أخبار محلية

ثقافة التمييز والسلالية تُحيي الفرز المجتمعي وتمنع دفن جثمان مواطن في مقبرة للموتى بإب

المصدر
أحمد حلمي

بالرغم من تراجع نزعة الفوارق المجتمعية والطبقية بين المواطنين خلال العقود الماضية، بفعل ثورة 26 سبتمبر، حيث كان أول أهداف الثورة "التحرر من الاستبداد والاستعمار ومخلفاتهما، وإقامة حكم جمهوري عادل، وإزالة الفوارق والامتيازات بين الطبقات"، غير أن ثقافة التمييز الطبقي والسلالي عادت بصورة لافتة منذ انقلاب مليشيا الحوثي على الدولة في 2014م، حيث يعد التمييز السلالي أحد أبرز الفكر الحوثي الذي يرى أحقيته بالحكم على اليمنيين بمزاعم وادعاءات انتمائه إلى آل البيت كحق إلهي في الحكم.

نهاية الأسبوع الماضي، كانت قرية "ذودان" بمخلاف العود بمديرية النادرة شرق محافظة إب، على موعد مع حدث جديد كشاهد لعودة التمييز الطبقي بين المواطنين، حيث أقدم أشخاص ينتمون إلى أسرة بني "فاضل" بقيادة أحد وجهاء القبيلة، بمنع دفن جثمان مواطن في إحدى مقابر المنطقة، نتيجة التمييز الطبقي.

مصادر محلية وشهود عيان، أفادوا بمنع أشخاص من أسرة بني فاضل، عملية دفن الحاج محمد مثنى المريطي، في مقبرة ذودان بمخلاف العود بنادرة إب، في سلوك يتنافى مع القيم المجتمعية والشريعة الإسلامية والأعراف اليمنية.

المصادر أفادت بأن الأهالي أتموا حفر القبر، وكانوا على موعد مع دفن جثمان الحاج المريطي، غير أن عناصر قبلية حالت بينهم وبين دفن الحاج المريطي، بذريعة أنه لا ينتمي إلى أسرة عريقة، وأنه يعمل في مهن دونية، ضمن نظرة مجتمعية متوارثة تراجعت خلال العقود الماضية، غير أنها عادت بوتيرة لافتة منذ انقلاب مليشيا الحوثي منذ تسع سنوات.

وأجبرت العناصر القبلية أبناء قرية ذودان على حفر قبر آخر ودفنه بمقبرة أخرى بمنطقة تسمى "عترة"، استجابة للضغوط القبلية لأسرة بني فاضل، بالرغم من الاستياء لدى البعض من أفراد الأسرة جراء هذا التصرف الذي قوبل باستياء مجتمعي واسع لدى أبناء مديرية النادرة شرق محافظة إب.

قرية ذودان بمخلاف العود بمديرية النادرة فيها 14 قبيلة، وكلها صدمت بتلك التصرفات والممارسات من سلوك أقدمت عليه قبيلة بني فاضل ذات الثقل السكاني الأكبر عن بقية الأسر في المنقطة، وهي القبيلة التي ينتمي إليها عضو مجلس النواب بمديرية النادرة الشيخ حزام فاضل، غير أن الاستياء الذي عمّ في المنطقة وبقية مناطق المديرية، أجبر وجهاء آخرون من بني فاضل لمحاولة تهدئة الموقف وامتصاص ردود الفعل، كي لا يتم تصعيد وإثارة السخط وتصديره لبقية قبائل مخلاف العود التي تمتاز بالمحافظة على التمسك بالأعراف والتقاليد اليمنية الأصيلة.

وأعادت الحادثة للأذهان، اقتحام القيادي في مليشيا الحوثي أبو منتظر محمد عبيدان، لمراسم حفل زفاف شاب يدعى "غمدان محمد حسن النخلاني" في منطقة "دمنة نخلان" بعزلة "عميد الخارج" بمديرية السياني جنوب محافظة إب في أكتوبر 2019م، حيث تم اقتحام منزل العريس "غمدان" وترويع النساء والأطفال وإفساد فرحة الأسرة وأبناء المنطقة بزفاف نجلهم، في الوقت الذي كان قلب أم الشاب "غمدان النخلاني" يكاد يطير فرحة باليوم الذي انتظرته طويلاً خصوصا وأن نجلها ربته يتيما منذ صغره بعد وفاة أبيه بحادث مروري في منطقة مفرق جبلة جنوب إب.

كان القيادي الحوثي "أبو منتظر" آنذاك في مهمة إفساد فرحة الشاب غمدان النخلاني الذي يعمل في مهنة "الحلاقة" لكسب رزقه، منذ سنوات ويجمع ما استطاع منها للإنفاق على والدته وأسرته، ويرفع ما تبقى في مسعى منه للزواج وتكوين أسرة جديدة، ويحظى بسمعة طيبة في منطقته، وبمجرد أن أبدى إعلانه الاستعداد للزواج وقرب موعد الزفاف تلقى سيلاً من التهاني والتبريكات ولمس استعداداً من المجتمع حوله لمساعدته في كل ترتيبات الزواج كعادة الأرياف اليمنية التي تحاول التعافي من هذه الأمراض المجتمعية، وتم وضع اسمه ممهورا بلقب "النخلاني" بكونه ينتمي للمنطقة "دمنة نخلان" غير أن هذا اللقب جلب له الويلات، وأحال يوم فرحته إلى يوم كئيب، وقاتم بفعل الاقتحام والانتهاكات التي تعرض لها في أهم أيامه المنتظرة، آنذاك، وسط استياء واسع في المنطقة التي قابلت التصرف بإحياء عرسه مجددا في مشهد لم يسبق للمنطقة أن عرفته من قبل.

وخلال السنوات والأشهر الماضية، شهدت محافظة إب وبقية المحافظات الخاضعة لسيطرة مليشيا الحوثي حوادث مشابهة غلب عليها الممارسات الطبقية والمجتمعية التي ترى الفوارق بين المواطنين كواحدة من أبرز السمات التي يتم التعامل بها مع الغير، سواء في قضايا تتعلق بالزواج أو الوفاة أو العلاقات الاجتماعية، أو في الوظيفة الرسمية والأهلية وغيرها من الممارسات المجتمعية اليومية.