مجددا، تعود حضرموت كبرى المحافظات اليمنية إلى واجهة المشهد عبر حراك يرفع مطالب تتعلق بتحسين الخدمات الأساسية في المحافظة النفطية وأخرى سياسية تتعلق بمسار التسوية السياسية الهادفة للخروج من حالة الحرب التي تعصف بالبلاد منذ عقد.
يقود هذا التصعيد، الذي يتزامن مع زيارة رئيس المجلس الرئاسي رشاد العليمي لمدينة المكلا منذ الـ23 من يوليو الماضي، حلف قبائل حضرموت الذي يتزعمه وكيل أول محافظة حضرموت عمرو بن حبريش، وهو أيضاً رئيس "مؤتمر حضرموت الجامع".
ففي تطور لافت بدأ حلف قبائل حضرموت، الجمعة الماضية، في نشر مسلحيه ونصب نقاط مسلحة في مناطق الإنتاج النفطي عقب انتهاء المهلة التي منحها للمجلس الرئاسي الأربعاء الماضي والمحدد بـ 48 ساعة لتلبية مطالبه.
مطالب متعددة
كان الحلف قد هدد في اجتماعه، الأربعاء الماضي، في هضبة حضرموت التي تتواجد فيها الحقول النفطية بالسيطرة على الأرض والثروة، وحذر من التصرف أو إعادة تصدير النفط المتوقف منذ نحو عامين حال عدم الاستجابة لمطالبه.
ويطالب الحلف بتخصيص شحنة النفط المخزنة في خزانات ميناء الضبة والمسيلة لإنشاء محطات كهربائية للمحافظة، فيما اقترح إمكانية تصدير الشحنات التالية بعد الاتفاق على نسبة للمحافظة، كما يشدد على ضرورة إشراك حضرموت ممثلة في "مؤتمر حضرموت الجامع" في التسوية الشاملة.
في الـ 13 من يوليو الماضي عقد مؤتمر حضرموت الجامع في المكلا اجتماعاً استثنائياً وخرج ببيان يمهل السلطات المحلية والمجلس الرئاسي 30 يوماً لمعالجة توقف العملية التعليمية بالمحافظة والكشف بشفافية عن إيرادات المحافظة وأوجه إنفاقها.
كما تضمنت المطالب تشكيل لجنة مشتركة مع السلطة يكون فيها المجتمع شريكًا أساسيًا لإدارة الموارد المالية لحضرموت وأولويات الإنفاق، إضافة إلى إنهاء حالة التفرد بالسلطة والعمل بالتوافق في اتخاذ كافة القرارات والإعلان عن رؤية تنفيذية مزمنة لإصلاح الكهرباء بعموم حضرموت.
يبدو أن هناك ثلاثة دوافع لهذا التصعيد التي يجري في المحافظة ذات الأهمية للأطراف المحلية والتحالف الذي تقوده السعودية والإمارات.
الأوضاع المعيشية وملف الخدمات
تعيش حضرموت أوضاعاً معيشية صعبة جراء تصاعد الأزمة الاقتصادية والتردي الواسع في الخدمات الذي لم تشهد مثيله وخاصة ملف الكهرباء إذ وصلت ساعات الانقطاع أكثر من 15 ساعة في اليوم وسط درجات حرارة تزيد عن الـ 40 درجة مئوية.
ورغم الوعود المتكررة من الرئاسة والحكومة في السنوات الأخيرة بإنشاء محطات لإنهاء هذه الأزمة إلا أن تلك الوعود ذهبت أدارج الرياح ولم تجد طريقها إلى التنفيذ رغم شحنات النفط التي كانت تصدر منذ 2016 بعد توقفها مع اندلاع الحرب 2015.
ولأول مرة في تاريخ حضرموت الحديث تتعثر العملية التعليمية جراء إضراب المعلمين المستمر منذ قرابة نصف عام في الكثير من المديريات الكبرى بالمحافظة وعجز السلطات عن وضع حلول ومعالجات رغم الإمكانات بالنظر إلى حجم الموارد.
