بينما تزيد جماعة الحوثيين المسلحة في اليمن من هجماتها على السفن في البحر الأحمر - والذي قالت أنها رداً على ما تسميه "جرائم الإبادة الجماعية" من قبل إسرائيل في غزة- فقد قامت الولايات المتحدة والمملكة المتحدة بالرد بواسطة ضرباتٍ عسكرية مُتعددة في الأسبوع الماضي. كما قامت الولايات المتحدة بإعادة تصنيف الجماعة كمنظمةٍ إرهابية عالمية.
و الأمل من هذه الضربات الضغط على الحوثيين المرتبطين بإيران للتراجع. ومع ذلك، فإنها لن تحقق ذلك، إلا إذا توقفت الحرب الإسرائيلية في غزة وحصل تغيير كامل في دعم الغرب لنهج إسرائيل، وإلا فإنه لا توجد حلول قد تثني الحوثيين عن تغيير مسارهم في المستقبل المنظور.
و هناك ثلاثة أسباب رئيسية لذلك، والتي لا تتعلق أساساً باستراتيجية إيران الإقليمية: 1- تمكنت المجموعة بالفعل من الصمود خلال سنواتٍ من الضربات الجوية، و السبب الأول والأكثر وضوحاً هو حركة الحوثيين، التي يُعرف جناحها السياسي بأنصار الله، وقد تحملت بالفعل سنواتٍ من الضربات الجوية في حربها مع تحالف بقيادة السعودية ودعم الغرب من عام 2015 حتى عام 2022.
و قبل ذلك، خاض الحوثيون ست حروب ضد الحكومة اليمنية المركزية من عام 2004 حتى عام 2010. و الحرب الشبه قُطرية ليست جديدة بالنسبة لهم، لذا فإن مضايقة السفن قبالة سواحلهم لا تتطلب أسلحة متطورة.
و الحصار الذي رافق الكثير من الحرب الأخيرة (التي تعيش حالياً في هدنة هشة) ساعد الحوثيين أيضاً على تعزيز شبكات تهريب الأسلحة من إيران، بالإضافة إلى إنتاجهم المحلي للأسلحة.
ونتيجة لذلك، فإن الضربات الجوية وحدها من غير المرجح أن تؤدي إلى إعاقة قدرتهم العسكرية بشكلٍ كامل، بل أنها ستزيد من رغبتهم في القتال.
و ذلك لأنهم يمكنهم -لأول مرة- توجيه أفعالهم بشكلٍ أقوى في سياق مقاومة الولايات المتحدة وإسرائيل، وفقاً لشعارهم: "الله أكبر، الموت لأمريكا، الموت لإسرائيل، اللعنة على اليهود، النصر للإسلام". 2- إيجاد الحوثيون "شرعية شبه مشروعة" مع انتشار الاحتجاجات
السبب الثاني الذي يجعلهم غير مرغوب بهم هو أكثر أهمية، ولكنه أقل فهماً، لأنه يتعلق بالسياسة الداخلية في اليمن.
يسيطر الحوثيون حالياً على جزء كبير من اليمن، بما في ذلك العاصمة صنعاء، التي تُشكل حوالي 70٪ من السكان. وقد تعرّض الناس في هذه المناطق لسنوات من العنف الحاد والهيكلي من قبل الحوثيين. وتشمل هذه الاعتداءات:
• الاختفاء القسري للمُعارضين السياسيين والأقليات الدينية.
• القتل خارج النطاق القضائي للصحفيين وإعدام المدنيين، بما في ذلك القصّر.
• تجنيد أطفال الجنود.
• تأخير صرف رواتب القطاع العام منذ عام 2016.
• زرع الألغام في المناطق المأهولة وهجمات القناصة على المدنيين واستخدام الحصار كوسيلة للحرب.
• ابتزاز الشركات بشكلٍ منهجي وتنفيذ نظامٍ ضريبي يستند إلى الطبقية.
• تطبيق قواعد الولاية الذكورية على النساء.
