كشفت مصادر حقوقية عن إصدار جماعة الحوثي أحكام إعدام بحق 18 من المختطفين السابقين لديها، واستمرارها في إجراءات محاكمة الصحفيين الأربعة، والجميع من المفرج عنهم بموجب صفقات تبادل محلية ودولية، في خطوة من شأنها إضعاف الثقة في عمليات الوساطة وعرقلة دور الأمم المتحدة ومبعوثها في محاولة حلحلة ملف المحتجزين شديد التعقيد.
وفي تصريح سابق قال رئيس الهيئة الوطنية للأسرى والمختطفين، رضوان مسعود، إن الجماعة أصدرت أحكام إعدام بحق 18 شخصاً بعد الإفراج عنهم بموجب صفقات تبادل محلية ودولية، موضحاً أن 6 منهم أطلقوا في صفقات محلية، و 12 في صفقات دولية، برعاية الأمم المتحدة والصليب الأحمر الدولي.
وخلال بحث في المعلومات الواردة تحصل المصدر أونلاين على أسماء الـ18 شخصاً الذين استهدفتهم هذه الأحكام، والذين اختاروا الانتقال للعيش في مناطق سيطرة الحكومة المعترف بها، ونقلوا بموجب عمليات التبادل إلى هناك، 6 منهم من صفقة 2020، ومثلهم من صفقة 2023.
وتمكنت وساطات قبلية ومحلية خلال السنوات الماضية من إطلاق المئات من المحتجزين على ذمة الصراع لدى مختلف الأطراف، فيما أفرج في صفقتي تبادل رعتهما الأمم المتحدة والصليب الأحمر، في عامي 2020 و 2023، أكثر من 1800 محتجز من الجانبين.
وفشلت خلال الفترة الماضية عدة جولات من المفاوضات بشأن الملف برعاية الأمم المتحدة، آخرها المنعقدة في مسقط بسلطنة عمان مطلع الشهر الجاري، فيما ما تزال آلاف الأسر تنتظر أبناءها المحتجزين منذ سنوات، وبعضهم مخفي بشكل قسري كما في حالة السياسي البارز محمد قحطان المختطف لدى الحوثيين منذ أكثر من 9 سنوات.
ويسأل الصليب الأحمر الدولي المفرج عنهم ضمن صفقات التبادل عن المكان الذي يودون الانتقال اليه خلال عملية الإفراج، بحسب عدد من المفرج عنهم، "لكن الجميع يختاروا الانتقال الى مناطق الحكومة خشية من نقض الجماعة لاتفاقاتها وإعادة اختطافهم، كما حدث مع المختطفين الـ18"، وفق أحد هؤلاء.
ووفق حقوقيين فإن الأحكام الحوثية تشكل خرقاً للاتفاقيات التي أفرج بموجبها عن المحتجزين، وغالبًا ما تشمل هذه الاتفاقيات وعوداً بعدم تعرض المفرج عنهم للملاحقة أو العقوبة، كما أن من شأنها عرقلة جهود السلام وإضعاف الثقة في عمليات الوساطة لا سيما تلك التي يرعاها مكتب مبعوث الأمم المتحدة.
ولم يرد مكتب المبعوث الأممي الى اليمن هانس جروندبرج على أسئلة المصدر أونلاين بالخصوص، حتى ساعة نشر هذا التقرير.
وفي السياق أكد المحامي اليمني خالد الريمي، أن "المحكمة الجزائية التي أصدرت الأحكام ليست شرعية، وقد ألغى مجلس القضاء اختصاصها وقرر نقلها (بتاريخ 20 أبريل 2018م) إلى مارب، إضافة إلى أن هذه المحاكمات عبارة عن مسرحيات هزلية لا تستند على أي قانون أو دليل أو وقائع على الأرض، ولذلك نرى أنها أصدرت أحكام إعدام حتى ضد أشخاص قد توفوا"، إلا أن هذه الأحكام بعد "الإفراج عنهم في صفقات تبادل توسطت فيها الأمم المتحدة والصليب الأحمر معناه أن هذه الميليشيا لا تحترم وعوداً واتفاقات ولا مواثيق، مع أي كان، سواءً كان محلياً أو خارجياً".
من جهته اعتبر رئيس منظمة (دي يمنت) للحقوق والتنمية فهد الوصابي "هذه الأحكام جريمة مستمرة بحق المختطفين المفرج عنهم، تضعهم تحت سيف المجرم الحوثي حتى وقد خرجوا من سجونه"، مضيفاً أن "هذه المحاكمات تعد إخلالاً وإهداراً وتحايلاً على اتفاقيات تبادل الأسرى، أفرغت الاتفاقيات من مضمونها حتى تلك المبرمة برعاية الأمم المتحدة، تخيل أنه مختطف يفرج عنه بتبادل وتستمر محاكمته ويحكم عليه بالإعدام!".
