السجن بعد أشهر من اختطافه وإخفائه قسراً، مع اختطافها مؤخراً بشكل قسري للخبيرين التربويين الدكتور محمد حاتم المخلافي (65 عاماً) و التربوي مجيب مهيوب المخلافي (52 عاماً) منذ 6 أشهر.
وفاة التربوي الحكيمي سبقتها عشرات الوفيات من المعلمين في سجون الجماعة، جراء التعذيب الوحشي، وكان التربوي صالح البشيري أول ضحايا هذه العمليات الممنهجة التي دأبت الميليشيا على ارتكابها بحق خصومها الذين اختطتهم من منازلهم ومقار أعمالهم والطرقات منذ سيطرتها على صنعاء نهاية 2014.
وحسب تصريحات سابقة منسوبة للمسؤول في نقابة المعلمين يحيى اليناعي، والمدير التنفيذي للمركز الأمريكي للعدالة (ACJ)، عبد الرحمن برمان فإن " 1579 معلماً وإدارياً في قطاع التعليم قُتِلوا على يد جماعة الحوثي، بينهم 81 مدير مدرسة، بالإضافة إلى تعرض 2642 معلما لإصابات بعضها تسبب بإعاقات مستديمة".
وأشار المسؤولان الحقوقيان الى أن 621 معلما تعرضوا للاختطاف والإخفاء القسري في معتقلات الميليشيا واخفت العشرات منهم بشكل قسري، كما قامت بتهجير أكثر من 20 ألف معلم بعد تعرضهم للتهديدات والملاحقات، ما اضطرهم لترك أعمالهم ومنازلهم والنزوح إلى محافظات أخرى لضمان أمنهم وسلامتهم، وحرمت 171 ألف معلم في مناطق سيطرتها من المرتبات.
وأصدرت الميليشيا أحكام وأوامر إعدام بحق العشرات من المعلمين بينهم مدراء مدارس، وفي مقدمتهم سعد أحمد النزيلي نقيب المعلمين بأمانة العاصمة والتربويين: فؤاد العواضي وفهد السلامي وحمود القشيبي وحبيب العديني، كما قامت الميليشيا خلال السنوات الماضية بتفجير المئات من المدراس وتحويل أعداد منها إلى ثكنات عسكرية.
تحذير حكومي
حذرت الحكومة اليمنية من "مخاطر إقدام مليشيات الحوثي الإرهابية التابعة لإيران، على فتح مئات المعسكرات في المناطق الخاضعة لسيطرتها لاستدراج وتجنيد الأطفال بالقوة تحت غطاء (المراكز الصيفية)".
وقال وزير الإعلام معمر الإرياني إن "مليشيا الحوثي عمدت منذ انقلابها إلى تنظيم معسكرات للأطفال لنشر أفكارها الدخيلة على بلدنا ومجتمعنا، وغسل عقول الأطفال بشعاراتها الطائفية وثقافة الحقد والكراهية، وتحويلهم إلى أدوات للقتل والتدمير، ووقود لمعاركها التي لا تنتهي، وقنابل موقوتة لا تمثل خطراً على النسيج الاجتماعي والسلم الأهلي في اليمن فحسب، بل يشكلون تهديدا جدياً للأمن والسلم الإقليمي والدولي".
وأشار إلى أن "تقارير ومسوح ميدانية أجرتها عدد من المنظمات الحقوقية المتخصصة، كشفت أن غالبية الأطفال الذين جندتهم الميليشيا خلال السنوات الماضية، وزجت بهم في جبهات القتال، تم استدراجهم عبر ما يسمى (مراكز صيفية)"، منوهاً إلى أن "غالبية جرائم (قتل الأقارب) التي انتشرت في السنوات الماضية بمناطق سيطرة المليشيا كانت لأطفال تم استقطابهم في تلك المراكز والحاقهم بما يسمى (دورات ثقافية)".
واستغرب وزير الإعلام من "إنفاق مليشيا الحوثي مليارات الريالات على تنظيم تلك المعسكرات، من الأموال المنهوبة من الخزينة والإيرادات العامة للدولة، ورفضها للعام التاسع على التوالي تخصيص تلك المبالغ لدفع مرتبات موظفي الدولة بحجة عدم توفر السيولة، دافعة بملايين المواطنين وغالبية الأسر في المناطق الخاضعة بالقوة لسيطرتها تحت خط الفقر والمجاعة".
أرقام مفزعة
لم تعلن سلطة الميليشيا عدد الأطفال الذين شاركوا في دوراتها "الصيفية" خلال العام 2023، لكن القيادي الحوثي عبد الله الرازحي رئيس اللجنة الفنية للأنشطة والدورات الصيفية في وزارة الشباب التابعة لحكومة الحوثيين توقع عند تدشينها "ارتفاع عدد الطلاب الملتحقين للعام 1444 إلى مليون و500 ألف طالب وطالبة، تستوعبهم ما يقارب تسعة آلاف و100 مدرسة مفتوحة ونموذجية ومغلقة، ويعمل فيها 20 ألف عامل ومدير ومدرس".
وأشار الرازحي إلى أن دوراتهم الصيفية حققت خلال العام الذي سبقه (1443-2022) "نجاحات فاقت التوقعات، بتنفيذ أكثر من مليون نشاط استهدف 733 ألفاً و722 طالباً وطالبة التحقوا في تسعة آلاف و16 مدرسة، عمل فيها 42 ألفاً و772 عاملًا وعاملة".
وذكر أن "إجمالي الأنشطة المنفذة في الدورات الصيفية خلال العام (2022) مليوناً و235 ألفاً و228 نشاطاً، استهدفت ثمانية آلاف و838 دورة صيفية مفتوحة منها 185 دورة مغلقة".
وحرصت سلطة الميليشيا، منذ العام الأول لانقلابها على استغلال المساجد والمدارس في صنعاء والمحافظات الواقعة تحت سيطرتها لإقامة الدورات الصيفية والثقافية، واستهداف فئة الأطفال والمراهقين، لاستدراجهم الى جبهات القتال، كما قامت بتغيير جذري للمناهج التربوية بما يتناسب مع فكرهها الطائفي.