أخبار محلية

"المكحَّل".. صوت المواطن المكبوت الذي انفجر في وجه مليشيا الحوثي ولازالت أصداؤه تدوي في محافظة إب

المصدر
أحمد حلمي

مع صبيحة اليوم الأول من الشهر الفضيل، كان عمر وشقيقته عائشة على موعد عنوانه الشوق والحزن في آن واحد، حيث ذهبا مع والدتهما في زيارة لقبر أبيهما "حمدي عبدالرزاق الخولاني" (المكحل) في مقبرة "الغفران" وسط مدينة إب، الذي تم تصفيته في أحد سجون ميليشيا الحوثي بالمحافظة.

لاتزال روح الطفل عمر وشقيقته معلقة بوالدهما ولم تنطفئ بدفن جثمانه منذ عام كامل، ولايزال هذا اليوم محفوراً في وجدانهما، وهو كذلك لا يزال محفوراً في وجدان أبناء محافظة إب وكل اليمنيين الذين رأوا في "المكحل" أيقونة نضال لا تنتهِ بتصفيته عمدا داخل أقبية وسجون مليشيا الحوثي، التي تعمدت التخلص منه، كي لا يواصل حضوره المجتمعي وتأثيره المتسارع في أوساط الناس جراء نشاطه في مواقع التواصل الاجتماعي، لتجد نتيجة مغايرة لما هدفت إليه، إذ فجرت الجريمة التي طالت "المكحل"، ثورة مجتمعية هي الأكبر في وجه المليشيا بالمحافظة منذ الانقلاب الحوثي نهاية 2014م.

اليوم الأول من رمضان الفائت، كانت إب على موعد مع صرخة مدوية انفجرت في وجه الإمامة الجديدة بعد صمت طويل دخلت فيه المحافظة.

لعل "المكحل" ذكر سكان المحافظة أن قائد ثورة سبتمبر ضد الإمامة الشهيد علي عبدالمغني كان واحداً منهم، لتشهد محافظة إب خروجاً كثيفاً وتهتف بصوت قوي "لا إله إلا الله والحوثي عدو الله" و ارحل ارحل ياحوثي" وغيرها من الهتافات الشعبية الرافضة للمليشيا، التي أسمعت قيادات المليشيا بصنعاء وصعدة صوت رافض لها ولمشروعها القائم على القهر والعنف.

كانت النساء أيضاً على أسطح المنازل تنتظر مرور جنازة "المكحل" وعلى جوانب الطرقات وقفت نساء المدينة بشكل مهيب، وزغردن تضامناً مع الأسرة المكلومة وتوديعاً للبطل، لتعلو أفواههن بذات الهتافات "لا إله إلا الله والحوثي عدو الله" و "ارحل ارحل ياحوثي".

ولد الشاب حمدي عبدالرزاق الخولاني في المدينة القديمة لمديرية المشنة بمدينة إب، في العام 1989، وفيها تربى وتلقى دراسته الأساسية، وتزوج ليصير أباً لطفل سمّاه "عمر" وطفلة سمّاها "عائشة"، حيث كان "حمدي" لا يترك عادة الاكتحال وتدعيج عينيه بالسواد، وهي واحدة من عادات الكثير من شباب المدينة القديمة، وزاد هو عليها بأن مرر خطين متقاطعين يشبهان الوشم من طرف عينيه إلى نحو أذنيه، عادة جعلت الكل ينادونه بـ "المكحل" وهو اللقب الذي طغى على اسمه الحقيقي.

في مدينة إب القديمة حيث يسكن كان الشاب معروفاً لدى الجميع، وعمل لفترة طويلة على دراجة نارية يعول من خلالها أسرته الصغيرة، وكثيرا ما عبر عن اعتزازه بالعمل كمصدر لـ "الرزق الحلال" ويفاخر بكونه يأكل من عمل يديه، حيث كان ذلك الشطر الأول من حياته الذي امتد لبضع وثلاثين عاماً عرف فيها كشاب اجتماعي يعمل على دراجة نارية ليعول أسرته.

