يوم أمس الإثنبن الموافق السابع من يوليو/تموز 2025، لم تحلّ ذكرى عادية، بل موعد مع جرح غائر في ذاكرة اليمنيين لم يندمل بعد. عشر سنوات مرت على مأساة "العبر"، تلك الحادثة التي لم تكن مجرد غارة جوية خاطئة، بل مثّلت، كما يصفها الكثيرون، "أول طعنة في خاصرة الجيش الوطني". كانت جرحاً تأسيسياً لن تتعافى منه علاقة الجيش اليمني بحلفائه المفترضين بشكل كامل، ولحظة فارقة كشفت عن التعقيدات القاتلة التي حكمت مسار الحرب.
في قلب هذه المأساة يقف رجلٌ لم يكن مجرد ضحية، بل كان تجسيداً لفكرة: فكرة يمن جمهوري، ذي سيادة، وعصيّ على التبعية. اللواء أحمد يحيى الأبارة، الذي كان كهلاً في عمره ولكن ثورياً في عنفوانه، يمثل الأب الروحي للمقاومة. لم يكن قائداً عسكرياً فحسب، بل كان مشروعاً وطنياً بحد ذاته.
يطرح هذا التقرير، في الذكرى العاشرة لاستشهاده، السؤال المركزي الذي لا يزال يتردد صداه في وديان اليمن وجباله: لماذا قُتل الرجل الذي أسس نواة المقاومة الوطنية ضد الانقلاب الحوثي، ليس على يد أعدائه، بل على يد الحلفاء الذين جاؤوا لدعم قضيته؟ لقد شكلت حادثة استهدافه "منعطفاً في مسار العلاقة بين التحالف والشرعية"، وهي تفتح الباب على مصراعيه لتحليل استقصائي يكشف حقيقة ما جرى في ذلك اليوم المشؤوم.
إن حادثة العبر لم تكن حادثاً معزولاً، بل كانت حدثاً أرست من خلاله سابقة خطيرة. فالأدلة تشير إلى أن التحالف "كرر استهداف معسكرات وقوات الجيش الوطني" في جبهات متعددة كمأرب ونهم وشبوة وغيرها. هذا النمط المتكرر يحوّل مأساة العبر من فاجعة فردية إلى حلقة أولى في سياسة ممنهجة. لقد كانت بمثابة المخطط الأولي لكيفية إدارة التحالف، وفي بعض الأحيان تقويضه، للجيش اليمني بما يتناسب مع أهدافه الاستراتيجية الخاصة. ولكي نفهم العقد اللاحق من الحرب، بكل تعقيداته وخياناته، لا بد أولاً من فهم السابقة التي أرستها غارة السابع من يوليو/تموز 2015.
الجزء الأول: الرفض - وقفة جمهوري في وجه الثيوقراطية
رجلٌ صُقل في جبال ريمة
لفهم عمق الموقف الذي اتخذه اللواء أحمد يحيى الأبارة، لا بد من العودة إلى جذوره. وُلد الأبارة في 26 مايو/أيار 1952 في قرية الحرف، بعزلة الأبارة في محافظة ريمة، وهي منطقة معروفة بوعورة تضاريسها وصلابة رجالها. نشأ في بيئة ريفية، وبدأ حياته عاملاً في الزراعة قبل أن يلتحق بالسلك العسكري. هذه الجذور الضاربة في عمق التراب اليمني هي التي شكلت وعيه الوطني وجعلته مرتبطاً بقضايا الأرض والإنسان، بعيداً عن الأيديولوجيات العابرة للحدود التي سيقضي حياته في مواجهتها. لم يكن مجرد قائد عسكري، بل كان شخصية اجتماعية تحظى بقبول واسع ورجل توازنات داخل المؤسسة العسكرية، يجمع بين الخبرة القتالية والإرث النضالي.الركيزة الأيديولوجية: معارضٌ مدى الحياة
لم تكن معارضة الأبارة للانقلاب الحوثي وليدة لحظتها، بل كانت التعبير الأخير عن مسيرة حياة كاملة من الرفض المبدئي للاستبداد بكل أشكاله. يكشف تاريخه عن نمط ثابت من المواقف المبدئية التي لم تحد عنها بوصلته قط:
-
معارضة نظام صالح: في مطلع الثمانينيات، قاد الجبهة الوطنية في محافظة ريمة ضد نظام الرئيس السابق علي عبد الله صالح، في وقت كان فيه صالح يحكم قبضته على السلطة. كان من أوائل من عارضوا تولي صالح الرئاسة عام 1978 وظل مقاتلاً ضد نظامه لأكثر من خمس سنوات.