وساهمت هذه الأوضاع في تنامي الغضب والسخط المجتمعي ضد السلطات المحلية والعليا، وتعطش المواطنين لتحركات حقيقة لإنهاء هذه الأوضاع الكارثية.
ومع تحركات حلف القبائل الأخيرة انقسم المجتمع بين مؤيد لها يراها في التوقيت المناسب، لكنه يشدد على ضرورة تحقيق المطالب الخدمية والابتعاد عن المصالح الشخصية للقيادات والمكونات، وآخرون يرونها لن تحقق شيئا وستؤول نتائجها كمحاولات التصعيد السابقة بالوعود الزائفة من الحكومة.
صراع السلطة وإنفاق الإيرادات
يحضر صراع السلطة والموارد بقوة في التصعيد الجاري في حضرموت، حيث كان "بن حبريش" في كلمة له الأربعاء الماضي يقول لقيادات الحلف إنكم ضحيتم خلال 11 عاما الماضية من أجل وطن وعيشة كريمة وتنمية وليس من أجل أن نستعيد حزب ليحكم.
حديث بن حبريش يأتي في الوقت الذي يرى أن قيادات حزب المؤتمر عادت لتتسنم المناصب المهمة في المحافظة، أبرزهم المحافظ مبخوت بن ماضي ووكيل المحافظة لشؤون مديريات الوادي وصحراء عامر العامري.
في السادس والعشرين من يوليو الماضي اتهم مؤتمر حضرموت الجامع السلطة المحلية بالتعسف ضد قياداته وإقالة بعضهم من المؤسسات الخدمية بدلا عن التعاطي الإيجابي من المطالب.
لم يقف الأمر عند هذا الحد فبعد يومين من وصول العليمي للمكلا، أصدر المؤتمر الجامع بلاغا صحفيا اتهم فيه المحافظ بن ماضي بالعبث بالموارد وعدم الإفصاح عن حجم الإيرادات المحلية والتفرد بالقرار وتنفيذ مشاريع (من بينها المرحلة الثانية من خور المكلا) عديمة الشفافية مدفوعة برؤية تفتقر للاحتياجات الحقيقية للمحافظة، حد قوله.
ويتصدر الإيرادات المحلية كميات الديزل المدعوم المقدم من شركة "بترو مسيلة" للسلطة حيث يقول مؤتمر حضرموت نقلاً عن مصادر إن الشركة تقدم يوميا مليون وثلاثمائة ألف لتر بأسعار متفاوتة بين 180 ريال للتر و500 ريال وتحصل السلطة على إيرادات كبيرة من فارق البيع.
مصادر حكومية تقول إن "بترو مسيلة" تعطي السلطة المحلية كمية ديزل يومية تصل بين مليون وستمائة ألف لتر – مليون وأربعمائة ألف لتر، يخصص منها ما بين 400 ألف لتر – 600 ألف لتر لمحطات الكهرباء وجزء للأجهزة العسكرية الأمنية والمسؤولين، فيما حدود 800 ألف لتر أو أكثر تقوم السلطات ببيعها في السوق المحلية بسعر 1200 ريال تجني منها مبالغ كبيرة بشكل يومي.
تصدير النفط
مع وصول العليمي لحضرموت عاد إلى السطح بقوة ملف إعادة تصدير النفط المتوقف منذ أكتوبر 2022 عقب هجمات الحوثيين على ميناء الضبة، حيث تزامنت زيارته مع اتفاق خفض التصعيد الاقتصادي والتراجع عن قرارات البنك المركزي.
كانت حضرموت قد منحت منذ 2016 عقب استئناف التصدير نسبة 20% من عائدات كل شحنة نفطية حيث تنتج الحقول النفطية بالمحافظة حالياً ما لا يزيد 60 ألف برميل يومياً.
يقول "بن حبريش" إنه لن يسمح بتصدير لتر واحد إلا بعد تخصيص الشحنة الحالية في الخزانات لمعالجة ملف الكهرباء ثم الاتفاق على نسبة محددة للمحافظة في الشحنات المستقبلية.
في ملف النفط يحضر الحوثيون الذين يطالبون بصرف مرتبات الموظفين في المناطق الخاضعة لهم من عائدات النفط، وفقا لخارطة الطريق التي توصلوا إليها مع السعودية بعد مفاوضات بوساطة عمانية.
