نفى والد معتقلين في سجون المجلس الانتقالي بعدن، صحة ما ورد في فيديو لمعتقل يُدعى "الجشمي أحمد الجشمي"، من اعترافات بتنفيذ عمليات اغتيال طالت خطباء وأئمة سلفيين وإصلاحيين لصالح ميليشيا الحوثي المدعومة من إيران، وقال إن تلك الاعترافات انتُزِعَت تحت التعذيب والتهديد وإهانة النساء والأطفال.
وبالتزامن مع الضجيج الذي أحدثه فيلم وثائقي بثته قناة البي بي سي، وأكد استئجار دولة الإمارات مرتزقة أمريكيين، وتجنيد عناصر سابقين في تنظيم القاعدة في خلية لـ"مكافحة الإرهاب" تتبع المجلس الانتقالي، مهمتها تنفيذ اغتيالات سياسية في جنوب اليمن، انبرى ناشطون وإعلاميون مموّلون إماراتياً في حملة دفاع عريضة تنوعت أساليبها، وما زالت مستمرة حتى اللحظة.
وكان من ضمن ما ورد في تلك الحملة، مقطع فيديو نشره إعلاميون تابعون للانتقالي لجلسة تحقيق مع المعتقل "الجشمي" يعترف فيه بتنفيذه مع رفقائه، منهم شخص يدعى "عبدالله الحيي"، عمليات اغتيال ضد أئمة وخطباء سلفيين وإصلاحيين وشخصيات تابعة للانتقالي، بتوجيهات من ميليشيا الحوثي.
وظهر في الفيديو المعتقل "الجشمي"، مرتديا فنيلة داخلية بسيطة، وهو أمام مكتب يجلس خلفه محقق تابع للانتقالي، يوجه له الأسئلة، وهو بدوره يعترف بتنفيذه مع شركائه سلسلة من عمليات الاغتيال طالت شخصيات من مختلف الأطراف، بهدف "إحداث الفتنة" بين مكونات المجتمع في عدن.
ونفى علي علي الحيي، وهو أب لخمسة معتقلين إلى جوار الجشمي وآخرين في سجون الانتقالي، من بينهم عبدالله، المذكور في الفيديو، في حديث لمراسل "المصدر أونلاين"، تلك الاعترافات، وقال إن الجشمي كان "اعتقل مع خمسة من أبنائي وأقاربي، (بتاريخ 16 أكتوبر 2020)، وقال ما قاله تحت التعذيب والتهديد، وبعد إهانة زوجته وبناته وزوجة عبدالله وأطفاله أمامهم وتعذيبهم في السجن".
وأضاف أن الجشمي وأبناءه "جميعهم كانوا يعملون في بيع القات بعدن، واعتقلوا وهم يبحثون عن قوتهم وقوت عائلاتهم"، مضيفا: "تخيل يا ولدي أن بداية هذه القصة كانت رؤية جنود من قسم البساتين الذي كان يديره مصلح الذرحاني، شخصاً اسمه نجيب من الحديدة، ويعمل في بيع القات للجشمي، في الفندق، ومعه مليون و300 ألف ريال".
وأوضح الحيي: "سجنوه من أجل ينهبوه الفلوس، وفي اليوم الثاني لما شعر الجشمي أن نجيب مش موجود سار يدور بعده في القسم، وسجنوا الجشمي، وبعد أيام، قالوا با يفرجوا عنه بضمانه، فاتصل بابني عبدالله، وعبدالله وعده انه بايسير يخرجه، وبعدها اقتحموا بيت الجشمي، واعتقلوا النسوان والأطفال وأهانوهم، وبعدها اقتحموا بيت عبدالله، والقصة كلها قد انا قلتها لك من قبل".
