تتجه الحكومة اليمنية لتنفيذ حزمة جديدة من الإصلاحات التي تجريها في القطاع المالي والمصرفي وتفعيل الإجراءات التي تنفذها للتعامل مع المعضلة المزمنة التي يواجهها اليمن بالاضطراب المتواصل للعملة المحلية وانفلات سوق الصرف.
تأتي هذه المعضلة في طليعة العقبات التي تعرقل حصول اليمن على ما تحتاجه من تمويلات ودعم ومنح وقروض، ومنها الوديعة التي أعلنتها السعودية والإمارات في إبريل/ نيسان الماضي المقدرة بنحو 3 مليارات دولار، وتوفير احتياطي من النقد الأجنبي لتغطية احتياجات سوق الصرف وتغطية تكاليف الاستيراد التي أصبحت عبئاً كبيراً يواجه اليمن.
قفزة في الديون
وأعلن البنك المركزي اليمني في عدن، أخيراً، فتح الاكتتاب في أدوات الدين العام ابتداءً من أغسطس/ آب الحالي 2022، وتحديد نسبة العائد بين 18 و20%، بحيث يكون الاكتتاب نقداً ولا يسمح بأي اكتتاب من طريق تحريك أرصدة مجمدة كما ورد في قائمة الشروط التي حددها المركزي اليمني.
وحسب تقديرات تقارير رسمية اطلعت عليها "العربي الجديد"، فقد ترتب عن الحرب التي يشهدها اليمن منذ عام 2015، ارتفاع الدين العام الحكومي من حوالى 1.1 تريليون إلى 6 تريليونات ريال، ما يجعل الدين الحكومي يتجاوز حجم الإنتاج المحلي الإجمالي وعبء الدين العام وحجم الإيرادات (الدولار = نحو 1185 ريالاً).
وتؤكد الحكومة اليمنية أنها تلقت إشارات إيجابية من السعودية بشأن موعد التوقيع على الوديعة الجديدة والاتفاق على برنامج الإصلاح المرتبط بها مع صندوق النقد العربي في الأيام القليلة القادمة.
زيادة وتيرة الإصلاحات
وذكرت مصادر مصرفية في البنك المركزي اليمني في عدن، لـ"العربي الجديد"، أن هناك توجهاً لرفع وتيرة الإصلاحات المالية والمصرفية خلال الفترة القادمة، بحسب الخطط الحكومية المقرة لمعالجة الاختلالات في السوق المصرفية والموارد العامة والمنظومة المالية والمؤسسية، وذلك بمساعدة المانحين من الدول الصديقة والمنظمات الدولية كصندوق النقد والبنك الدوليين.
ويعتزم البنك المركزي العمل على إعادة هيكلة قطاع الرقابة على البنوك، ليواكب التطورات المتسارعة في القطاع المالي والمصرفي وإعادة تنظيم قطاع الصرافة وإنشاء الإدارة العامة لإدارة الاحتياطيات الخارجية، والإدارة العامة للاتصال والدعم الفني.
ويعتقد الباحث الاقتصادي عصام مقبل، في حديثه لـ"العربي الجديد، أن اشتراطات إتاحة استخدام الوديعة السعودية والإماراتية لا تتوقف عند حدود الجانب الاقتصادي وإصلاحات المنظومة المالية والمصرفية والاختلالات المؤسسية، بل لها جانب سياسي كذلك يظهر في التعيينات والتغيرات في الحكومة اليمنية التي شهدت قبل أيام قليلة تعديلاً حكومياً شمل وزارات سيادية واقتصادية، مثل النفط والكهرباء والطاقة والأشغال العامة.
وعقد مجلس القيادة الرئاسي في اليمن اجتماعات متواصلة منذ أيام يتركز جزء كبير منها على مناقشة أولويات الإصلاحات الاقتصادية الإدارية والمؤسسية والخدمية في البلاد.
