بعدما استكملت الميليشيات الحوثية إنشاء كيانات موازية لمعظم مؤسسات الدولة خاصة الإيرادية منها، اتسعت المنافسة بين هيئة الأراضي التي يشرف عليها محمد علي الحوثي، عضو مجلس حكم الحوثيين، وهيئة الأوقاف التي يقودها عبد المجيد الحوثي، على مصادرة أراضي السكان في صنعاء.
التحركات الحوثية تهدف، بحسب مراقبين، إلى إحداث تغيير ديموغرافي في العاصمة صنعاء وضواحيها تحديداً، وخلق طبقة من الأثرياء الذين استقدموا من محافظة صعدة، المعقل الرئيسي للجماعة.
وفي هذا السياق، يواصل سكان حي عصر، في غرب صنعاء، مقاومة مسعى كيان الأوقاف إلى مصادرة أراضيهم ومزارعهم والمباني المقامة عليها، عن طريق إلزامهم بتحرير عقود إيجار يقرّون من خلالها أن هذه المساحة الشاسعة، ملك أحد الأئمة من أسلاف الحوثي والذي ظهر قبل نحو 700 عام، كواحد من الأئمة الذين كانوا يتصارعون على حكم أجزاء من شمال اليمن.
ورغم مرور نحو عام على تعثر مساعي أوقاف الحوثي لمصادرة حي عصر، أقدمت هيئة الأراضي على مصادرة مساحة شاسعة من الأرض في مديرية سنحان في جنوب العاصمة رغم أنها بحوزة ملاكها منذ 95 عاماً.
وجاءت هذه الخطوة بعدما وسّع محمد الحوثي من نفوذ هذه الهيئة في مصادرة الأراضي والمنازل داخل العاصمة بحجة أنها أملاك عامة، حيث استبق ذلك بتغيير كامل المسؤولين والفنيين في مصلحة السجل العقاري، والمئات من محرري عقود البيع والشراء؛ حتى يتمكن من إتمام السيطرة على قطاع الأراضي.
سيطرة بالقوة
وفق ما جاء في شكوى قُدمت إلى محكمة سنحان، فإن محمد الحوثي وجّه عمه عبد الكريم الحوثي، المعين وزيراً للداخلية في حكومة الانقلاب، بإرسال قوات لمنع الأسرة من تسوير الأرضية التي تملكها، في قرية بيت الحضرمي، وهو ما حدث، حيث تمت ملاحقة الملاك الأصليين وسجن بعضهم، لكن عندما أصدر القاضي في محكمة سنحان أمراً بمنع هيئة الأراضي والمساحة من القيام بأي استحداثات في الأرض إلى حين الفصل في الدعوى، رفض وزير داخلية الانقلاب تنفيذ الأمر واستمرت المصادرة.
الأسرة المنكوبة قدمت شكواها إلى مكتب النيابة العامة في مديرية سنحان لتجد أن رئيس النيابة شخص يدعى عبد الخالق الحوثي، وذكرت أنها فوجئت بقيام هيئة الأراضي بالاعتداء والاستحداث والتخريب في الأرض المملوكة للأسرة الكائنة في بيت الحضرمي في مديرية سنحان المسماة الحائط، بقصد الاستيلاء عليها من دون وجه حق أو سبب شرعي.
وبحسب مصادر قانونية في صنعاء تحدثت لـ«الشرق الأوسط»، فإن وزارة داخلية الميليشيات عندما وُجّهت الشكوى إليها من الملاك ضد هيئة الأراضي، ردت بأنها غير معنية، كما رفضت توجيه النيابة التي وقفت أيضاً عاجزة أمام ذلك؛ وهو ما دفع الملاك للتوجه إلى المحكمة، حيث قدموا دعوى مستعجلة لاسترداد حيازة ورفع الاعتداء، إلا أن رئيس المحكمة ووفق المصادر القانونية رفض الفصل في الطلب، وقال: إن على المدعي إن كانت الأرض ملكه فعلاً رفع دعوى برفع يد الغصب.
معارضة من الداخل
القيادي المعروف في جماعة الحوثي محمد المقالح وجّه نقداً حاداً لهيئة الأوقاف التابعة للجماعة، وقال: «إنها تسعى الآن، بعد استيلائها على أراضي المواطنين، للاستيلاء على المباني والمساحات التابعة للمؤسسات الحكومية»، متهماً الجماعة بتفكيك الدولة اليمنية.
وقال المقالح: إن هيئة الأوقاف تضرب السلم الاجتماعي وتعبث بكل ما استقرت عليه معاملات الناس وتثير الفتنة على مستوى الأسرة من دون أدنى شعور بالمسؤولية وكل ذلك «باسم الله وحقوق الله»، واصفاً ذلك بأنه أقبح أنواع النهب.
القيادي الحوثي وسّع انتقاداته إلى سلطة مجلس حكم الحوثيين في صنعاء ومعها وزارة التجارة في حكومة الانقلاب، واتهمها باستهداف شريحة محددة من التجار وإطلاق يد شريحة أخرى، وتساءل عن أسباب عدم تدخل هذه السلطة ومعها الوزارة في أسعار الوقود، وأسعار الكهرباء لأن الفارق الذي يتم جَنيه من ذلك فاحش ومهول، يسحق كاهل المواطن المنكوب بجشع السلطة وفاسديها، وفق تعبيره.
يشار إلى أن الحوثيين كانوا أقدموا قبل عام على مصادرة «مؤسسة اليتيم» وكل منشآتها وممتلكاتها في صنعاء وتحويل ملكيتها كياناً موازياً اسمه «مؤسسة الشهداء» بحجة أن أعضاء الهيئة الإدارية لـ«مؤسسة اليتيم» من أنصار الحكومة الشرعية.
وبعد ثلاثة أشهر أخرجت الجماعة الأيتام من مدرستهم، وحوّلتها مدرسة خاصة لتعليم أبناء الميسورين، ووزّعت الأيتام على المدارس العامة التي تفتقر للمعلمين الذين تركوا العمل بسبب قطع رواتبهم منذ ثمانية أعوام.