أخبار محلية

بن غوريون تحت النار.. هل حقاً تجاوز الحوثي الخطوط الحمراء أم أثبت العكس؟

المصدر
فيصل نعيم

أعلنت مليشيا الحوثي في اليمن مسؤوليتها عن عملية استهداف مطار بن غوريون الدولي بالقرب من تل أبيب، مؤكدة بذلك امتلاكها القدرة على الوصول إلى أهداف استراتيجية بعيدة داخل إسرائيل.

يهدف هذا التقرير إلى تحليل هذا الاستهداف مع التركيز على نقطة أساسية وهي قدرة الحوثيين المتزايدة على تنفيذ هجمات دقيقة بعيدة المدى.

علاوة على ذلك، سيسلط "خطوط برس" الضوء على الرسائل الضمنية التي قد يحملها اختيار استهداف محيط المطار تحديداً، بدلاً من مرافقه الحيوية، في سياق إيصال تهديد محسوب والتزام حذر بقواعد الاشتباك لتجنب تصعيد إسرائيلي وأمريكي واسع النطاق.

تأكيد القدرة على الاستهداف الدقيق بعيد المدى:

يمثل استهداف مطار بن غوريون، الذي يقع على مسافة كبيرة من مناطق سيطرة الحوثيين في اليمن، دلالة واضحة على تطور قدراتهم العسكرية، خاصة في مجال الصواريخ بعيدة المدى. تشير التقارير المتزايدة إلى امتلاك الحوثيين لأنواع متقدمة من الصواريخ، بعضها موجه بدقة، والتي تم تطويرها أو الحصول عليها بدعم خارجي إيراني. إن القدرة على إصابة محيط هدف يبعد مئات الكيلومترات بدقة نسبية تشير إلى امتلاكهم تكنولوجيا متقدمة في مجال التوجيه والملاحة.

كما أن استخدام أسلحة دقيقة قادرة على تعديل مسارها لضمان سقوطها في مناطق محددة دون استهداف أهداف حيوية بشكل مباشر، هو ما يعكس خطورة الحساب العسكري والسياسي وراء العملية "تحقيق ضجة إعلامية وتعزيز صورة الحوثيين في الداخل والخارج كمنقذ لغزة" .

فبحصول الحوثيين على صواريخ موجهة ذات دقة عالية، أصبح بإمكانهم تنفيذ ضربات تُحقق أهدافًا إعلامية وعسكرية دون الإسراع بإحداث خسائر بشرية جسيمة. هذه الاستراتيجية تحمل في طياتها رسالة ضمنية بأن القدرة التقنية موجودة، لكن الحرص على عدم الدخول في دوامة تصعيد تضاهي النزاعات النظامية يعكس توازنًا دقيقًا بين الردع والحذر.

من ينفي هذه الحقيقة عليه أن يجيب على تساؤل بسيط: لماذا سقط الصاروخ على بعد 300 متر من صالة المطار بعيداً عن المدرج وفي منطقة ترابية خالية تماماً؟ ولماذا لم تحقق جميع ضربات الحوثيين السابقة التي تمكنت من اختراق منظومة الدفاع الصاروخي الاسرائيلي.. لماذا لم تحقق إصابة مباشرة لأي هدف حيوي: مدني أو عسكري داخل إسرائيل؟ الإجابة واضحة: الحوثيون يدّعون نصرة فلسطين ويدّعون استهداف اسرائيل لكنهم لا يريدون مطلقاً أذية الدولة الصهيونية، فهم يدركون أن بقاءهم في السلطة طوال السنين الماضية وراءة رغبة أمريكية قوية.

الاستهداف المدروس لمحيط المطار: رسالة ضمنية والتزام بقواعد الاشتباك؟

إن اختيار الحوثيين استهداف محيط مطار بن غوريون، على بعد مئات الأمتار من صالاته ومرافقه الرئيسية، لم يكن محض صدفة أو نتيجة لعدم دقة الصواريخ. بل يمكن قراءته على أنه قرار استراتيجي يهدف إلى تحقيق عدة أهداف في آن واحد:

- إظهار القدرة دون تجاوز "الخطوط الحمراء": من خلال استهداف محيط المطار، يُمكن للحوثيين إيصال رسالة قوية إلى إسرائيل وحلفائها بأنهم قادرون على ضرب أهداف استراتيجية حساسة داخل العمق الإسرائيلي. وفي الوقت نفسه، فإن تجنب إلحاق أضرار مباشرة بالمنشآت الحيوية أو التسبب في خسائر بشرية كبيرة قد يُنظر إليه على أنه محاولة لتجنب رد فعل إسرائيلي وأمريكي واسع النطاق قد يستهدف مناطق نفوذهم بشكل مباشر وأكثر قوة.