وكان "المصدر أونلاين" نشر قصة الجشمي ورفقائه في العام 2021 بعد عام على اعتقالهم، وذلك ضمن شكوى من علي الحيي، والد المعتقلين الخمسة، تحدث فيها عن تفاصيل عملية اعتقال أبنائه وآخرين من قبل قسم البساتين، وإهانة عائلاتهم وأطفالهم، قبل أن يفرجوا عن النساء والأطفال الأصغر سنا، ويبقوا على الآخرين.
والد معتقلين في سجون الانتقالي بعدن يشكو قتل أحدهم تحت التعذيب وتغييب البقية مع آخرين لأكثر من عام "دون ذنب"
وقال الحيي، وهو من أبناء مديرية جبل الشرق "قرية المطور" في محافظة ذمار: "اعتقلوهم دون أي جريمة اقترفوها، وجلسنا متكتمين على القضية علّ وعسى يفرجوا عنهم، وبعدا رجعنا أظهرناها بعد سنة"، مشيراً إلى أن أبناءه لا يزالون في سجن "بئر أحمد" التابع للانتقالي حتى اللحظة، دون أن يدري شيئاً عن أوضاعهم.
وكان الأب قال في حديثه السابق إن عناصر الانتقالي عذبوا المعتقلين وأهانوا النساء والأطفال أمامهم داخل السجن، ما دفع المعتقلين إلى الموافقة على الاعتراف بأي شيء مقابل إطلاق سراح النساء والأطفال.
والمعتقلون كما قال الأب في حديثه السابق، هم: "عبدالله علي علي الحيي (35سنة، توفي تحت التعذيب)، سنان علي علي الحيي (13 سنة)، جبر علي علي الحيي، (14 سنة)، علي عبدالملك الحيي (١٤ سنة)، علي عبدالكريم الحيي (١٥ سنة)، جبر ناصر أحمد سريب (23 عاماً، من مديرية المنار آنس)، غالب علي الضبياني (33 عاما، ينتمي لمديرية ضوران آنس)، الجشمي أحمد الجشمي (33 سنة، من مديرية ضوران أيضا)، ونجيب محمد يوسف، المعتقل الأول (من محافظة الحديدة).
وفي السياق نشر ناشطون مقطع فيديو على منصات التواصل الاجتماعي أكد مصدر حقوقي أنه لوالد الجشمي وأخيه، وآخر مقطع صوتي أكد المصدر أنه لزوجة عبدالله الحيي، يروي نفس التفاصيل عن عملية الدهم والاعتقال والتعذيب والإخفاء.
وقالت زوجة الحيي إنها سمعت المحقق يقول: "يعني ما راح تعترفوا لنا؟ دخلوا زوجاتهم، فدخلونا وقاموا بإهانة كرامتنا، وشلحوا (نزعوا) عباياتنا من فوقنا، وتعرضنا للضرب وشق ملابسنا، من مصلح الذرحاني ورجاله.. كان زوجي ما عاد يقدر يوعي وهو مشنوق (لا يعي)، والدم يخرج منه وقد هو حارق، هو والجشمي وإخوانهم".
وأضافت: "تعرضنا للتهديد من قبل مصلح الذرحاني: اعترفي والا راح اخلي كل من في القسم يغتصبوك، جردوني من برقعي من جلبابي.. أزواجنا طالبين الله بعد حالهم... اتهموهم بأشياء ما تدخل في العقل، كنت أدخل في غيبوبة وأفيق مما تعرضنا له، وزوجي كذلك مما عذبوه".
وتابعت: "لحد الآن وأطفالي يعانوا من حالة نفسية، مما شافوا أبوهم وشافونا واحنا نتعذب داخل القسم، ومن صياحنا"، مردفة "لما اشتد التعذيب، قال لهم زوجي، فكوا للمكالف واحنا نعترف لكم بما اشتيتوا بما تريدونه".
وفي حديثه، نفى والد الجشمي وأخوه تلك الاتهامات، وقال الوالد إن ابنه "نزل الى عدن يقوت، طالب الله عليّ وعلى عائلته"، مضيفاً "ستة أشهر وهو تحت التعذيب.. الآن لا ندري عنه شيء، لنا أربع سنوات".
