أخبار محلية

المتوسط الجديد.. غرق أحلام المهاجرين الأفارقة في الطريق إلى عُمان

المصدر
فيصل قاسم

تغرق قوارب مهترئة تحمل مهاجرين من شرق أفريقيا، أكثرهم من الإثيوبيين الحالمين بالعمل في سلطنة عمان، لذا يحاولون الوصول إليها بحراً عبر جيبوتي ومن ثم إلى اليمن وصولاً إلى هدفهم الذي يحول بينهم وبينه الموت أو الترحيل.

على متن قارب مهترئ، زاحم تسفاي جيتاشو 69 راكبًا، رغم أن سعة القارب لا تتجاوز عشرين شخصًا. "ليس الأمر بيدنا"، يقول الشاب الإثيوبي الذي بدأ رحلته من قريته أورميتي، جنوب إثيوبيا، مطلع عام 2024، مرورًا ببلدة ميتي، شرق البلاد، ثم صحراء العفر (داناكيل) الواقعة بين إثيوبيا وإريتريا وجيبوتي، وصولا إلى مدينة علي صبيح، جنوب جيبوتي. هناك، انطلق عبر البحر الأحمر من ساحل خليج تاجورة، متجهًا إلى ساحل رأس العارة في محافظة لحج اليمنية، في رحلة شاقة استمرت يومين، كادت أن تنتهي بالغرق مع كل موجة عاتية يشبهها جيتاشو بـ"الأفعى الملتوية".

"نعم، نجونا، لكن شخصًا مات اختناقا بسبب نوبة ربو، بينما فقد خمسة آخرون وعيهم من حرارة الشمس"، يروي جيتاشو الذي واصل طريقه إلى عدن، ثم تنقل بين عدة محافظات يمنية حتى وصل إلى المهرة على الحدود مع عُمان، بعدما كلفته الرحلة ثمن قطعة الأرض الوحيدة التي كان يملكها في قريته القاحلة، تاركًا وراءه والدته العجوز وزوجته وابنته، أملاً في العثور على عمل في عُمان. لكن حلمه تحطم فور وصوله، إذ اعتُقل بعد ساعات فقط من دخوله البلاد.

المأساة لم تتوقف عند هذا الحد، إذ فقَد جيتاشو شقيقه الأصغر كيبيدي، الذي كان يصفه بـ"صاحب القلب الكبير، المبتسم حتى في أصعب اللحظات"، أثناء تنقلهما بين محافظات اليمن. "سقط من السيارة التي كانت تقلنا بين الضالع والبيضاء أثناء مطاردة الشرطة للمهربين"، يتذكر جيتاشو ويتابع بصوت مرتجف: "انزلقت قدمه، فصرختُ طالبًا من السائق التوقف، لكنه رفض قائلًا: 'إذا توقفتُ، سنموت جميعًا'. اختفى أخي بين الغبار... ومنذ ذلك اليوم قلبي يحترق عليه".

طرق الوصول إلى سلطنة عمان

تنطلق زوارق المهاجرين الأفارقة من مدينة بوصاصو في بونتلاند، شمال شرقي الصومال، ومن خليج تاجورة في جيبوتي، متجهةً نحو السواحل اليمنية في لحج والمخا على البحر الأحمر وشبوة وأبين المواجهة للبحر العربي، ثم إلى مديرية شحن، أقصى شرق اليمن، الخاضعة لسلطة الحكومة الشرعية. ووفقًا لشهادات تسعة مهاجرين أفارقة وثّقها التحقيق، وبيانات المنظمة الدولية للهجرة فإن أعداد الوافدين إلى اليمن شهدت ارتفاعًا ملحوظًا، إذ قدّرت المنظمة عددهم بـ 97 ألف مهاجر خلال عام 2023، بزيادة 20 ألفًا عن عام 2022، وفق إحصاءات مصفوفة تتبّع النزوح الصادرة عن المنظمة.

وتواجه هذه الموجة البشرية مخاطر جسيمة تهدد حياتها في كل مرحلة من الرحلة. وبمجرد وصول المهاجرين الأفارقة إلى الأراضي اليمنية، يجدون أنفسهم أمام مسارين رئيسيين، كلاهما شاق وخطير، الأول من ساحل رأس العارة، ثم إلى عدن ومنها إلى الضالع، ثم الانتقال منها إلى البيضاء، ومنها إلى محافظة مأرب (تتقاسم الحكومة الشرعية السيطرة عليها مع الحوثيين)، وصولا إلى منطقة صرفيت بمحافظة المهرة، فيما يبدأ المسار الثاني من منطقة واحجة بمدينة المخا الساحلية في محافظة تعز، جنوب غربي اليمن، ثم الاتجاه إلى مدينة الحديدة، غربي البلاد، ثم مدن صنعاء وذمار والبيضاء الخاضعة لسلطة الحوثي، ثم محافظة مأرب وصولا إلى صرفيت الحدودية مع السلطنة، بحسب ما جاء في الإفادات.

يعلق جيتاشو على ماسبق بأن المهربين لم يمهلوهم الكثير من الوقت بعد أول نقطة يمنية وصلوها، متابعا: "قسَّمونا إلى مجموعات صغيرة، كل مهرب يأخذ معه عددًا من الأشخاص حسب الوجهة. كنا 14 شخصًا متجهين إلى عُمان، فبدأنا رحلتنا إلى عدن، ثم إلى الضالع عبر سيارات أشبه بـ"قبور متحركة" تسير في الظلام. وعند وصولنا، أخفونا داخل حوش مخصص للبهائم". واصل جيتاشو رحلته من الضالع باتجاه مدينة رداع بمحافظة البيضاء، ثم مأرب، ومنها إلى منفذ مديرية شحن التابع لمحافظة المهرة، وصولا إلى ولاية رخيوت في محافظة ظفار، أقصى جنوبي عمان.

ما سبق من تفاصيل تؤكده المنظمة الدولية للهجرة، وتقرير أمني عن وقائع تهريب المهاجرين الإثيوبيين غير الشرعيين من محافظات يمنية إلى محافظة المهرة ومن ثم إلى سلطنة عمان، صادر عن إدارة أمن مديرية شحن في 23 يونيو/ حزيران 2024، حصل "العربي الجديد" على نسخة منه، مؤكدا أن مجاميع المهاجرين يسافرون من إثيوبيا إلى جيبوتي، ثم يجري ترتيب تهريبهم بواسطة لنشات (قوارب) بحرية إلى اليمن، وبالأخص إلى سواحل محافظتي شبوة وعدن المطلتين على البحر العربي، وتتم هذه العملية عبر شبكة مهربين وسماسرة يعملون في جيبوتي وإثيوبيا. وبعد وصول المهاجرين إلى الأراضي اليمنية بحرا ينتقلون مشيا على الأقدام أو عبر السيارات إلى عدن، ومن ثم يستقلون سيارات في فرزة (موقف سيارات) عدن ومنها إلى مديرية رداع بمحافظة البيضاء. هناك يستقبلهم دلال (مهرب أو سمسار)، أحدهم يدعى خالد، وهو إثيوبي الجنسية، وآخرون غيره، يعملون بالتنسيق مع شبكة تهريب إلى محافظة مأرب، ثم بالتنسيق مع شبكة تهريب من الإثيوبيين تستقبلهم في محافظة المهرة لغرض إبقائهم في مديرية شحن.