تعرضت انتصار للضرب المبرح واعتداء جسدي وحلق شعرها تماماً داخل السجن المركزي.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
“بنتي صغيرة.. خربوا حياتها”
يتحدث عبدالرحمن الحمادي، الشيخ المسن الضرير عن ابنته انتصار الحمادي التي يكاد يمر عامان على اعتقالها في سجون الحوثي في صنعاء.
في الفيديو الذي انتشر لوالد انتصار يظهر الرجل المسن متعباً بطيء الحركة وفي عينيه الكفيفتين قهر بالغ على ابنته الصغيرة، انتصار التي اعتقلت وتم التشهير بها لأنها لم ترضخ للموروث المجتمعي السلبي ضد نشاط النساء وحقوقهن.
لم تكن انتصار أكثر من شابة تحاول أن تحظى بحضور عام من خلال تسليط الضوء على التراث اليمني في بلد انتهكت ثقافته ودُمرت خصوصيته بسبب الحرب.
“اشتهي أكون من بنات اليمن اللي يعملوا ثياب اليمن… واكون مشهورة”، يقول والد انتصار عنها، مشيراً إلى شغفها بما تقوم به من عروض أزياء تراثية تحولت إلى سبب لإدانتها.
عارضة الأزياء اليمنية انتصار الحمادي
على رغم مرور أشهر طويلة على اعتقالها التعسفي لا تزال عائلة انتصار تأمل بأن تستعيد الشابة حريتها وتعود إلى عائلتها التي كانت هي معيلها الرئيسي، لكن لا حلول تلوح في الأفق والزمن يمر على شابة تذوي خلف الزنزانة بسبب تهم تتعلق بمظهرها وأسلوب حياتها.
وانتصار شابة في الـ21 من عمرها، بدأت العمل عارضة أزياء عام 2017 وقامت بجلسات تصوير لمصممين لمحليين، ثم نشرت صوراً منها على الإنترنت، وعام 2020 مثلت أول أدوارها الدرامية في مسلسلين عرضا في رمضان وكانا من أنجح المسلسلات المحلية. هذا الحضور جعل من انتصار محط أنظار ليتحول حضورها الجاذب الى تهمة ضدها بوصفها انتهكت “الآداب”!
اعتقلت انتصار في 20 شباط/ فبراير الماضي فيما كانت عائدة مع زميلتين من جلسة تصوير دون مذكرة، ثم أجبرتها سلطات الحوثيين على توقيع وثيقة وهي معصوبة العينين أثناء الاستجواب، وعرضت إطلاق سراحها إذا ساعدتهم في إيقاع أعدائهم بـ«الجنس والمخدرات». طلبت سلطات الحوثيين أيضاً أن تخضع الحمادي لـفحص العذرية والذي يعد شكلاً من أشكال العنف الجنسي ويرقى إلى التعذيب بموجب القانون الدولي، وهو ما رفضته الحمادي بحسب “هيومن رايتس ووتش”.
أقدمت الحمادي خلال اعتقالها على محاولة انتحار، وفق ما أفاد محاميها وجهات حقوقية، وقد تم إنقاذها في اللحظة الأخيرة، لكنها “كانت في حالة حرجة وذلك بسبب قرار إدارة السجن المركزي بنقلها إلى قسم الدعارة في السجن… أدى ذلك إلى تدهور شديد في حالتها النفسية”.
تعذيب وجور
في 9 تشرين الثاني/ نوفمبر 2021 أصدرت المحكمة بعد أكثر من 15 جلسة، حكماً بسجنها خمس سنوات بتهمة ارتكاب «فعل فاضح» في محاكمة وصفتها منظمات حقوقية بالجائرة. ولم تكن تتحلى بأدنى معايير النزاهة ما يتعارض مع القانون الدولي لحقوق الإنسان، الذي ينص على أن لجميع المتهمين الحق في محاكمة عادلة.
مرور الزمن لم يخفف من سوء معاملة انتصار، ففي 21 تموز/ يوليو 2022، نُقلت إلى حبس انفرادي في العاصمة صنعاء. وبحسب مصادر متابعة للتحقيق، فإن نقلها جاء عقب جلسة تعذيب مروعة في السجن المركزي بصنعاء، إذ تعرضت للضرب المبرح واعتداء جسدي وحلق شعرها تماماً داخل السجن المركزي.
الجديد في القضية هو اقتراب موعد النظر فيها لدى محكمة الاستئناف بحسب محامي انتصار خالد الكمال، “قدمنا طلباً بالعفو العام آملين بأن يتم الإفراج عنها قريباً”. يؤكد الكمال أنه بعد الشكوى التي قُدمت إلى وزير حقوق الإنسان في حكومة الحوثيين، تم إخراجها من الزنزانة الانفرادية.
فور اعتقال انتصار قبل عام تحولت قضيتها إلى قضية رأي عام إلا أن الزخم الحقوقي والإعلامي، لم يفلح في الضغط على جماعة الحوثي لإخلاء سبيلها، بل على العكس يرى محاميها أن حملات التضامن كانت السبب في تعنت الجماعة.
أفراد عائلة انتصار، بمن فيهم والدها الكفيف وشقيقها الذي يعاني من إعاقة جسدية، يعانون الكثير في غيابها، ويُمنعون من زيارتها ويتعرضون لضغوط نفسية واجتماعية بسبب التهم الأخلاقية المنسوبة إليها.
انتهاكات متزايدة
بحسب تقارير حقوقية، يعد اليمن من أصعب البلدان في العالم على النساء، والانتهاكات التي مارستها جماعة الحوثي ضد يمنيات في المناطق الواقعة تحت سيطرته تعد الأعلى، فخلال الفترة الممتدة بين عامي 2014 و2022، اعتقل الحوثيون 1714 امرأة يمنية، تعرض الكثير منهن للعنف أو الاعتداء في سجونهن.
المحاكم الخاضعة للحوثيين أصدرت 193 حكماً بحق نساء بتهم التجسس والانخراط في شبكات دعارة وشن “حرب ناعمة”، وهن يتعرضن للتعذيب الجسدي والضرب بالعصي والأسلاك الكهربائية والصعق الكهربائي والخنق والصفع والإهانة والاعتداء اللفظي، اعتمدت هذه الأساليب التعذيبية في بعض الحالات من أجل إجبار المعتقلات على الاعتراف بتهم لم يرتكبنها.
بدأ الأمر قبل سقوط العاصمة صنعاء تحت قبضة الحوثيون، إذ استحدثوا فرقة أمنية نسائية أطلقوا عليها اسم “زينبيات” في أيلول/ سبتمبر 2014 في مدينة صعدة اليمنية، تحت إدارة مدير إدارة البحث الجنائي في صنعاء “سلطان زابن”. ومسؤولياتهن تشمل تفتيش النساء والمنازل، فضلاً عن تلقين النساء أفكار الجماعة، وحفظ النظام في سجون النساء واعتقالهن، وتنفيذ عمليات التجسس والاعتداء على الناشطات المعارضات لجماعة الحوثي.
تضم الفرقة حالياً أربع مجموعات رئيسة، إضافة إلى بعض الأقسام التخصصية، التي تشرف عليها بعض زوجات وشقيقات قيادات حوثية في الصف الأول لجماعة الحوثي تلقين تدريباً عالياً في استخدام الأسلحة الخفيفة والمتوسطة، وقيادة السيارات والمركبات العسكرية.
ومع استمرار الانقسام السياسي في البلد، لا تزال الفئات المهمشة وتحديداً النساء عرضة لإجحاف مزمن وشديد التعقيد.