في مدينة عدن، بنيت أول مصفاة نفطية في هذه الجزيرة العربية. وبعد 72 عاما من بنائها، وبعد سنوات من دخول قوات الحكومة اليمنية المعترف بها دوليا إلى المدينة، تُركت هذه المصافي عرضة للتخريب والتعطيل، ليس لشيء، وإنما لرغبة مجموعة من الأشخاص الذين امتزجت مصالحهم التجارية بنفوذهم الحكومي، وعلاقتهم المتشعبة مع مسؤولين، طامحين للسيطرة على الاقتصاد، في بلد يشهد حربا منذ سنوات، ويتسارع فيه انهيار العملة المحلية، وارتفاع التضخم.
في هذا التحقيق الذي استمر العمل عليه لأشهر، تتبعنا خسائر اليمن الاقتصادية بسبب توقف العمل في مصافي عدن الأكبر في البلاد، ووضعنا اليد على الجهة المستفيدة من ذلك، منذ بدء مسلسل الحرائق التي طالت المصافي تباعا.
وتعرضت مصافي عدن للحرق أكثر من 4 مرات خلال الحرب المستمرة منذ العام 2014، كانت الأولى خلال المعركة التي شهدتها عدن بعد هجوم الحوثيين عليها في يناير/كانون الثاني 2015. وطال الحريق الثاني أحد الأنابيب في يناير/كانون الثاني 2016. ثم تبعه عام 2019 وفي الشهر نفسه حريق ثالث بالمصافي ذاتها. وصباح 13 ديسمبر/كانون الأول 2021 أعلنت مصافي عدن عن حريق جديد طال المبنى الإداري الذي تضم خزائنه عقود الموظفين، وعقود البيع والشراء، في واحدة من أهم المنشآت الاقتصادية اليمنية.
في منشور لها على فيسبوك قالت المصافي إن الحريق الرابع وصل إلى مبنى الحسابات. وأتي هذا الحريق في وقت كان اليمن يشهد تحركات لمواجهة الانهيار الاقتصادي والذي سبقه تغيير محافظ البنك المركزي، وإعلان الرئيس عبد ربه منصور هادي عن تشكيل لجنة لمراجعة حسابات البنك المركزي خلال الأعوام 2016-2020 بما فيها حسابات استيراد المشتقات النفطية، والتي أصبحت مصافي عدن مسؤولة عنه منذ إصدار قرار تعويم المشتقات النفطية قبل عدة سنوات. وكان ذلك ضمن جملة من القرارات التي اتخذها الرئيس في محاولة لاحتواء غضب الشارع بسبب الانهيار المدوي للعملة المحلية (الريال) أمام العملات الأجنبية.
التوقيت ومع أن المصافي أكدت وجود نسخة إلكترونية من تلك البيانات، فإن توقيت حدوث الحريق أثار مجموعة من التساؤلات أهمها: لماذا الآن؟ ومن المستفيد؟ وللإجابة عن ذلك انطلقنا في التحقيق لنحاول عبر المصادر المفتوحة والوثائق الإجابة عنها.
وفي الوقت الذي بدأنا به بالبحث عن أسباب توقف المصافي، اندلع الحريق الخامس بعد حوالي شهر من توجيهات رئيس الوزراء معين عبد الملك، بسرعة تنفيذ الخطة المزمنة المعدة للتشغيل الكامل لمصافي عدن للقيام بدورها الحيوي في تأمين احتياجات السوق المحلية من المشتقات النفطية وتوفير احتياجات البلاد من العملة الصعبة.
قبل ذلك كان رئيس مجلس اللجان النقابية لشركة مصافي عدن، غسان جواد، قد صرح على صفحته في فيسبوك أن "كلما قامت أعمال تحديث في المصفاة وقبل انتهائها، نشبت حرائق هنا وهناك" وأضاف أنه "وكأنه بتشغيلها ينطفئ الفساد ويوضع حد للمتاجرة بمعاناة الشعب وإفقاره، وتنتهي خزائن اللصوص".