-
الانتماء الاشتراكي: كان عضواً بارزاً في الحزب الاشتراكي اليمني، وتولى منصب سكرتير ثاني لمنظمة الحزب في محافظته، وهو ما يؤكد على خلفيته الفكرية التقدمية والجمهورية التي تتناقض جذرياً مع الفكر الإمامي الكهنوتي.
-
موقفه من حرب 1994: خلال حرب الانفصال المدمرة عام 1994، وقف الأبارة على الحياد رافضاً المشاركة في المعارك. كان يرى أن خيار الانفصال جاء نتيجة تراكمات سببها نظام صالح الذي سعى للاستحواذ على خيرات الجنوب، رافضاً أن يكون أداة في صراع اعتبره مفتعلاً لخدمة مصالح النظام.
-
ثورة 2011: كان موقفه الأبرز في ثورة الشباب السلمية عام 2011، حيث كان من أوائل من خرجوا للمطالبة برحيل صالح. بل إنه كان أول عضو قيادي في مجلس محلي على مستوى اليمن يقدم استقالته ويعلن انضمامه للثورة، مؤسساً لعدد من الكيانات الثورية ومشاركاً بفعالية في ندواتها، مركزاً على ضرورة إصلاح مسار الثورة والجمهورية.
إن سيرة الأبارة تكشف عن شخصية لا يمكنها القبول بأي شكل من أشكال التبعية أو الخضوع، سواء لديكتاتور محلي، أو ميليشيا ثيوقراطية، أو قوة خارجية. تاريخه هو سلسلة متصلة من الرفض: رفض استبداد صالح، ورفض منطق حرب 1994 الانقسامي، ورفض الانقلاب الحوثي. هذه الاستقلالية المتجذرة، التي صُقلت على مدى عقود، جعلت صدامه الحتمي مع تحالف يسعى إلى وكلاء مطيعين بدلاً من شركاء ذوي سيادة، ليس مجرد احتمال، بل ضرورة لا مفر منها. كانت مواقفه السابقة مؤشراً موثوقاً على رفضه المستقبلي الرضوخ لأجندة التحالف، وهو ما ختم مصيره في نهاية المطاف.
الموقف الأخير (سبتمبر 2014)
تُوّجت مسيرة الأبارة النضالية بموقفه التاريخي بعد انقلاب الحوثيين وسيطرتهم على العاصمة صنعاء في 21 سبتمبر 2014. كان أول ضابط رفيع يغادر صنعاء، رافضاً أن يرى عاصمة بلاده تسقط تحت سيطرة جماعة "عنصرية سلالية كهنوتية"، كما وصفها الكثير من الجمهوريين. لم يكن قراره رد فعل عابر، بل كان النتيجة المنطقية لمبادئ حياته كلها. غادر صنعاء "بدافع وطني، وبجهود وإمكانيات ذاتية خالصة"، متجهاً نحو المجهول، لكن بعزيمة صلبة على تأسيس مقاومة تعيد للجمهورية اعتبارها.
الجزء الثاني: تشكيل جيش من رحم التحدي - نواة العبر
من صنعاء إلى رمال العبر
كانت رحلة اللواء الأبارة من العاصمة السليبة إلى صحراء حضرموت المترامية الأطراف رحلة تأسيس وميلاد. بعد مغادرته صنعاء، اتجه أولاً إلى مأرب، ثم إلى منطقة العبر النائية في محافظة حضرموت. لم يكن اختيار العبر عشوائياً، بل كان قراراً استراتيجياً مدروساً. فالمنطقة كانت آمنة نسبياً وبعيدة عن متناول الحوثيين، كما أنها تقع على مقربة من الحدود السعودية، مما يجعلها قاعدة مثالية لتجميع القوات وتلقي الدعم اللوجستي بعيداً عن سيطرة الانقلابيين. في تلك الصحراء القاحلة، بدأ الأبارة المهمة الأصعب: بناء جيش من لا شيء.