في الأشهر الأخيرة من حياته، وخلال الفترة بين أكتوبر ٢٠٢٢ ومارس 2023، عاش "حمدي" حياة أخرى رغم قصرها، إلا أن أثرها كان أكثر ربما حتى مما يتوقع، أشهُر كسر فيها حاجز الخوف وتجاوز التحذيرات، ودفع كثيراً من الشباب لإعادة التفكير في حالة الصمت التي ينتهجها المجتمع تجاه ممارسات الظلم والبلطجة التي تمارسها سلطة المليشيا في المحافظة منذ سنوات.

عقب دفن جثمان الشهيد المكحل، مارست المليشيا انتهاكات واسعة بحق أبناء محافظة إب والتي من بينها القمع والتنكيل والاقتحامات والاختطافات والتعذيب والتهديد وفرض حالة طوارئ غير معلنة استمرت لقرابة شهرين، ولا تزال تمارس انتهاكاتها حتى اليوم بحق معارضيها أو غير معارضيها من أبناء المحافظة، حيث نشرت آنذاك قوات خاصة قدمت من صنعاء وصعدة وظلت تنشر القيود على حركة المواطنين في المدينة القديمة وبقية أحياء وشوارع مدينة إب.

وبقدر ما حاولت المليشيا من خلال نشر عناصرها الملثمين في شوارع المدينة إرهاب وتخويف المجتمع فقد كشفت هذه الحركة عن حالة الرعب التي عاشتها الجماعة في إب، وكانت تبرر نشر عناصرها الملثمة في عاصمة المحافظة، بذريعة تنظيم حركة الشوارع في المدينة وتخفيف الزحام مع شهر رمضان، وهو الأمر الذي لم يعد في إهتمام المليشيا لهذا العام فلا عناصر ملثمة ولا تخفيف الزحام الذي زاد عن العام الماضي ما أكد لكل أبناء المحافظة ما كان يردده الجميع أن تلك العناصر لقمع أبناء المحافظة من مواصلة ثورتهم المجتمعية بوجه المليشيا.

تمر الذكرى الأولى لتصفية الشاب والناشط حمدي عبدالرزاق، التي تصادف الأول من رمضان بالنسبة للعام الهجري وتصادف الـ 19 من مارس الذي سيأتي بعد خمسة أيام، وليحيي اليمنيون اليوم ذكراه من جديد، مستمدين من روح "المكحل" شجاعته ونضاله الذي تفجر من داخل مناطق سيطرة مليشيا الحوثي، قوة جديدة لمواصلة الكفاح حتى الخلاص من قبضة الإمامة الجديدة التي دمرت اليمن.

مع أول يوم رمضاني اشتعلت مواقع التواصل الاجتماعي بالحديث عن ذكرى الشهيد المكحل تحت هشتاجات عدة أبرزها #الذكرى_الأولى_لإستشهاد_المكحل و #المكحل و #الحوثي_عدو_الله وغيرها من الهشتاجات التي جاءت بمبادرات ذاتية للتذكير بنضال المكحل وثورته التي هزت سلطات الأمر الواقع للمليشيا بصورة لم يسبق أن عرفتها المليشيا من قبل.

الناشطة "سونيا الصالح" غردت على منصة إكس قائلة: "يعيش الحر بطلا ورافعا رأسه ليستشهد بشرف مرة واحده، بينما يعيش الجبناء ناكسي رؤوسهم ويموتون باليوم ألف مره ذلا وخوفا وهوانا وقلة قيمة.."

وأضافت: "رحمة الله على شهيد إب الثائر حمدي عبدالرزاق المكحل الذي استشهد تحت تعذيب الاحتلال الايراني الحوثي". في إشارة منها لعمليات التعذيب الجسدية والنفسية التي تعرض لها في سجن البحث الجنائي بمدينة إب التابع لمليشيا الحوثي والتي تسببت بوفاته داخل أقبية المليشيا.