تم التواصل مع جواد للحصول على تعليق موسع على منشوره، إلا أنه اكتفى بالقول إن "الواقع واضح والأسماء واضحة" ولا تحتاج إلى توضيح من قبله.
عام 1952 قام سلطة الاحتلال البريطاني ببناء مصافي عدن، كأول مصفاة للنفط بهذه الجزيرة العربية، وبقدرة تكريرية وصلت إلى 170 ألف برميل يوميا، وكان النفط وقتها يأتي من الخليج وإيران وبعض الدول لتقوم المصافي بتكريرها، كما كان يتم استخدام المصافي كمنشأة تخزينية للنفط ومشتقاته لصالح الدول الأفريقية القريبة من اليمن، باعتبارها تمتلك خزانات ضخمة تصل سعتها إلى أكثر من 500 ألف طن متري من المشتقات النفطية.
وبعد قيام الوحدة عام 1990 أصبحت المصافي تستقبل النفط القادم من محافظة مأرب شرق اليمن، باعتباره من الخام الخفيف والمناسب للمصافي، والذي كان يقدر بثلث ما يستخرجه اليمن من النفط الخام، ومنه كانت المصفاة تغطي 90% احتياجات السوق المحلية من البنزين والديزل ووقود الطائرات، وغيرها من المشتقات النفطية التي كان يحتاجها السوق اليمني.
مخالفة القوانين ولم تتجه الحكومة إلى إصلاح المصافي، أو استكمال إصلاحها كحلول مستدامة لحل مشكلة المشتقات النفطية واستنزاف العملة الأجنبية، لكنها اتجهت نحو الحلول الأخرى حيث اتخذت، في مارس/آذار 2018، قرارا بتحرير سوق المشتقات النفطية، بدلا من العمل على استكمال إصلاحات المصافي وتوفير الكهرباء لها، وبدء تكرير النفط. فقامت بفتح استيراد النفط لجميع التجار، في مخالفة للقوانين التي تنص على أن المصافي هي الجهة الوحيدة التي تقوم باستيراد النفط وتوزيعه، عبر شركة النفط اليمنية.
ونص القرار أن تتم عمليات استيراد النفط عبر مناقصات يتم الإعلان عنها، وحتى عام 2019 كان عمل المصافي فقط يقتصر على طلب كميات من التجار وتخزينها في مخازنها الأكبر في اليمن، وأعلنت المصافي عن مناقصة لاستيراد المشتقات النفطية عبر صفحتها في فيسبوك بعدها لمرة واحدة. وبحثنا في موقع وكالة الأنباء الرسمية (سبأ) وفي صحيفة "الثورة" الحكومية والتي تعلن فيها المناقصات التي تقوم الدولة بإعلانها وفقا لقانون المناقصات والمزايدات عبر جميع مؤسسات الدولة، وخلال الفترة 2017-2018 لم نجد أي إعلان خاص بشراء مشتقات نفطية وتحديداً البنزين في تلك المنصات.
وتواصلنا مع وزراتي النفط، ومع إدارة مصافي عدن، لتزويدنا بأي تفاصيل عن أية مناقصات تم شراؤها، ولكن لم يصلنا منهم رد حتى تاريخ نشر هذا التحقيق.
وخلال تلك الفترة كانت تتم عمليات استيراد المشتقات النفطية عبر شركة "عرب غلف" التابعة لأحمد العيسي الذي صدر قرار عام 2019 بتعيينه نائب مدير مكتب رئيس الجمهورية في عدن. وبعدها لم يتم الإعلان عن أية مناقصات حسب قانون المناقصات وفي وسائل الإعلام الرسمية. ووفقا لإحدى الوثائق التي أظهرت أن شركة "عرب غلف" هي التي فازت في المناقصة بعد أن كانت كل العروض مقدمة من شركات "عرب غلف" و"إيه إس إيه" و"كيو زد واي" التابعة للعيسي نفسه. وكان نائب رئيس مكتب الرئيس قد رضي بجميع شروط المصافي في مقدمتها تأجيل الدفع حتى يتم بيع المشتقات التي يقوم بتوريدها، وهو ما أكده العيسي بإحدى المقابلات الصحفية التي أجراها مع مركز صنعاء في 21 مارس/آذار 2021. وقال خلال المقابلة كذلك إن الحكومة لم تسدد ما عليها من التزامات حتى تلك اللحظة.