مهندس الجيش الوطني
لم يكن اللواء الأبارة مجرد مساهم في تأسيس الجيش، بل كان العقل المدبر والمحرك الأساسي لهذه العملية. تصفه المصادر بأنه "صاحب فكرة تأسيس وإنشاء الجيش الوطني" و"مؤسس اللبنات الأولى لتشكيله". لقد تجاوز دوره مجرد القيادة ليشمل الهندسة الكاملة للمشروع الوليد. وتكشف التفاصيل عن قيادته العملية والميدانية:
-
التخطيط والإشراف: أشرف بنفسه على "خطة الاستدعاء والاستقبال والتدريب"، واضعاً الأسس لجيش محترف ومنضبط.
-
مركزية التجنيد: أسس "بوابة موحدة" لاستقبال المتطوعين، مما ضمن عملية تجنيد مركزية ومنظمة، بعيداً عن العشوائية والولاءات الشخصية التي ستستشري لاحقاً.
-
حشد المقاتلين: نجح في جمع كوكبة من "ضباط اليمن الشرفاء" الذين رفضوا الانقلاب، وحشد آلاف المتطوعين، خصوصاً من أبناء محافظته ريمة، الذين توافدوا إلى العبر تلبية لنداء الواجب، مفعمين بـ"الحماس والوطنية العالية".
إن الدليل الأكثر إقناعاً على الدور المحوري الذي لعبه الأبارة هو الفوضى العارمة التي أعقبت استشهاده. تقدم المصادر صورة صارخة للمقارنة بين ما قبل ومابعد غيابه. قبل استشهاده، كانت هناك "بوابة موحدة" للتجنيد، وخطة واضحة، وعملية منضبطة تحت قيادته. أما بعد استشهاده، فقد "أُغلقت البوابة"، وسادت "الفوضى والعشوائية". تحولت عملية بناء الجيش إلى "ممالك خاصة" و"حظائر خاصة" لكل قائد، حيث كانت الألوية تتشكل في ليلة وتتلاشى في الليلة التالية. هذا الارتباط المباشر بين السبب والنتيجة يوضح أن الهدف لم يكن فقط اغتيال الأبارة الرجل، بل اغتيال النظام الذي كان يبنيه: نظام جيش وطني موحد، محترف، وغير حزبي. إن التشرذم اللاحق خدم مصالح أي قوة تفضل يمناً مكوناً من ميليشيات ضعيفة يمكن السيطرة عليها، بدلاً من دولة تمتلك جيشاً قوياً ذا سيادة. ما حدث بعد مقتله يؤكد الدافع المزعوم للجريمة.
روح القوة الوليدة
كان اللواء 23 ميكا، الذي تشكل في العبر، أكثر من مجرد تجمع عسكري. لقد كان يحمل روحاً وعقيدة قتالية واضحة، صاغها مؤسسه. كانت هذه القوة مبنية على هدف واحد ووحيد: "تخليص اليمن من الإمامة والفساد". كان جيشاً ذا عقيدة جمهورية وطنية خالصة، تتناقض مع المشاريع الصغيرة والطائفية. ولم يكن هذا الجيش مجرد فكرة، بل كان يمتلك خطة استراتيجية واضحة، تشمل حماية المنشآت الحيوية مثل حقول النفط والغاز، والاستعداد للتقدم نحو العاصمة صنعاء عبر ذمار. لقد كان مشروعاً وطنياً متكاملاً، جاهزاً للانطلاق.
الجزء الثالث: شراكة غير متكافئة - السيادة مقابل التبعية
لقاء العقول وصدام الأجندات
في الأسابيع التي سبقت استشهاده، وصل التوتر بين مشروع الأبارة الوطني وأجندة التحالف الإقليمية إلى ذروته. كان اللقاء الذي جمعه بضباط من التحالف، حُددوا في المصادر بأنهم سعوديون وإماراتيون، بمثابة نقطة اللاعودة. في هذا الاجتماع، لم يتصرف الأبارة كقائد ميداني ينتظر الأوامر، بل كشريك استراتيجي.
-
عرض رؤيته وتصوره الخاص لتطوير الجيش اليمني وبناء مؤسسة عسكرية وطنية قوية.
-
كان الاجتماع متوتراً، وشهد "تلاسناً وخلافات" حادة بين الطرفين، مما كشف عن الهوة السحيقة بين رؤية الأبارة السيادية ورغبة التحالف في الهيمنة.
-
طُلب منه تقديم خطته بشكل مفصل ومكتوب، وهو ما فعله، ليفاجأ بعد أسبوع واحد فقط بقصف معسكره.
