وسط احتفاء متواصل من عدد من قيادات وناشطي جماعة الحوثي، ظهر يوم الجمعة، القيادي البارز في الجماعة أبو علي الحاكم، في ميدان السبعين وهو يهدي سلاحه الشخصي لمواطن سعودي يرتدي العقال والثوب يدعى علي هاشم سلمان الحاجي، بعد أن وصل صنعاء مؤخراً لمواصلة العمل ضد النظام السعودي، ولكن هذه المرة بالاعتماد على "التدريب على السلاح والعمل المنظم".
وظهر هاشم في صنعاء لأول مرة، أواخر مارس الماضي، وأعلن التخلي عن جوازه السعودي، وقال إنه سيستقر هناك ليواصل مشواره في معارضة النظام في بلاده، قبل أن يعلن اشتراكه في "دورة ثقافية" للجماعة، فيما ضجّ نشطاء وقيادات حوثية بالترحيب به، بشكل لافت.
واعتبر هاشم الذي وصل صنعاء قادماً من جنوب لبنان، وصوله تحقيقا لأمنية "السيد حسن نصر الله" أمين عام حزب الله اللبناني، فيما قد يعد مؤشراً على أن مسؤولية العناية بملف التوسع الإيراني الشيعي في الخليج والسعودية تحديداً قد انتقل من عهدة حزب الله إلى جماعة الحوثي، خاصة بعد تنامي الحضور الإعلامي للأخيرة بعد حرب غزة.
وكان حزب الله اللبناني نظّم مطلع العام 2022 فعالية لمعارضين سعوديين حضرها رئيس المجلس التنفيذي لحزب الله هاشم صفي الدين في معقل الحزب بضاحية بيروت الجنوبية، لإحياء ذكرى إعدام رجل الدين الشيعي، نمر باقر النمر الذي أعدمته المملكة بتهمة الإرهاب عام 2016، وفي ذات المؤتمر ألقى علي هاشم كلمة كمعارض سعودي، وقال في تصريحات إن هدف المؤتمر هو: "إسقاط النظام السعودي".
وبعد ذلك المؤتمر بعدة أشهر، ظهر علي هاشم (يقول إنه من طلاب نمر النمر) في تسجيل صوتي مهدداً بتفجير السفارة السعودية في بيروت وقتل كل من فيها، وهو ما دفع السلطات اللبنانية الرسمية لفتح تحقيق، لكن هاشم الذي يحظى بحماية حزب الله ادّعى يومها أنه سافر إلى سوريا لأيام ثم يعود بيروت متحديا السلطات الرسمية اللبنانية.
علي هاشم، سعودي من الأحساء، ينتمي إلى أسرة "هاشمية" كما يحب أن يعرف نفسه وأنه ينتمي لنفس السلالة التي ينتمي لها الحوثي وقيادات الجماعة، وبحسب مصادر إعلامية فقد صدر بحقه حكم في المملكة حيث تورط في "جرائم إرهاب" عام 2017، إلا أنه تسلل إلى العراق ومنها إلى سوريا قبل أن يستقر في بيروت بالضاحية الجنوبية معقل حزب الله.
دلالة التوقيت
ورجّح مصدر خاص على اطلاع، لـ"المصدر أونلاين" أن هاشم كان قد وصل إلى اليمن في يناير الماضي عبر مدينة الحُديدة برفقة سعوديين آخرين وأشخاص من جنسيات أخرى لم يعلن عنهم، وأن شبكة التهريب للأسلحة والخبراء الذين ينشطون منذ سنوات بين إيران ومناطق سيطرة الحوثيين هي من ساعدت في تهريبهم إلى اليمن، غير أن إعلان وصوله تأخر حتى أواخر مارس.
وكانت الجماعة بدأت مؤخراً حملة تصعيد ضد السعودية، وتحديداً منذ اتهمها عبدالملك الحوثي بتمويل حملات إعلامية ضد جماعته، وذلك تعليقاً على الانتقادات الواسعة التي تلقتها الجماعة عقب ارتكابها جريمة تفجير منازل على رؤوس ساكنيها في مدينة رداع بمحافظة البيضاء (وسط البلاد)، منتصف الشهر الفائت.