وبعد ثلاث سنوات من تلك المقابلة ، وفي مقابلة حديثة أجراها أحمد العيسي مع قناة "اليمن اليوم" بتاريخ 21 مارس 2024 قال إن الحكومة الشرعية لم تدفع المديونية المستحقة له عليها حتى الآن، وهذا أثر كثيرا على نشاطه الاقتصادي على حد قوله.
وقد تواصل فريق التحقيق مع العيسى لإعطائه حق الرد على ما ورد من معلومات بشأن شركاته، لكن أي رد لم يصل حتى تاريخ نشر التحقيق.
الوالي: الدولة العميقة لا تريد للمصافي أن تعمل مع سيطرة المجلس الانتقالي على مدينة عدن بشكل كامل عام 2019 لم يعد العيسي جزءً أساسياً من عملية استيراد النفط، فقد حل مكانه مجموعة جديدة من التجار الذين يملكون علاقات جيدة مع الفريق الجديد الذي سيطر على عدن.
وفي مقابلة تلفزيونية، قال وزير الإدارة المحلية عبد الناصر الوالي، بتاريخ 26 أبريل/نيسان 2021، إن هناك محاولات لتعطيل المصافي لصالح أشخاص ليس لهم علاقة بالدولة، وإن الدولة العميقة لا تريد للمصافي أن تعمل وتستعيد دورها في دعم الاقتصاد اليمني، في إشارة إلى التجار.
وجاء في تقرير اللجنة البرلمانية التي تم تشكيلها من قبل مجلس النواب اليمني، لتقصي الحقائق حول تعطيل مصافي عدن وفساد القطاع النفطي -والذي ينشر لأول مرة- تعطيل المصافي عن مهامها في التكرير والاستيراد، لم يحمل الحكومة والمواطنين فاتورة استيراد المشتقات النفطية فقط، بل وصل الأمر إلى التهرب الضريبي من قبل الشركات التجارية، التي قامت باستيراد المشتقات النفطية والإيرادات الأخرى مثل جمارك دخول المشتقات النفطية التي دخلت البلاد. وأشار التقرير إلى أن المصافي تحملت لوحدها مبلع 70 مليون دولار تم دفعه للشركة الصينية التي أعادت إصلاح المصافي، التي عجزت بدورها عن دفع بقية المبلغ، مما قد يرتب عليها شروطا جزائية تدفعها المصافي -التي لم تعد تقوم بنشاطها- للشركة الصينية.
أزمات متلاحقة وتشهد مدينة عدن والمدن المجاورة أزمات كهرباء متلاحقة بسبب نقص الوقود الذي يشغل محطات الكهرباء بالمدينة، والتي كانت المصافي توفر الكثير منه لتشغيل المحطات لا سيما بالصيف الذي ترتفع فيه درجات الحرارة، في حين لا يزال إنتاج النفط مستمراً في مأرب حتى اليوم بطاقة إنتاجية تصل إلى 25 ألف برميل يومياً تكفي لسد جزء كبير من حاجة السوق المحلي من وقود للكهرباء والسيارات والطائرات لاسيما المناطق التي تسيطر عليها الحكومة الشرعية جنوب اليمن وبعض المحافظات الشرقية حيث يعيش أكثر من ثلث السكان هناك.
وفي المقابل، لا تزال المصافي تستخدم فقط مخازن للتجار الذين تصل مشتقاتهم النفطية إلى هناك، في مقدمتهم العيسي الذي ظل يسيطر لوحده على استيراد المشتقات النفطية حتى عام 2019 عندما سيطر المجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم إماراتياً على المدينة.