إن توقيت الاغتيال، بعد أسبوع واحد فقط من تقديمه رؤيته الاستراتيجية المستقلة للتحالف، لا يمكن أن يكون من قبيل الصدفة. تشكل سلسلة الأحداث، كما وردت في المصادر، سلسلة سببية واضحة: أولاً، يؤكد الأبارة على استقلاليته الاستراتيجية في اجتماع رسمي. ثانياً، يخلق هذا الموقف خلافاً وتوتراً. ثالثاً، يُطلب منه تقديم خطته المكتوبة، مما يجبره على توثيق نواياه السيادية. رابعاً، في غضون أسبوع، يتم التخلص منه. من المرجح أن هذا الاجتماع كان بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعير، حيث أكد للتحالف أن الأبارة شريك مستقل التفكير لا يمكن السيطرة عليه، وليس وكيلاً طيعاً. لقد كان إعلانه عن استراتيجية يمنية مستقلة، في حقيقة الأمر، بمثابة توقيع على مذكرة إعدامه.
الأهداف الحقيقية للتحالف
في مقابل مشروع الأبارة الوطني، تكشف التحليلات عن أجندة مختلفة للتحالف. يجادل محللون بأن تدخل التحالف كان مدفوعاً بـ"مخطط جغرافي للاستيلاء على مناطق استراتيجية في اليمن" وبهدف "إدامة هذه الحرب حتى تصبح حرباً منسية"، ومنع انتصار أي طرف بشكل حاسم. كان الهدف هو إضعاف أي قوة "لم تكن تدين بالولاء الكامل لأطراف إقليمية". وبشكل خاص، يُعتقد أن الإمارات كانت ترى القوات المتجمعة في العبر محسوبة على ثورات الربيع العربي وثورة فبراير 2011 في اليمن، وبالتالي تعتبرها تياراً سياسياً غير مرغوب فيه ويجب التخلص منه. لقد كان الصدام بين المشروعين حتمياً: مشروع بناء دولة وجيش وطني، ومشروع إدارة أزمة وإدامة نفوذ عبر وكلاء.
الجزء الرابع: العشرون من رمضان - تشريح الخيانة
يمثل هذا الجزء جوهر التحقيق في هذه القضية، حيث يتم تفكيك الغارة الجوية والروايات المتضاربة التي حيكت حولها بشكل منهجي.
الهجوم
في مساء السابع من يوليو/تموز 2015، الموافق للعشرين من رمضان، وبينما كان الجنود والضباط في معسكر اللواء 23 ميكا بالعبر يستعدون لتناول طعام الإفطار، دوى صوت انفجارات عنيفة. لم تكن ضربة عشوائية، بل كانت عملية عسكرية دقيقة ومحسوبة.
-
التوقيت والأسلوب: شنت طائرات التحالف ثلاث غارات جوية متتالية ومتعمدة. كان اختيار التوقيت، لحظة تجمع الجنود للإفطار، يهدف إلى إيقاع أكبر عدد ممكن من الضحايا.
-
الأهداف الاستراتيجية: لم تستهدف الغارات أطراف المعسكر، بل ضربت نقاطاً حيوية بدقة متناهية: المركز المتقدم لوزارة الدفاع، وكتيبة التسليح، وكتيبة المجندين الجدد. هذه الدقة في استهداف مراكز القيادة والتسليح تقوض تماماً فرضية "الخطأ".
-
الكلفة البشرية: كانت الخسائر فادحة. تضاربت الأرقام الأولية، لكنها تراوحت بين مقتل وإصابة "ما لا يقل عن 60 جندياً وضابطاً"، و"قرابة السبعين"، و"أكثر من 80 ضابطاً متمرساً"، وصولاً إلى "100 قتيل"، وحتى أكثر من "300" ضحية بين قتيل وجريح. وبغض النظر عن الرقم الدقيق، كانت الفاجعة تكمن في استهداف نخبة القيادة التي شكلت عصب الجيش الوليد، وعلى رأسهم اللواء الأبارة نفسه.
الجزء الخامس: التفكك - تحقيق صامت وجيش ممزق
قضية أُغلقت قبل أن تُفتح
كانت فصول ما بعد الجريمة لا تقل مأساوية عن الجريمة نفسها، حيث كشفت عن فشل تام في تحقيق العدالة، أو بالأحرى، عن غياب إرادة تحقيقها.