وواصل عبدالملك الحوثي ومهدي المشاط التصريحات تجاه السعودية خلال الأسبوعين الماضيين، ودعوتها إلى ضرورة الشروع في تنفيذ الشق الإنساني ومنحهم أموالاً لصرف المرتبات كما يقولون، بغض النظر عن التعثر في المسار السياسي بسبب عمليات الجماعة في البحر الأحمر وتوقف جهود المبعوث الأممي في منتصف ديسمبر الماضي.
ليس جديداً
ورغم ما قد يشير إليه احتفاء الحوثيين بمعارضين سعوديين من أنه تدشين لمرحلة جديدة من الرعاية والتدريب، إلا أن أمر استقبال من يصفونهم بالمعارضين السعوديين في صنعاء ليس جديداً، فمنذ انطلاق عاصفة الحزم بقيادة المملكة في مارس من العام 2015، لدعم الحكومة المعترف بها دولياً ضد انقلاب الجماعة المدعومة من إيران، أعلنت الجماعة استقبال عدد منهم، أبرزهم من يصفه إعلامها بشيخ الطائفة الإسماعيلية في اليمن والسعودية الشيخ هادي القحص اليامي، والذي أعلن وصوله في العام 2016، ويقال إن الجماعة عينته شيخ مشايخ نجران عقب إعلانه معارضته الحرب ضدها.
وفي العام 2017، أعلنت القوات الحكومية بمارب إلقاء القبض على خلية مكونة من أربعة سعوديين دخلوا اليمن بطريقة غير شرعية، ويمنيين اثنين من الحوثيين كانوا يسهلون عملية الانتقال للعاصمة صنعاء، وذلك في إحدى النقاط بالمحافظة، قبل أن تسلّمهم لقيادة التحالف.
وفي نوفمبر ٢٠١٨، أعلن الناطق العسكري للحوثيين يحيى سريع؛ بأن المعارضين للنظام السعودي مرحب بهم لدى الجماعة وأن مناطق سيطرتها مفتوحة لهم، عندما رحب يومها بمعارض يدعى "دخيل القحطاني" قالوا إنه ضابط في سلاح الجو الملكي، ويقدم نفسه باعتباره رئيس ومؤسس لـ "حركة تحرير جزيرة العرب"، والتي أعلنها من صنعاء.
وقالت المصادر المطلعة إن عدداً من الناشطين السعوديين لاسيما من قبيلة يام في نجران، رتبت الجماعة وضعهم في صنعاء. وفي كل عام، تجمع وفدا منهم للمشاركة في احتفائها بذكرى المولد النبوي في ميدان السبعين، لكنها تجنبت إبراز الوفد في احتفال العام الأخير، والذي صادف فترة تهدئة ومشاورات مع المملكة بوساطة العمانيين.
ويستدعي الحوثيون التاريخ حين يتعلق الأمر بالمناطق الجنوبية في السعودية "جيزان، نجران، عسير" كمناطق يمنية، ونقل حساب علي النسي، وهو حساب لناشط حوثي على "إكس"، أن الحوثيين سبق وأن عينوا الشيخ اليامي محافظا لمحافظة نجران، محاولاً توضيح الأمر بالقول: "في إشارة من حكومة صنعاء (الحوثيون) للرياض بأنها تعتبر أراضي نجران جزء أصيل من الأراضي اليمنية".
وخلال تفاعلهم يحرص القادة والنشطاء الحوثيون على إطلاق مسميات "نجد، الحجاز، يام، جيزان، نجران، الحسا"، وقال علي هاشم على إكس: "أنا لست سعوديا ولا أنسب نفسي لآل سعود".
مشروع أوسع..
ربما يمكن القول إن جماعة الحوثي تسعى من خلال إظهار الاهتمام بهاشم، إلى الضغط على المملكة في سياق المفاوضات الدائرة بشأن الحرب، وتسعى لاستغلال وجود المعارضين إعلامياً وتُقدمهم كدليل على معارضة واسعة لنظام الحكم في السعودية، وخصوصاً على منصات التواصل الاجتماعي حيث سخّرت نشطاءها لدعم الحسابات التي يدعي أصحابها أنهم معارضون سعوديون، أمثال "حمود أبو مسمار"، و"مجتهد نجران" و"صقر عسير" وغيرها.