وأشار التقرير البرلماني إلى ان وزارة النفط رفعت في العام 2022 رسالة إلى رئاسة الوزراء في عدن حتى بعد المصاريف الضخمة التي دفعت، تفيد بأنه من الصعب إعادة تشغيل المصافي حتى العام 2024 بسبب نقص التمويل الكبير، وكذلك من الناحية القانونية، بعد الارتباط مع الشركة الصينية التي تم التوقيع معها دون أية مناقصات وفقا للقانون اليمني.
وجاء في تقرير جهاز الرقابة والمحاسبة للعام 2019 أن تعطيل المصافي خلال الفترة 2015 حتى 2018 - وهي الفترة التي سبقت سيطرة الانتقالي على مدينة عدن - تحت مبرر تعطل مولد الكهرباء في الحكومة، سمح باحتكار شركة واحدة - في إشارة لشركة عرب جولف التابعة لرجل الاعمال أحمد العيسي - بسوق استيراد المشتقات النفطية، ما سمح بإهدار 88 مليون دولار من مستحقات المصافي خلال تلك الفترة.
عام 2022 قامت الحكومة اليمنية برئاسة عبد الملك بشراء الطاقة الكهربائية من شركة "برايمز إنتربرايس" بقيمة 128 مليون دولار وطاقة انتاجية 100 ميغاوات محمولة على باخرة تتبع الشركة، وفقا للعقد التي وقعته الحكومة وحصلنا على نسخة منه، وفي تقرير ينشر لأول مرة صادر عن اللجنة البرلمانية المكلفة بالتحقيق في فساد الكهرباء والديزل لعام 2022، قالت اللجنة إن عقود الكهرباء التي أبرمتها الحكومة مؤخرا هي الأعلى خلال سنوات ماضية وإنها مخالفة للمعايير الدولية ومعايير القوانين اليمنية، وإن ذلك من أخطر بؤر الفساد في الموازنة العامة، كما أوضحت اللجنة في تقريرها بأن تلك العقود تمت دون العودة إلى لجنة المناقصات، التي قالت إن العقد المبرم مع "برايمز إنتربرايس" كلف الدولة خسائر بأكثر من 550 مليون دولار بسبب التأخر في تنفيذه، وإن الحكومة ووزارة الكهرباء ارتكبت الكثير من المخالفات بهذا الجانب، دون مساءلتها من الجهات الحكومية ذات العلاقة.
وتواصلنا مع وزارة الكهرباء والمؤسسة العامة للكهرباء بعدن للوقوف على أسباب تأخر تنفيذ عقد "برايمز إنتربرايس" وردودهم على تقرير اللجنة البرلمانية. لكن لم يصلنا أي رد حتى تاريخ نشر هذا التحقيق. وتجاهلت "برايمز إنتربرايس" بدورها استفسارات معد التحقيق.
وعام 2018 أصدر الرئيس هادي قراراً يسمح لجميع التجار باستيراد المشتقات النفطية وبيعها مباشرة بالأسواق، لينهي هذا القرار أولاً دور المصافي في الشراء، ويفتح الباب لاحتكار العيسي لاستيراد المشتقات بشكل غير مباشر بحكم أن شركات العيسي هي من كانت تقدم على المناقصات وتنافس بعضها البعض.
الصحفي في الشؤون الاقتصادية وفيق صالح قال للجزيرة نت "عندما نتحدث عن تعطيل مصافي عدن واعتماد البلاد على توفير احتياجاتها من الوقود من الاستيراد الخارجي، فإن هذا يعني الاستنزاف المنظم للعملة الصعبة بالبلاد، لأن مبالغ مشتريات المشتقات النفطية من السوق الخارجية تصل إلى أكثر من ملياري دولار سنوياً، ومازال تتضاعف مع ارتفاع أسعار النفط عالمياً وارتفاع التأمين على سفن في خطوط الملاحة الخارجية. وبحسب الأرقام الرسمية فإن العام الجاري وصلت فيه قيمة هذه المشتريات إلى أكثر من 3 مليارات دولار".