نفى الحوثيون في الأيام الماضية التوصل لاتفاق لإعادة تصدير النفط وحذروا الحكومة والشركات من أي محاولات لتصدير دون تلبية اشتراطاتهم.
ملف التسوية السياسية
منذ اتفاق الرياض 2019 وتشكيل المجلس الرئاسي في أبريل 2022 تصاعدت دعوات المكونات البارزة في حضرموت بضرورة تمثيل المحافظة في مفاوضات التسوية لحل الأزمة، إلا أن تلك المطالب قوبلت بتجاهل.
مؤتمر حضرموت الذي تأسس بدعوة من حلف القبائل وبمشاركة مكونات سياسية واجتماعية في 2017 يقدم نفسه كممثل لحضرموت ويطالب بالحضور كشريك فاعل في التسوية القادمة، حيث أوصت مخرجات المؤتمر أن تكون حضرموت إقليماً مستقلاً بذاته وفق جغرافيتها المعروفة، ويتمتع بحقوقه السياسية السيادية كاملة غير منقوصة، بعيداً عن مختلف صنوف التبعية والانتقاص.
فيما تؤكد مرجعية قبائل حضرموت الذي يقودها عبد الله صالح الكثيري شيخ مشايخ آل كثير (عضو هيئة رئاسة مجلس حضرموت الوطني)، ضرورة إشراك الحضارم في التسوية النهائية، وتتمثل رؤيتها أن تكون حضرموت إقليما مستقلا بكامل الصلاحيات إن أرادت الأطراف اليمنية المتنازعة تقسيم اليمن لنظام الأقاليم، أو أن تكون حضرموت دولة مستقلة إن أرادت الأطراف اليمنية المتنازعة تجزئة اليمن إلى دولتين جنوبية وشمالية.
في المقابل أيضا يظهر المجلس الانتقالي الجنوبي وعدد من المكونات الموالية له بالمحافظة، حيث يدرك المجلس أهمية حضرموت في مشروعه لتحقيق الانفصال.
في يوليو 2021 شهدت المكلا إشهار مكون تحت مسمى كتلة حلف وجامع حضرموت من اجل حضرموت والجنوب في فعالية برعاية عيدروس الزبيدي رئيس الانتقالي، لكن مؤتمر حضرموت الجامع أصدر بعد الفعالية بأيام قرارا بإسقاط العضوية على بعض من أعضاء الهيئة العليا له من بينهم سالم بن سميدع رئيس الكتلة.
تعقد المشهد أكثر في حضرموت مع تصعيد المجلس الانتقالي ومحاولات لإخضاع المحافظة تحت سيطرته، حيث نقلت طائرتان سعوديتان قيادات المكونات الحضرمية في مايو 2023 بالتزامن مع زيارة رئيس الانتقالي عيدروس الزبيدي إلى المكلا.
وبعد مشاورات بين تلك الشخصيات القبلية والسياسية أُعلن في يونيو 2023 بالعاصمة السعودية الرياض عن مجلس حضرموت الوطني الذي يصف نفسه بأنه الحامل السياسي لقضية حضرموت.
في28 نوفمبر 2023 ومن الرياض أعلنت الهيئة التأسيسية لمجلس حضرموت تشكيل أعضاء هيئة رئاسة المجلس والتي تتكون من 23 عضوا من مكونات متنوعة ومن بينهم عمرو بن حبريش، الذي أعلن في اليوم التالي اعتذاره عن عضويته وتمسكه برئاسة الحلف ومؤتمر حضرموت الجامع الذي قال إنها تجعله يقف على مسافة من الجميع وبشكل مستقل.
في 29 من أكتوبر 2023 عقدت رئاسة حلف قبائل حضرموت بمدينة المكلا لقاء للوقوف أمام الأوضاع والمستجدات الراهنة وأصدرت بيانا شديد اللهجة حمل الإمارات كافة ما أسماها التجاوزات بحق حضرموت وأهلها، متهما إياها بدعم أجندة سياسية خاصة وفرضها على المجتمع الحضرمي بالمال وقوة السلاح.