لكن لا يمكن إغفال نشاط الحوثيين منذ سنوات قبل عاصفة الحزم على مدّ نشاطهم إلى السعودية، وبالتالي يمكن القول إن الجماعة تواصل سعيها لتحويل مناطق سيطرتها الحالية وخاصة صنعاء إلى منصة متقدمة لمشروع تصدير الثورة الخمينية الإيرانية - وهو مشروع يتجاوز طموحه السيطرة على اليمن إلى التمدد في شبه الجزيرة العربية كلها- حتى أمسى نشطاء الجماعة يطلقون على زعيمها لقب "سيد الجزيرة"، ويتغنون بزوامل من قبيل: "هيئوا شبه الجزيرة.. لابن طه والمسيرة".
وقالت المصادر المطلعة، إن توجه الحوثي فيما يخص المعارضين يرمي لتحويل صنعاء قبلة لهم كـ لندن التي كانت تعد خلال العقود الماضية ملاذا لنشطاء يقولون إنهم يعارضون السعودية.. لكن الجديد هذه المرة أن الحوثي يدربهم على السلاح ويعدهم عسكريا.
وسبق للقيادي المقرب من زعيم الحوثيين ومبعوثه الخاص يوسف الفيشي، أن توعد السعودية بعمليات عسكرية ينفذها سعوديون في الرياض "لو أراد السيد"، متوعدا في تسجيل فيديو عام ٢٠٢٢، أن السعودية إذا واصلت الحرب فإن "التفاوض معها سيكون على نجران وعسير وجيزان وربما خميس مشيط وأبعد من ذلك".
وتهديد الحوثيين بعمليات في قلب الرياض ليس جديدًا، وهو طموح لكل أذرع إيران بالمنطقة، وسبق لخبير لبناني ظهر بمقطع فيديو مسرب بثته قناة العربية مع بدايات عاصفة الحزم، وظهر فيه المستشار العسكري من حزب الله اللبناني وهو يدرب عناصر حوثية داخل خيمة، على خطة مفترضة لتنفيذ عمليات تفجيرات في الرياض.
وفي أكتوبر الماضي، أصدرت جماعة مسلحة مجهولة تُطلق على نفسها "حركة تحرير الحرمين"، بيانًا تبنت فيه قصف قاعدتين عسكريتين أمريكيتين في السعودية، قالت إن ذلك يأتي ضمن الرد على "الهجوم الصهيوني في غزة" وذلك بعد العدوان الإسرائيلي في أعقاب عملية طوفان الأقصى.
وأعلنت في البيان ذاته "استعدادها لتنفيذ عمليات عسكرية فدائية وصاروخية ضد المصالح الأمريكية في السعودية والخليج حسب إمكاناتها".
وأظهر تحقيق نشره "المصدر أونلاين" في حينه، أن منافذ إعلامية تابعة لجماعات محور المقاومة الذي تقوده إيران، هي من تولت نشر البيان، وفي مقدمتها موقع 26 سبتمبر، الموقع الرسمي لوزارة الدفاع الحوثية، ووصف الحوثيون البيان بأنه "موقف أرعب الأمريكيين قبل النظام السعودي وقضّ مضاجعهم".
وحاول تحقيق المصدر أونلاين التقصي في بدايات ظهور "حركة تحرير الحرمين"، والتي قال إن أول ظهور لها يعود إلى ١٤ سبتمبر من العام نفسه، عندما أصدرت بياناً نعت فيه اثنين من الضباط الذين أعلنت وزارة الدفاع السعودية إعدامهم بتهمة الخيانة، واعتبرتهم الحركة "من منتسبيها".
وأكد التحقيق أن الحسابات المستعارة التي يداوم فيها نشطاء حوثيون ويقولون إنها لمعارضين سعوديين، هي أول من نشرت عن هذه الحركة.
وأشار إلى أن "حركة تحرير الحرمين" مماثلة لـ"ألوية الوعد الحق" المجهولة والتابعة لإيران عندما ظهرت للمرة الأولى عام ٢٠٢١ عبر إعلانها ضربات ضد السعودية والإمارات إسناداً للحوثيين، ومن الواضح أن الحوثيين يسعون إلى تبني مثل هذه الحركات التي ما يزال دورها إعلامياً فقط، ويسوّقونها كذراع مسلح ملهم للثورات ضد الأنظمة في المنطقة.
ولطالما اعتبر قطاع كبير من اليمنيين ان أجندات الحوثي وطموحاته الخارجية ضمن ما يسمى محور المقاومة مؤشرا على عدم اتجاه الجماعة إلى استقرار البلاد حتى في حال التوصل لاتفاقات تسوية للحرب الحالية.