منذ منتصف العام 2022، والمنطقة الحرة في العاصمة المؤقتة عدن، تشهد صراعاً خفياً بين الحكومة والمجلس الإنتقالي، وكانت أحد مظاهره تمسك الأخير برئيس المنطقة الحرة المتهم بالفساد ويرفض تسليم الإدارة لآخر عينه رئيس الوزراء بعد اتهامه بقضايا فساد من قبل القضاء.
البداية كانت من تأريخ 28 / 8 / 2022 ، حيث طالب النائب العام القاضي قاهر مصطفى، بتوقيف رئيس المنطقة حسين أحمد محمد الحيد (تم تعيينه في المنصب بتأريخ 28 مارس في 2016 بقرار جمهوري)، عن العمل وتكليف بدلاً عنه، لتورطه بقضايا فساد.
وقال النائب العام في مذكرة وجهها لرئيس الوزراء حينها معين عبدالملك: "في البدء تتمنى لكم دوام التوفيق والنجاح في مهام أعمالكم وإشارة للموضوع أعلاه ترونا نرسل لكم رفق مذكرتنا صورة من مذكرة الأخ وكيل نيابة الأموال العامة الثانية المختصة بالتحقيق في قضايا الفساد رقم (٤٨) لعام ۲۰۲۲ م بتاريخ 18 – 8 - 2022 بشأن الوقائع المرتكبة من المتهم المذكور أعلاه والتي خلص من خلال التحقيقات لثبوت وقائع التزوير وكذا تسهيل الاستيلاء على أراضي المنطقة الحرة من قبلة وقبل بعض العاملين معه وطلب توقيف المذكور عن العمل وتكليف بديلاً عنه".
وأضاف القاضي قاهر مصطفى "وعليه ونظراً لكونكم المشرف الأول قانوناً على المنطقة الحرة ترونا نحيل مذكرة، الأخ وكيل نيابة الأموال العامة الثانية إليكم للنظر والتقرير بما ترونه مناسباً حفاظاً على المصلحة العامة"، حسب المذكرة القديمة المتداولة، التي نشرت مؤخراً على مواقع التواصل.
ومنذ ذلك الحين ظل الصراع خفياً بين الحكومة والانتقالي بشأن تعيين إدارة جديدة للمنطقة، وكلف رئيس الوزراء السابق معين عبدالملك في يناير الماضي، الدكتور شيخ سالم أبوبكر بانافع، رئيساً للمنطقة الحرة عدن، بدلاً عن حسين أحمد محمد الحيد، المتهم بقضايا فساد، وتم توقيفه.
وحسب ما ذكره مصدر محلي فقد تم تكليف محافظ عدن (التابع للانتقالي)، أحمد حامد لملس بالإشراف على الاستلام والتسليم، بين "بانافع" و "الحيد" غير أن الأخير واجه رفض قرار تغييره بشدة "بحجة أنه جاء إلى المنصب بقرار جمهوري (قبل 8 سنوات)".
وحتى الأسبوع قبل الماضي زادت حدة الخلاف بين الحكومة والانتقالي وظهر ذلك للعلن عندما أكد رئيس الوزراء الحالي أنه سبق تغيير رئيس المنطقة الحرة السابق في مذكرة وجهها للنائب العام، وإعلان ذلك في الجريدة الرسمية (14 أكتوبر).
ولم تسلم صحيفة 14 أكتوبر الصادرة من عدن من الخلافات الجارية بين الرئيس السابق والجديد للمنطقة الحرة، حيث نشرت إعلانا بتأريخ 14 مارس (الجاري)، قالت فيه: "نود الإعلان للجهات الحكومية والشركات والهيئات والمصالح الحكومية والقطاع الخاص والأفراد شخصيات معنوية واعتبارية بأنه تم الغاء الختم السابق واعتمال الختم الجديد للهيئة العامة للمنطقة الحرة -عدن، ويتم التعامل بالختم الجديد من تأريخه وعدم اعتماد أي مذكرات أو مراسلات أو أي شيء آخر بالختم السابق بحسب النماذج الموضحة (وأرفقت الصحيفة الإعلان بنموذجي الختمين)".