-
أصدرت وزارة الدفاع اليمنية والتحالف بيانات رسمية وعدت فيها بإجراء تحقيق كامل وشفاف.
-
بعد مرور عشر سنوات، لا تزال هذه الوعود "حبراً على ورق". ملف القضية "مغيب" تماماً، وما زالت أسر الضحايا تطالب بإجابات.
-
يصرح مسؤولون رفيعو المستوى، مثل اللواء محسن خصروف، بأنه لا يمكن إجراء تحقيق حقيقي لأن "الجاني لا يمكن أن يحقق مع نفسه في جريمة ارتكبها هو".
حكومة بلا سلطة
يكشف هذا الملف عن عمق أزمة الشرعية اليمنية وعجزها. لم تكن الحكومة قادرة على فرض تحقيق جاد لأن "قرارها ليس بيدها". فالاعتماد الكامل على التحالف من أجل البقاء، بما في ذلك دفع الرواتب، جعلها في موقف لا تحسد عليه، حيث لا تستطيع محاسبة داعميها حتى في قضية بحجم اغتيال أبرز قادتها العسكريين.
إن غياب التحقيق ليس مجرد فشل في تحقيق العدالة، بل هو تأكيد ناجح للسلطة والهيمنة. كانت الرسالة واضحة وقاسية: "شريك" (التحالف) يقتل أبرز جنرالات الحكومة "الحليفة"، والحكومة تعد بتحقيق لكنها عاجزة عن تنفيذه لأن قرارها ليس ملكها. يتم دفن الملف، وتتحول القضية إلى تذكير دائم لجميع القادة اليمنيين الآخرين بأن هناك خطوطاً حمراء، وأن المطالبة بالسيادة الحقيقية هي إحدى هذه الخطوط. إن التحقيق الذي تم إسكاته هو أداة دائمة لتأكيد الطبيعة الهرمية لـ"الشراكة" وضمان استمرار الامتثال من قبل الأطراف اليمنية.
الظل الطويل للعبر
امتدت تداعيات اغتيال الأبارة لتلقي بظلالها القاتمة على مسار الحرب بأكمله.
-
كانت هذه الجريمة هي "باكورة جرائم طيران التحالف بحق قوات الجيش الوطني"، وفتحت الباب أمام سلسلة من الضربات المماثلة.
-
أدت مباشرة إلى "الفوضى والعشوائية" في تشكيل الجيش، حيث تم استبدال مشروع الأبارة الموحد بمشهد مجزأ من الميليشيات الموالية لأشخاص ومناطق وممولين، بدلاً من الولاء للدولة. لقد تمزق الحلم الذي بدأ في العبر على صخرة الخيانة.
خاتمة: الرمزية الخالدة للواء الأبارة
في نهاية المطاف، يجب أن نتذكر اللواء الأبارة ليس فقط كرجل، بل كرمز. لقد كان "القائد الوطني الجمهوري العملاق" الذي كان وجوده في حد ذاته توبيخاً للرجال الصغار والمشاريع الصغيرة. كان مشروع حياته هو بناء يمن خالٍ من مرضين متلازمين: "الإمامة والفساد".
لقد أصبح الأبارة شهيداً على جبهتين. استشهد وهو يحارب مشروع الحوثي الإمامي، لكنه قُتل على يد مشروع مناهض للسيادة من قبل حلفائه المفترضين. هذه الشهادة المزدوجة تجعل منه شخصية ذات قوة رمزية فريدة في الوعي الوطني اليمني. إنه يمثل تضحية من أجل الجمهورية في مواجهة أعدائها في الداخل، وتضحية من أجل السيادة في مواجهة أطماع حلفائها في الخارج.
إرثه هو إرث "البديل الذي لم يتحقق" — مسار يمن قوي وموحد وذي سيادة تم إغلاقه عمداً. تبقى ذكراه مقياساً للشرف العسكري والنزاهة الوطنية، وتقف قصته كرمز مأساوي ومحدد لنضال اليمن الحديث: أمة لا تقاتل تمرداً داخلياً فحسب، بل تقاتل أيضاً الاحتضان الخانق للقوى الخارجية ذات الأجندات الخاصة. يظل شبح الأبارة يحوم في فضاء الحرب، تذكيراً دائماً بالمشروع الوطني الذي تعرض للخيانة في رمال العبر.