مفترق طرق
لا شك أن حضرموت اليوم تقف أمام مفترق طرق بالنظر إلى الصراع عليها من الأطراف الخارجية وأدواتها في المحافظة لفرض مشروع معين.
المجلس الرئاسي ورئيسه الذي يزور حضرموت للمرة الثانية لا يزال يلتزم الصمت تجاه التطورات الأخيرة، واللافت غياب عضو مجلس القيادة والقيادي في المجلس الإنتقالي اللواء فرج البحسني للمرة الثانية عن مرافقة العليمي في زيارته للمكلا، فيما بادر أحمد سعيد بن بريك محافظ حضرموت الأسبق والقيادي في المجلس الإنتقالي لإعلان دعم مطالب حلف قبال حضرموت ربما سعياً من الإنتقالي لاستغلال هذا التصعيد وتغذيته.
بن حبريش كشف عن وصول وساطات إليه في الأيام الماضية قبل مغادرته المكلا إلا أنه رد عليها بضرورة الاستجابة للمطالب، كما أنه يدرك المخاطر التي تحدق بالمكونات التي يقودها ولعل ذلك يفسر تصعيده وحديثه أن الأمر يتطلب مواقف على الأرض لكي تذعن الأطراف المعنية.
ينفي بن حبريش وجود مطالب شخصية له من وراء التحركات الأخيرة التي قال إنها متأخرة وتأتي بعد عشر سنوات من المطالب والمناشدات والاجتماعات التي لم تلق استجابة.
حتى اللحظة تقف المكونات الأخرى بحضرموت في حالة صمت رسمي أمام ما يجري فيما بعضها يتحدث قيادات فيها عن تأييدهم لأي حراك يلبي مطالب المحافظة.
نائب رئيس مجلس النواب والقيادي في حزب الإصلاح محسن باصرة قال إن حقوق المحافظة المسلوبة منذ 1967م لن تعود من خلال الوعود غير الجادة وإنما تنزع باللحمة ونيسان الذوات، مؤكدا وقوفه إلى جانب الحقوق المشروعة، مشيرا إلى أنه لن يقبل ببيع الوهم لعودة الحقوق، ودعا لوقف هدر مال الشعب في مشاريع ليست ذات أولوية.
السيناريوهات المحتملة
المشهد ذاته.. يمكن أن تراوح الأوضاع مكانها دون تغيير حال تجاهل المجلس الرئاسي وداعميه، وعدم إقدام حلف القبائل على خطوات أكثر تصعيدا مع استمرار تعثر الوصول إلى اتفاق بين الحكومة والحوثيين على تصدير النفط.
بيد أن تجاهل الشرعية للمطالب سيضعف موقفها التفاوضي حول الملف الاقتصادي وملف تصدير النفط.
استجابة جزئية.. ربما يلجأ المجلس الرئاسي والحكومة إلى الاستجابة للمطالب الخدمية وتحقيق اختراق في تحسين الكهرباء وإنهاء إضراب المعلمين وإعطاء وعود بشأن حصة النفط حال تصديره كأن تثبت نسبة 20% مثل السابق، بينما ملف التسوية والتمثيل سيرجعه الرئاسي إلى ضرورة اتفاق المكونات الحضرمية وعدم حصر التمثيل في مكون.
قد يلحقه هذا السيناريو أيضا تغييرات في السلطة المحلية تستوعب المكونات الأخرى وتحدث نوعا من التوزان داخل المحافظة مع تنظيم آلية لإنفاق الإيرادات المحلية.
التصادم.. حال تجاهل الدولة للمطالب واللجوء لاستخدام القوة ضد تصعيد حلف القبائل على خلفية منعه تصدير النفط إلا أن هذا السيناريو قد يحمل مخاطر كبيرة للطرفين على المستوى القريب والمستقبل حيث أن الدولة بحاجة إلى الهدوء في مناطق الإنتاج التي ينحدر منها بن حبريش وقبيلته التي تعد من كبرى القبائل بالمحافظة.
قد تستغل أطراف محلية لا تحظى مشاريعها في حضرموت بالقبول الشعبي، الصراع في المحافظة لتقوية نفوذها وموقفها