- تأكيد امتلاك صواريخ دقيقة: إن اختيار إسقاط الصاروخ في منطقة محددة تبعد عن المرافق الرئيسية للمطار، مع امتلاك القدرة التقنية (كما تشير التقارير) على توجيه الصواريخ بدقة أكبر، يمكن أن يكون دليلاً على أن الاستهداف كان مقصوداً ومتحكماً به. هذا يرسل رسالة مفادها أن الحوثيين يمتلكون القدرة على إصابة أهداف أكثر حساسية إذا ما قرروا ذلك.

- فرض قواعد اشتباك ضمنية: قد يكون هذا الاستهداف بمثابة محاولة لفرض "قواعد اشتباك" ضمنية في هذا الصراع غير المباشر. الرسالة هنا قد تكون: "نحن قادرون على ضرب أهدافكم الاستراتيجية، ولكننا نختار أن نبقي مستوى التصعيد محدوداً في الوقت الحالي، ونتوقع منكم بالمقابل ضبط النفس وعدم تجاوز خطوط حمراء معينة من جانبكم."

- الحصول على مكاسب سياسية ودعائية: حتى مع عدم وقوع إصابات أو أضرار كبيرة، فإن مجرد إعلان استهداف مطار بن غوريون يحقق للحوثيين مكاسب سياسية ودعائية كبيرة على الصعيدين الإقليمي والدولي. يظهرهم هذا الاستهداف كطرف فاعل وقادر على تهديد إسرائيل، وهو ما يخدم أجندتهم السياسية ويعزز صورتهم لدى مؤيديهم.

رسالة إلى واشنطن: استمرار القدرة الصاروخية رغم الحملة العسكرية:

إضافة إلى الرسائل الموجهة لإسرائيل، يحمل هذا الهجوم على محيط بن غوريون رسالة واضحة إلى الولايات المتحدة الأمريكية. يأتي هذا الاستهداف في سياق حملة عسكرية تقودها واشنطن وحلفاؤها تستهدف قدرات مليشيا الحوثي في اليمن، وخاصة ترسانتهم الصاروخية والطائرات المسيرة، رداً على هجماتهم المتواصلة على السفن في البحر الأحمر وخليج عدن. من خلال الوصول إلى هدف بعيد واستراتيجي مثل مطار بن غوريون، يسعى الحوثيون إلى التأكيد على أن الحملة العسكرية الأمريكية، حتى الآن، لم تحقق أهدافها بشكل كامل ولم تتمكن من الحد بشكل فعال من قدرتهم على ضرب أهداف بعيدة المدى. يعتبر هذا الهجوم بمثابة استعراض للقوة وتحدٍ لإرادة واشنطن، وإشارة إلى أن المليشيا لا تزال قادرة على تهديد مصالح خصومها وحلفائهم في المنطقة على الرغم من الضغوط العسكرية المستمرة.

تقييم المخاطر والتداعيات:

- على الرغم من أن الاستهداف "المتحكم به" قد يكون محاولة لتجنب تصعيد كبير، إلا أنه لا يزال يحمل في طياته مخاطر وتداعيات محتملة:

- سوء التقدير: قد تسيء إسرائيل أو الولايات المتحدة فهم نوايا الحوثيين وتعتبر هذا الاستهداف تجاوزاً للخطوط الحمراء بغض النظر عن موقعه الدقيق.

- رد فعل إسرائيلي محدود: حتى لو لم يكن الرد الإسرائيلي واسع النطاق، فإنه من المرجح أن يكون هناك رد فعل عسكري أو استخباراتي من قبل إسرائيل.

-تصعيد الحملة الأمريكية: قد يدفع هذا الهجوم الولايات المتحدة إلى تكثيف حملتها العسكرية ضد الحوثيين وتوسيع نطاق أهدافها. - تأثير على الأمن الإقليمي: أي عمل عدائي يستهدف أهدافاً استراتيجية يزيد من حالة عدم الاستقرار في المنطقة ويقوض جهود التهدئة.

خلاصة:

إن استهداف مليشيا الحوثي لمحيط مطار بن غوريون يمثل تطوراً هاماً يؤكد على قدراتهم المتزايدة في مجال الصواريخ بعيدة المدى والدقيقة. إن اختيار استهداف محيط المطار تحديداً، بدلاً من مرافقه الحيوية، يمكن قراءته على أنه رسالة ضمنية تهدف إلى إظهار القدرة على الوصول إلى أهداف استراتيجية مع محاولة لتجنب تصعيد إسرائيلي وأمريكي واسع النطاق. بالإضافة إلى ذلك، يحمل هذا الهجوم رسالة واضحة إلى الولايات المتحدة مفادها أن حملتها العسكرية لم تحد من قدرات الحوثيين الصاروخية. هذا الاستهداف قد يكون محاولة لفرض قواعد اشتباك ضمنية في هذا الصراع المعقد، ولكنه في الوقت نفسه يحمل في طياته مخاطر سوء التقدير وتصاعد التوتر الإقليمي. يبقى من الضروري مراقبة التطورات اللاحقة وتحليل ردود الفعل المحتملة لفهم الأبعاد الكاملة لهذا الاستهداف وتأثيره على مستقبل الصراع في المنطقة.