ويعد هذا الرقم مهولا لأنه يتجاوز إيرادات البلاد في الوقت الحالي من النقد الأجنبي، سواء من بيع شحنات النفط الخام المتوقف منذ عام 2022، أو المصادر الأخرى، التي تأتي على شكل مساعدات دولية من الإقليم والدول المانحة، وتحويلات المغتربين في الخارج.
ووفقا لتقرير التطورات الاقتصادية الصادر عن البنك المركزي اليمني يونيو/حزيران 2022، فإن اليمن قام باستيراد مشتقات نفطية بقيمة 2.8 مليار دولار خلال العام 2021. الأمر الذي سبب زيادة في الطلب على العملة الصعبة وأدى إلى انهيار سعر الريال.
وفي حين ينتظر اليمنيون إصلاح مولدات الكهرباء الخاصة بالمصافي لتغطية الجزء الأكبر من المشتقات وتخفيف الضغط على العملة الصعبة، وبدء المصافي في تغطية الجزء الأكبر من احتياجات السوق المحلية، فإن الرئيس والحكومة يكونان بقرارهما هذا قد أطلقا رصاصة الرحمة على تلك الآمال، حيث إن من يمتلك المال هو فقط من يستطيع شراء المشتقات النفطية والاستفادة كذلك من إعفاءات الجمارك لأن رئيس الجمهورية وجه في قراره بتعليق الرسوم الجمركية للمشتقات النفطية من تاريخه بهدف تقليل الأسعار.
ووفقاً لهذا القرار فإن دور شركة النفط اليمنية الحكومية انتهى والتي كان هدفها الأول هو تغطية حاجة الطلب من المشتقات النفطية وفقا للقانون رقم 191 لعام 1990. علما بأن هذا القرار أعطى كامل الحرية للتجار بعيداً عن الشركة الوطنية باستيراد المشتقات النفطية مهما كان حجمها. وكذلك أعطاهم صلاحية مباشرة للبيع دون الرجوع لشركة النفط، ووفقا لمصدر خاص رفض الكشف عن اسمه بشركة النفط فإن هذا القرار أضر كثيرا بالشركة وقدرة الدولة على السيطرة على السوق من قبل تجار معدودين باعتبارهم يمتلكون فقط العملة الأجنبية، والعلاقات مع العيسي الذي يمتلك بدوره ناقلات النفط.
مخالفات وفي تقرير اللجنة البرلمانية التي تم تشكيلها من مجلس النواب وتنشر لأول مرة، سجلت مخالفات في عمليات شراء النفط والوقود، كان نائب مدير مكتب الرئاسة جزءا منها. وأوضح التقرير أن التلاعب بأسعار النفط واستيراد النفط بهذه الطريقة قد أضر بدور المصافي واقتصاد البلاد.
وجاء في التقرير كذلك أن الحكومة لم تستكمل دفع ما يجب دفعه للشركة الصينية التي تتولى إصلاح المصافي حتى الآن، وهو ما أثر على عمليات إصلاح مولدات الكهرباء الخاصة بالمصافي، وجاء في تقرير اللجنة البرلمانية أن الحكومة لم تدفع مبلغ 65 مليون دولار فقط لاستكمال إصلاح المصافي في حين أنها اشترت وقودا بمليارات الدولار وأن ذلك قد يتسبب في إنهاء المصافي بشكل كامل. وقالت وزارة النفط في ردها على اللجنة إن إصلاح المصافي لن يتم خلال هذا العام مما يعني الاستمرار في شراء الوقود واستنزاف المزيد من العملة الصعبة.
وفي تسجيل خاص لأحد مديري شركة النفط الوطنية السابقين -والذي رفض الكشف عن اسمه- تحدث لمعد التحقيق بأن المصافي هي المسؤولة عن تكرير النفط واستيراد ما ينقص الأسواق المحلية منه، وقال إن دور شركة النفط كان يقتصر فقط على إبلاغ المصافي بما يحتاج إليه السوق من احتياجات نفطية، وتقوم المصافي بتوفيرها واستيراد ما ينقص منه وفقا لمهام الشركة والمصافي حسب القانون.