• تسليح الغذاء والمياه، بما في ذلك تحويل المساعدات الغذائية لتحقيق الثراء الشخصي. و من المهم أن نلاحظ أن التحالف بقيادة السعودية والحكومة اليمنية المُعترف بها دولياً أيضاً يتعرضانِ لاتهاماتٍ بارتكاب جرائم حرب وانتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان في اليمن، بما في ذلك قصف المدنيين والبُنية التحتية المدنية بلا رحمة، حيث يُقدر أن ما لا يقل عن 150,000 شخص قد لقوا حتفهم بشكلٍ عنيف في الحرب التي بدأت في عام 2015، ولكن التحديات المتعلقة بجمع مثل هذه البيانات كبيرة. ولا يشمل ذلك الآلاف الأكثر الذين توفوا بسبب الجوع والأمراض التي يمكن تجنبها.
وما جعل الحوثيين غير محبوبين و لا مرغوب بهم، أسلوبهم في السلطة. لذا فإن الاحتجاج المُقام ضدهم خطير، و ذلك بسبب النظام المتطور للقمع والمراقبة الحيوية التي فرضها الحوثيون في المناطق التي يسيطرون عليها.
ومع ذلك، بدأ اليمنيون في الخروج إلى الشوارع احتجاجاً في العام الماضي في إب ومدينة تعز المحاصرة.
ثم في 26 سبتمبر/ أيلول -قبل هجوم حماس على جنوب إسرائيل وقصف إسرائيل لغزة- تحدى اليمنيون السلطات بأعدادٍ كبيرة.
و في احتجاجات في العاصمة صنعاء، احتفلوا بذكرى ثورة عام 1962 التي أطاحت بزعيم البلاد، الإمام الزيدي (محمد البدر)، ومعه الحُكم القائم على القرابة الذي يزعم العديد من اليمنيين أن الحوثيين يسعون لإعادته.
و باعتبارها مظاهرة ضدهم، هزت هذه الأحداث الحوثيين. و أفادت منظمة العفو الدولية بأنهم ردوا بـ "موجة مقلقة من الاعتقالات" و "عرض قوة قاسية".
و في ظل تصاعد الاحتجاجات داخل البلاد، منحت تصرفات الحوثيين وردود الفعل الغربية للمجموعة هدية "شبه شرعية"، وفقاً لمُحللين يمنيين. كما أن الضربات التي تقودها الولايات المتحدة تُعزز مصداقية مطالب الحوثيين بـ "إغلاق الأفواه" للنُقاد.
والأمر الأكثر أهمية أيضاً أن الضربات الأمريكية من الممكن أن تُعزز جهود الحوثيين في التجنيد العسكري، وهذا يمكن أن يُساعدهم في محاولة الاستيلاء مرة أخرى على آبار النفط التي تسيطر عليها الحكومة في مأرب، والتي يحتاجونها لتحقيق الاستدامة الاقتصادية. 3- تصاعد الغضب ضد الغرب في المنطقة بشكل عام
السبب الثالث الذي يجعل تراجع الحوثيون مُستبعداً بفعل الضربات الجوية أو التصنيف الإرهابي هو أن أعمالهم تُعبّر عن غضب المنطقة بأكملها تجاه الحرب الإسرائيلية في غزة، التي أسفرت حتى الآن عن مقتل 25,000 فلسطيني، وعقود من الدعم الغربي لسياسات إسرائيل في غزة المحتلة والضفة الغربية.
كما استغلوا الاستياء العميق من سياسات الغرب بشكلٍ عام وسجله في تعزيز الأنظمة غير المحبوبة في مواجهة الحركات الشعبية المنادية بالتغيير. ويشمل ذلك بيع الأسلحة ومنح الشرعية السياسية للأنظمة الاستبدادية مقابل ما يعتبره الغرب "استقراراً" في النظام العالمي.
و مع ذلك، يدرك اليمنيون تماماً أن صعود الحوثيين وتوسعهم تم تمكينهُ من خلال هذا التدخل الخارجي لتحقيق الاستقرار، الذي حدث على حساب قُدرة اليمنيين على تحديد حلول محلية لمشاكلهم الداخلية في البلاد.
و من خلال تجعيد الدفاع عن الفلسطينيين في أعمالهم، وجد الحوثيون وسيلة لإسقاط خصومهم المحليين، وهو شيء لم يتمكنوا من تحقيقه لفترة طويلة تصل إلى 20 عاماً. وهذا سيجعل من الصعب، وبشكلٍ كبير، إزاحتهم عن السلطة ومن المرجح أن يتعرض اليمنيون العاديون إلى المزيد من العنف على أيديهم.