وفي وقت لاحق نشرت الصحيفة الحكومية إعلانا اخر جاء في نصه: "عملاً بحق الرد فإن المنطقة الحرة عدن تود أن توضح للجهات الحكومية والشركات والهيئات والمصالح الحكومية والقطاع الخاص وكافة الشخصيات المعنوية والاعتبارية بأن ختم الهيئة المنطقة الحرة لم يتغير، وهو الختم الرسمي المعتمد وأن التعامل مع أي ختم غيره يعرض صاحبه للمساءلة القانونية".
وفي "تنويه هام" بتاريخ 18 مارس (الإثنين الماضي) ذكرت صحيفة "14 أكتوبر" أنها "تود التوضيح للقارئ الكريم حول ما تم نشره من إعلانات المنطقة الحرة في عددي الأحد والخميس الماضيين"، مشيرة إلى أنها كانت قد "تسلمت إعلاناً من قبل القائم بأعمال المنطقة الحرة الأخ/ شيخ سالم أبوبكر بانافع حول تغيير الختم الخاص بالمنطقة، لكن الأخ حسن حيد الموقف والمحال لنيابة الأموال العامة، قام بإرسال خطاب رسمي وممهور يختم المنطقة الحرة ينفي الإعلان السابق مستغلاً عدم دراية مسؤول الإعلانات بقرار التوقيف".
وأكدت الصحيفة "أنها تخلي مسؤوليتها وتحتفظ لنفسها بحق الرد والتقاضي، وتحمل المدعو حسين الحيد كافة المسؤولية عن هذا التلاعب"، وأعادت "نشر الإعلان الصحيح بتغيير الختم في ذات العدد".
الى ذلك قال الصحفي العدني عبدالرحمن أنيس، إنه "حصل على مذكرة صادرة عن مكتب رئيس مجلس الوزراء - اتحفظ على نشر صورة منها احتراما لطلب المصدر - تحمل مرجع رقم ( رو / 567 ) بتاريخ : 14 / 3 / 2024 ، موجهة من رئيس الوزراء الى النائب العام القاضي قاهر مصطفى علي، بشأن إيقاف الأخ / حسن حيد رئيس المنطقة الحرة، وتكليف بديلاً عنه".
وجاء في المذكرة وفق أنيس أنه "بالإشارة إلى الموضوع أعلاه فقد سبق وأن تم تكليف الدكتور/ شيخ سالم أبوبكر بانافع، رئيساً للمنطقة الحرة عدن، بالقرار رقم (6) لسنة 2024م، كما تم من قبل وزارة المالية والبنك المركزي استيفاء نماذج التوقيعات، وكذلك تم تغيير الختم القديم بختم جديد".
وحسب مذكرة مكتب رئيس الوزراء فإنه "وعليه ولما تقتضيه المصلحة العامة للحفاظ على ما تبقى من أراضي المنطقة الحرة، والمستر بلان، يرجى من فضيلتكم توجيه نيابة الأموال العامة بالنزول إلى مبنى المنطقة الحرة، وإغلاق كافة السجلات المتعلقة بالتصرفات، وعلى وجه التحديد سجلات ومحاضر لجنة البت، وكذلك حوافظ التوريد والصرف، والتكرم بموافاتنا بالنتائج، وعلى ضوئه سنوجه بتشكيل لجنة من قبلنا لتقييم وضع المنطقة الحرة بشكل عام يشمل كل التصرفات، بما في ذلك تقييم حالات الصرف كل حالة على حدة، والجوانب الفنية والمالية، ووظائف الأراضي واستخداماتها"، وفق الصحفي أنيس.