ويمنع القانون استيراد النفط من قبل التجار، وحصر استيراد النفط فقط على شركة مصافي عدن إضافة إلى دورها في تكرير نفط اليمن بما يسمح لها بتغطية السوق المحلي بالكامل ويوفر على الدولة العملات الأجنبية، كما نص القانون بأن توزيع المشتقات النفطية يقع على عاتق شركة النفط اليمنية فقط.
غير أن قرار منح التجار هذه الميزة، أفقد الدولة القدرة على الاستفادة من عوائد النفط الخام في تعزيز الاحتياطي الأجنبي، بحكم أن اليمن يصدر ما قيمته 1.4 مليار دولار من النفط الخام، بينما ما يستورده يزيد على 2.8 مليار دولار من المشتقات النفطية.
وفي الوقت التي تستنزف فيه العملة الصعبة في شراء المشتقات النفطية، تلهث الحكومة ومسؤولوها منذ أبريل/نيسان الماضي وراء دول التحالف للحصول على وديعة بملياري دولار فقط للبنك المركزي، في محاولة للحفاظ على استقرار الريال. بينما تستنزف أضعاف هذا المبلغ لشراء المشتقات بسبب تعطيل مصافي عدن التي كان من المفترض أن توفر على اليمن كل هذا الكم من العملة الصعبة التي تغادر البلد لشراء المشتقات، وتسبب زيادة في الطلب على الدولار وبالتالي انهيار العملة المحلية.
وعبر موقع صحيفة الثورة الرسمية ووكالة الأنباء اليمنية "سبأ" التابعة للحكومة الشرعية المعترف بها دوليا، قمنا بالبحث عن أية إعلانات لمناقصات خاصة باستيراد المشتقات النفطية وفقا لقانون المناقصات والمزايدات والمخازن الحكومية رقم 23 للعام 2007.ولم نجد أية مناقصة تم الإعلان عنها، كما أننا قمنا بالبحث عن مناقصة التعاقد مع الشركة الصينية التي تقوم بإصلاح المصافي، ولم نجد أية إعلانات أو معلومات عنها في المواقع الرسمية، أو حتى أخبار التوقيع معها.
ضرورة المساءلة يقول المحامي توفيق الحميدي إن أية قرارات تتخذها الحكومة يجب أن تتناسب مع مصلحة الشعب، وأن تتوافق مع القوانين النافذة خصوصا قرارات تعويم المشتقات النفطية. وأضاف أن هذه القرارات التي اتخذتها الحكومة يجب أن تخضعها للمساءلة لا سيما مع إجماع الخبراء الاقتصاديين بأن لها تأثيرات على الاقتصاد والمواطن كذلك، كما أنه لم تتم دراستها من الوجهة القانونية.
ويشير الحميدي إلى أن القانون واضح جدا فيمن هي الجهة المسؤولة عن استيراد المشتقات النفطية، وأن تلتزم الحكومة بعمل مناقصات لأي عمليات تقوم بها، وأن الاستيراد الذي يتم دون إعلان مناقصات يحمل في طياته شبهة فساد كبيرة يجب أن تتخذ المحكمة الإدارية قرارات حيالها.
وفي حين أعلنت المصافي عن تشغيل وحدة إنتاج الأسفلت مطلع عام 2024، لا تزال وحدة تكرير المشتقات النفطية في انتظار الحكومة أن تدفع 65 مليون دولار لتنقذ البلاد من المزيد من الخسائر وتدهور الريال في مناطق سيطرتها. وفي حين تنتظر عدن والمدن المجاورة لها صيفا حارا، لا تزال قصة إصلاح مصافي عدن لغزا كبيرا لم يتغير مع تغير الرئيس والحكومة، ولا يزال الشعب اليمني ينتظر محاسبة المتورطين في خسائر بمليارات الدولارات تكبدوها في حاضرهم وتحملوها بمستقبلهم.
الجزيرة نت