لجنة للإيرادات السيادية
وتدرس الحكومة اليمنية مقترحاً لتشكيل لجنة عليا للإيرادات السيادية والمحلية، وأخرى لمشاريع التنمية والإعمار، المعنيتين باعتماد الرؤية الإرادية للدولة وتمكينها من إدارة جميع مواردها، والإشراف والمتابعة على استيعاب الدعم والمساعدات المخصصة لمشاريع التنمية والإعمار في البلاد.
يعتقد الباحث الاقتصادي عصام مقبل، في حديثه لـ"العربي الجديد، أن اشتراطات إتاحة استخدام الوديعة السعودية والإماراتية لا تتوقف عند حدود الجانب الاقتصادي
ويأتي ذلك بهدف إجراء مزيد من الإصلاحات الإدارية والمالية، والوفاء بالالتزامات المحلية والدولية، بما في ذلك تسريع استيعاب وتنفيذ حزمة المشروعات الممولة من المانحين.
ويشدد محللو مال واقتصاد على معاناة اليمن من مشاكل ومعضلات مزمنة ومستعصية على الحل، وعدم وجود بدائل علمية وواقعية سليمة، سواء لحل الدين العام أو استثمار الموارد المتاحة.
كذلك هناك إشكالية ليست فقط اقتصادية بل وسياسية واجتماعية في الوقت نفسه، وبالتالي حلها لا يكون بالقرارات السريعة والمستعجلة، حسب المحللين.
وفي هذا السياق، يرى المحلل الاقتصادي أحمد عبد الله، في حديثه لـ"العربي الجديد"، أن هناك ضرورة لحل إشكالية الموازنة العامة للدولة في اليمن، بحيث تكون قادرة على تمويل أكثر من 90% من النفقات الحكومية من مصادر وإيرادات ذاتية.
تذبذب سعر الصرف
ويعاني اليمن من تذبذب متواصل في سعر صرف العملة المحلية وأسعار المواد الغذائية الأساسية التي تمول الحكومة اليمنية تكاليف استيرادها منذ نهاية العام الماضي عبر نظام مزادات بيع العملة، إذ ترجع مصادر مصرفية حكومية هذه التذبذبات التي تحدث متأثرة بالضغوطات الكبيرة للنفقات العامة غير المخططة.
الخبير في العلوم المالية والمصرفية وائل غيلان، يفسر لـ"العربي الجديد"، أن العملة المحلية اليمنية لا تزال في المستويات غير الآمنة من التدهور بالرغم مما تمر به الأسواق اليمنية، وخصوصاً في مناطق الحكومة المعترف بها دولياً، من هدوء نسبي، لا استقرار، مع استمرار اضطراب سعر الصرف بالاضطراب والهبوط والصعود من يوم لآخر.
ويشير إلى أن هذا الأمر يمثل مصدر قلق للجهات الدولية المانحة، وما قد تسببه إتاحة أي تمويلات أو منح وودائع تحت تصرف الجهات المالية والمصرفية الرسمية، في ظل الوضع في اشتعال سوق الصرف وانفلات تهاوي العملة المحلية لمستويات تصعب السيطرة عليها.
وتسبب الصراع المتصاعد في اليمن الذي تركز منذ مطلع عام 2020، في الجانب الاقتصادي، بانقسام المؤسسات المالية والنقدية، وتجزئة العملة المحلية، عدا عن فوارق في سعر صرف العملات الأجنبية التي تتداول بسعرين مختلفين في كل من صنعاء وعدن، إذ تصل نسبة الفارق إلى حوالي 100%، ويبلغ نحو 1185 ريال للدولار السعر المتداول في عدن العاصمة المؤقتة للحكومة اليمنية، فيما يبلغ سعر الصرف في العاصمة اليمنية صنعاء الخاضعة لسيطرة الحوثيين نحو 565 ريالاً.
ومنذ بداية إبريل/ نيسلن 2015، توقف تصدير النفط الخام والغاز الطبيعي المسال (المصدر الرئيسي للإيرادات المالية في البلاد) باستثناء تصدير كميات محدودة من النفط الخام، ما ساهم بقوة في تقليص تدفق النقد الأجنبي إلى البلاد وتدهور العملة الوطنية.