رئس المجلس الانتقالي وعضو المجلس الرئاسي عيدروس الزبيدي طلب من النائب العام قاهر مصطفى، الإثنين الماضي، "بموافاته بكشف تفصيلي عن قضايا الفساد والأموال العامة لدى النيابة والقضاء، وآخر إجراء تم فيها، وبشكل عاجل".
وفي مذكرة أخرى أصدرها الزبيدي أمس الأربعاء، الى وزير المالية وجه فيها "باستمرار التعامل مع رئاسة المنطقة الحرة (حسن الحيد) حتى يتم الفصل في ادارتها وقيادتها من مجلس القيادة الرئاسي"، مشيراً إلى "قرار مجلس القيادة الرئاسي رقم (31) لسنة 2022م بشأن إلغاء أي تكليفات صادرة من رئيس وأعضاء مجلس الوزراء والمحافظين في المناصب القيادية بالوزارات والمؤسسات والهيئات الحكومية التي يتطلب التعيين فيها قراراً جمهورياً، وإلى خطاب رئيس المنطقة الحرة والمتضمنة وقف التعامل معها من قبل وزارة المالية والبنك المركزي".
صحف عدنية منها صحيفة "عدن الغد" اتهمت شخصيات محسوبة على رئيس الوزراء السابق بمحاولة إزاحة الحيد من منصبه (كرئيس للمنطقة الحرة) "عقب رفضه تنفيذ توجيهات مخالفة للقانون"، مشيرة الى أن "المنطقة الحرة بعدن تشهد صراعا مريرا منذ أكثر من أربعة أسابيع".
ونقل موقع عدن الغد في خبر نشره يوم 17 مارس (الأحد الماضي) عن ما أسماه "مصادر عاملة في هيئة المنطقة الحرة" قولها إن "هذه الشخصيات تحاول منذ أسابيع احداث حالة من الإرباك لنشاط هيئة المنطقة الحرة عقب اصدار تكاليف مخالفة للقانون والذهاب الى اصدار اختام باسم المنطقة الحرة في حين أن رئيس المنطقة الحرة معين بقرار جمهوري ولم يصدر أي تكليف اخر بشكل رسمي"، مشيراً إلى أن مصادره "حذرت من محاولة تدمير هيئة المنطقة الحرة بعدن عقب تمرير عدد من الصفقات المخالفة للقانون والتي ترفض الإدارة الحالية الى اليوم تنفيذها".
وخلال السنوات الخمس الأخيرة تعرضت المنطقة الحرة في العاصمة المؤقتة عدن إلى اعتداءات متكررة ونهب ممنهج من قبل نافذين في حين تم بيع قطع أخرى لمستثمرين في المنقطة التي يفترض أن تكون أراضي بيضاء وخلفية للميناء.
ومطلع الأسبوع الجاري قال ضباط وقيادات في المنطقة الحرة بعدن إن قيادات في المجلس الانتقالي صرفت أراضي مملوكة لهم منذ 20 عاما لأحد التجار، في تعدٍّ على حقوق ومنتسبي المنطقة الحرة الذين لا يزالون يسكنون بالإيجار، حسب ما نشره موقع صحيفة الأيام.
ودعا ضباط في بيان لهم الزبيدي الى "توقيف أي إجراءات او توجيهات صدرت منهم او من جهات مسئولة أخرى بشان أراضيهم"، وقالوا في مناشدتهم إن "عددهم 280 ضابطا وفردا من المنطقة الحرة بعدن صرفت لهم أراضي في 2004 وصادق عليها الرئيس هادي في 2007 في منطقة الفارسي البريقة وحدة جوار 411A مسورة حيث قاموا بدفع رسوم وفق القانون المتبع لهيئة مصلحة أراضي وعقارات الدولة.
وحسب مناشدة الضباط فإن "جميع ضباط وأفراد المنطقة الحرة قاموا بواجباتهم العسكرية في اطار المنطقة الحرة وساهموا في حماية ممتلكات المنطقة الحرة في ظروف صعبة ومعقدة من 30- الى 40 سنة".