وكانت عدن شهدت عقب تحريرها من ميليشيا الحوثي وسيطرة حلفاء الإمارات عليها في العام 2015، عمليات اغتيال دشنت باغتيال المحافظ جعفر محمد سعد، وطالت من بعده العشرات من الأئمة والخطباء من الإصلاحيين والسلفيين وقيادات المقاومة، إضافة إلى قيادات بارزة في حزب الإصلاح، فيما تقول مصادر حقوقية إن الذي طالتهم الاغتيال خلال السنوات الماضية تجاوز 300 ضحية.
وأكد تحقيق البي بي سي ضلوع الإمارات وحلفائها في تلك الاغتيالات وأورد نموذج رئيس إصلاح عدن، ونجل المحامية هدى الصراري التي كانت تعارض سيطرة أبو ظبي وانتهاكاتها الحقوقية في عدن وآخرين، وهو أمر سبق أن نشرت عنها وسائل إعلام أخرى وصلت لبعض المرتزقة الأمريكيين ونقلت عنهم، لكن تحقيق بي بي سي بدا مزعجاً أكثر من غيره، إذ استنفرت أبوظبي في حملة دفاع بلغت في بعض أوقاتها حد التناقض.
وهاجم نشطاء الانتقالي وإعلامه إضافة إلى كل الإعلام المموّل إماراتياً مُعدّة التحقيق والتي وصفوها بـ"الحوثية" والمتحدثين في التحقيق، كما هاجموا بشكل كثيف حزب الإصلاح، أكبر المستهدفين بالاغتيالات، واتهموه بالإرهاب، وتوعدوا بتطهير كل الجنوب ممن وصفوهم بـ "الإرهابيين" في إشارة إلى الإصلاحيين.
وقال مصدر حقوقي تحدث لـ"المصدر أونلاين" معلقاً: "هذا الفيديو مبعث سؤال كبير: إذا كان الحوثيون هم من اغتالوا الإصلاحيين في عدن الواقعة أمنياً وعسكرياً تحت سيطرة الانتقالي، فلم كل هذا الهجوم عليهم، وهم هنا في مقام الضحايا؟".
ورسميا، توعد المجلس الانتقالي الجنوبي بمقاضاة البي بي سي، والتي قال إنها استغلت مقابلة رئيسه عيدروس الزُبيدي واقتطعت جزءا منها في غير سياقها، وكان الزبيدي ظهر في التحقيق مرتبكا ومتلعثما أثناء طرح الصحفية أسئلة تتعلق بضلوع أبوظبي في الاغتيالات وتجنيد أعضاء القاعدة.
وقال بيان الانتقالي إن إجابة عيدروس "جاءت كجزءٍ من مقابلة مطولة تناولت المشهد السياسي في الجنوب واليمن والمنطقة"، وإن ما أخذ منها جاء "بقصد التشهير والإساءة المتعمدة".
وقال المجلس "إنه كيان سياسي يحمل قضية شعب الجنوب"، و"قد حدد مسار العمل السلمي وحماية المدنيين والدفاع عن النفس عند الضرورة".
ودعا "إلى إجراء تحقيق شامل وشفاف بشأن أي ادعاءات تتعلق بانتهاكات حقوق الإنسان والاغتيالات السياسية واستجلاب الجماعات الإرهابية وتوطينها وتوظيفها منذ مطلع التسعينات حتى اليوم، مؤكدا مواصلته لجهود مكافحة الإرهاب والتطرف وتجفيف منابعه".
وقال إنه مستعد "للمشاركة في أي عملية تحقيق محلية أو دولية على النحو الذي يضمن محاسبة المسؤولين عن كافة عمليات القتل خارج نطاق القانون خلال الثلاثة العقود الماضية، وعدم السماح لأحد بالإفلات من العقوبة".