بدوره قال الصحفي كامل الخوداني على منصة إكس: "المكحل.. ابن محافظة اب القديمة وبطلها، من أشعل ثورة ضد مليشيا الحوثي وحفر اسمه في جدار التاريخ ودونه في روايته وكتبه"، مضيفاً: "لن تنطفئ شعلة ثورة أوقدتها دماء الأبطال الرجال، هو عهد قطعناه، لن تذهب دمائكم هدر ولن يحكم الكهنوت بلادنا".

بدوره قال الناشط معين الصايدي: مر عام منذ تصفية مليشيات الحوثي للشهيد حمدي عبدالرزاق (المكحل) وبدء الانتفاضة التي قمعها الحوثيون واودعوا المئات منهم في السجون".

وأشار الصايدي، إلى أنه "لايزال ١٨٠ شابا من مدينة إب مفقودين أو مغيبين في السجون وتم تلفيق تهم جسيمة عليهم تصل عقوبات بعضها للإعدام والتعزي، ـ على ذمة قضية المكحل ـ ستود الإنتفاضة قريبا".

الإعلامي محمد الظبياني كتب قائلا: "يمثل الشهيد حمدي عبدالرزاق رمزية نضالية وشجاعة يمنية متفردة، حيث واجه عصابة سلالية هاشمية هشة بالكلمة والموقف، تصدى لهم بالحجة والمنطق، نسف خرافتهم وأظهر حقدهم الإمامي الدفين..".

الى ذلك اعتبر الصحفي محمد الجماعي ثورة الشهيد المكحل مؤشر "حالة متأججة لشعب يمكن أن يقطع شعرة معاوية في أية لحظة في وجه العصابة السلالية، ومن يتابع مقاطع فيديو هذا الشاب الأعزل، وشعار ‎الحوثي عدو الله سيدرك هشاشة وضع المليشيا في ‎اليمن ويعرف مغزى هروب الحوثي خلف شعار نصرة غزة".

وغرد كيل وزارة العدل فيصل المجيدي بالقول: عام على استشهادك، وسنة على دفنك لهم.. كشفت خواء عبدالملك الحوثي وزبانيته.. بقيت ذكراك الطيبة في ضمير كل يمني وستبقى جريمة تصفيتك سجنا لهم الى الأبد..".

وعلق الناشط صقر دماج علق بقوله: "عندما وصلني خبر استشهاد المكحل حزنت، لكنني لم أستغرب، وأذكر وقتها انني ردّدت بيني وبين نفسي أن إنساناً مثل المكحل، لا تنتهي حياته إلا بهذه الطريقة.. شهيداً وقف الشهيد وحده أمامهم فى إب بكل عزة نفس وفخر وإصرار، لم يتراجع أو يدير لهم ظهره".

واستدعى الناشط الإعلامي إبراهيم عسقين بيت من الشعر في الذكرى الأولى لإستشهاد المكحل، وقال: "الوحش يقتل ثائراً والأرض تنبت ألف ثائر.. يا كبرياء الجرح، لو متنا لحاربت المقابر".

وأردف: "مر عام يا حمدي الخولاني.. مر عام يا بطل.. المجد والخلود لروحك واللعنة على قاتليك".

وكتب الصحفي عبدالله المنيفي: "عام على رحيل (المكحل) ايقونة نضال إب في وجه العفن السلالي الحوثي الإرهابي".

أما الناشط سعيد الجعفري فقد قال: "المكحل ليس رئيس حزب سياسي ولا قائداً عسكريا أو مسؤولا حكوميا أو شيخا قبليا، لكنه كل الشعب الذي التقى في شخص واحد وعبر عنهم جميعا بشجاعة نادرة في مواجهة أسواء مليشيات على وجه الأرض لم يأبه بالاعتقال والتعذيب واختار لنفسه موته عظيمة وهبته الحياة الدائمة في قلب كل يمني".

المصدر أونلاين