وقال الوصابي لـ"المصدر أونلاين" إن "هذا ليس عملاً عفوياً من الحوثي، وإنما جريمة تتم بسوء نية وقصد، أن يُبقي هؤلاء المختطفين المفرج عنهم تحت سيف البطش، ويضمن بهذه الأحكام أن لا يقفوا ضده، كما يضع أموالهم وأقاربهم وممتلكاتهم تحت رحمته"، وتابع: "أنت تعلم أنهم أحالوا ناس للمحاكم بهدف نهب الأموال".
وأكد الوصابي: "نحن نعلم أن هذه الأحكام منعدمة، لا قيمة قانونية لها، لأنها صادرة عن محكمة منعدمة الولاية القضائية، فهي والعدم سواء، لكن نحن نتكلم عن جماعة إجرامية لا يهمها مشروعية الأحكام وإنما تبحث عن مبررات لجرائمها".
وتابع: "الأمم المتحدة تتحمل المسؤولية الكاملة عن هذه الجرائم، هؤلاء لم يخرجوا بعفو من الحوثي، وإنما أطلق سراحهم بمقابل مقاتلين حوثيين"، داعياً الأمم المتحدة ومبعوثها إلى اليمن، إلى إلزام الميليشيا بتنفيذ اتفاقية التبادل فكراً ومضموناً وعدم التحايل عليها والتهرب من استحقاقاتها، وإلغاء هذه الأحكام التعسفية والتي تعد بمثابة جرائم خطيرة بحق المختطفين المفرج عنهم.
وفي سياق ذي صلة، تستمر ميليشيا الحوثي في إجراءات الاستئناف بحق محكومين بالإعدام أفرج عنهم في صفقات تبادل بعد صدور الأحكام الابتدائية، من بينهم الصحفيون الأربعة، عبدالخالق عمران، توفيق المنصوري، حارث حميد، أكرم الوليدي، والمفرج عنهم ضمن صفقة التبادل التي رعتها الأمم المتحدة في أبريل 2023.
وقال الصحفي المحرر عبدالخالق عمران، إن استمرار محاكمته وزملائه، من الصحفيين "تؤكد ما نقوله دائما بعدم جديتها في السلام والمفاوضات وبانها ميليشيات لا تحترم العقود والمواثيق والاتفاقيات والجهود الدبلوماسية والسياسية الرامية الى إحلال السلام وتسعى جاهدة إلى الإخلال بالاتفاقيات ونقضها".
وأضاف لـ"المصدر أونلاين": "لقد أصدرت المحاكم الحوثية فتاوى دينية أوامر قتل تحت مسمى "أحكام إعدام" ضدنا في إبريل 2020، وكان خروجنا من سجون ميليشيات الحوثي وفق اتفاقية تبادل الأسرى والمختطفين التي رعتها الامم المتحدة وجمدت وأوقفت هذه الأحكام".
لكن عودة المحاكمات بحسب الصحفي عمران، هي "رسالة واضحة أننا نحن الصحفيين الأربعة المفرج عنا لانزال في دائرة الاستهداف ومهددين بالقتل والتصفية خصوصاً وأن ما تسمى بأحكام الاعدام الحوثية هي فتاوى دينية مطلقة تستبيح أرواح الصحفيين وممتلكاتهم، ولا يقتصر تنفيذها على زمان ومكان محددين".
وتابع: "استمرار المحاكمات تجعل الصحفيين تحت الخوف والترهيب والضغط النفسي والشعور بعدم الأمان والاستقرار، لا يعيشون حياة طبيعية هم وأسرهم لأنهم عرضة للقتل والتصفية من قبل الميليشيات الحوثية الإجرامية. وهذا ما دفعنا الى المطالبة بحماية دولية لمعرفتنا بالسلوك الإجرامي لجماعة الحوثي التي لازلت تمعن في الأضرار بالصحفيين في سبيل تأبيد معاناتهم بعد أن عجزت عن قتلهم وتأبيد سجنهم في معتقلاتها".
ودعا عمران "الأمم المتحدة والمجتمع الدولي المنظمات الحقوقية الى ممارسة الضغط على ميليشيات الحوثي باحترام اتفاقيات التبادل وعدم الإخلال بها واستخدام المحاكم في تصفية الخصوم واستخدام الصحفيين كورقة ضغط وترهيبهم وقمع حريتهم والحد من حركتهم ونشاطهم وممارسة حقهم في الحياة".
وطالب "الحكومة الشرعية أن تعمل على أن يكون وقف محاكمات الأسرى والمختطفين والمحررين والمحاكمات السياسية من قبل الميليشيات الحوثية أحد البنود الرئيسية في أي جولات تفاوضية قادمة بينها وبين الميليشيات الحوثية، واستخدام مركزها القانوني وشرعيتها الدولية في ملاحقة ومحاكمة الحوثيين المتورطين في الجرائم والانتهاكات وعدم السماح لها بالإفلات من العقاب".
المصدر أونلاين