أخبار محلية

تجارة السلاح الأميركي في اليمن.. كيف تسربت ترسانة إلى الأسواق؟

المصدر
العربي الجديد

ترك الجندي اليمني منذر رشيد، عمله في القوات الحكومية بمديرية لودر في محافظة أبين جنوب شرق صنعاء عام 2017، من أجل التفرغ لتجارته الجديدة في مجال بيع الأسلحة التي يحصل عليها من رفاق الخدمة السابقين.

بعدها بعامين وعقب تمرسه في مهنته شهد عمل رشيد نقلة نوعية، وتحديداً في عام 2019 بعدما تمكّن من شراء أسلحة جنود وضباط وأمناء مخازن تابعين للمجلس الإنتقالي في محافظتي أبين وعدن جنوب البلاد، ومن بينها قطع أميركية، يعرضها في محله الخاص بسوق لودر.

ويدخل عمل رشيد المزدهر في تجارة السلاح الأميركي ضمن مجال شهد توسعاً كبيراً في زمن الحرب، إذ يكشف تحقيق "العربي الجديد" عن اتجار في 11 نوعاً من الأسلحة الأميركية الخفيفة والمتوسطة، تُباع بشكل علني في الأسواق اليمنية المنتشرة في عدد من المحافظات، ويتتبع مسارات دخولها المحتملة ومدى انتشارها وإمكانية وصولها لأيدي المدنيين.

 

مصادر السلاح الأميركي

تعد سيطرة مليشيات الحوثي على السلطة في صنعاء في سبتمبر/أيلول عام 2014، لحظة مفصلية لانتشار الاتجار في الأسلحة الأميركية، نظرا لاستيلائهم على مخازن تابعة للجيش اليمني وقوات الأمن كانت تحوي سلاحا روسيا بالدرجة الأولى، وفي الوقت نفسه احتوى بعضها على أسلحة أميركية، تحديدا تلك التابعة لقوات الحرس الجمهوري والقوات الخاصة وقوات مكافحة الإرهاب، كما يوضح الدكتور علي الذهب، الضابط اليمني البحري المتقاعد، والباحث في مجال الدراسات الاستراتيجية والعسكرية والأمنية.

ووصلت الأسلحة الأميركية إلى اليمن عبر برامج المساعدة الأمنية التي بلغت كلفتها 804 ملايين دولار خلال الفترة من عام 2000 وحتى 2014، بحسب الرد المكتوب الذي تلقته "العربي الجديد" من مركز السياسة الدولية (مؤسسة بحثية في واشنطن).

وجاء أكثر من نصف تلك المساعدات من برنامج التدريب والتجهيز التابع لوزارة الدفاع الأميركية، والذي غالبا ما يشمل عمليات نقل الأسلحة الصغيرة، وهو ما تؤكده تقارير فريق الخبراء المعني باليمن، التي اطلعت عليها "العربي الجديد"، والصادرة في الفترة بين عامي 2014 و2021 بالإضافة إلى تقارير خدمات أبحاث الكونغرس، ووزارتي الدفاع والخارجية، وتقرير مكتب مساءلة الحكومة الأميركية، لكنها لم تفصّل أنواع الأسلحة الصغيرة التي نقلت إلى اليمن.

غير أن فريق "العربي الجديد" حصل على وثيقة من مصدر في التوجيه المعنوي للقوات المسلحة طلب عدم الكشف عن هويته للموافقة على الحديث، تبين جانبا من المساعدات الأميركية المقدمة إلى قوات مكافحة الإرهاب في يوليو/تموز عام 2014 وشملت 200 بندقية من نوع M4، وهو نوع وثق معد التحقيق الاتجار به في سوق السلاح بصنعاء، إذ أخفى البائع رقم تلك البندقية التسلسلي بواسطة شريط أسود لاصق، بالإضافة إلى 200 مسدس غلوك (Glock 9mm pistols)، و1.250.000 من الذخيرة، وفي الوثيقة ذاتها جرى تفصيل أنواع أخرى من السلاح، والتي لا يغطيها التحقيق وتشمل طائرات الدرون والهليكوبتر ومعدات ومركبات للجنود.

ويكشف تقرير مكتب مساءلة الحكومة الأميركية الصادر في 28 إبريل /نيسان 2015، أن المساعدات الأميركية المقدمة إلى القوات اليمنية شملت الأسلحة الصغيرة والذخيرة، إذ أنفقت وزارة الدفاع الأميركية منذ العام المالي 2009 وحتى 2015، 256 مليون دولار من أصل 401 مليون دولار مخصصة لليمن، بموجب القسمين 1206 و 1207 من برامج المساعدة الأمنية، في حين أن وزارة الخارجية خصصت 34 مليون دولار من أصل 95 مليون دولار لبرنامج التمويل العسكري الأجنبي، وبحسب التقرير فإن وزارة الدفاع أخطرت الكونغرس بأن جميع المعدات لكل مشروع يتم نقلها إلى قوات الأمن اليمنية خلال الموعد النهائي المحدد من قبل وزارة الدفاع، لكن عقب الوضع غير المستقر في اليمن، تم تعليق برامج المساعدة الأمنية لليمن مؤقتًا، وفق التقرير، ما يفسر وجود كميات كبيرة من الأسلحة في المخازن التي استولى عليها الحوثيون إبان سيطرتهم على العاصمة صنعاء (عام 2014)، والتي يرجح مركز السياسة الدولية أن غالبيتها أسلحة صغيرة.

 

 

دور الحرب في انتشار السلاح الأميركي

"غدا انتشار السلاح الأميركي ظاهرا للعيان في الأسواق بعد اشتعال الحرب في اليمن بين الحوثيين وقوات الرئيس السابق على عبدالله صالح من جهة، والتحالف العسكري السعودي الإماراتي والذي سلّح قوات محلية بأسلحة أميركية للقتال إلى جانب الحكومة اليمنية، ومن بين هؤلاء من سلموا أنفسهم إلى الحوثيين في معارك خاسرة تحديدا في الحدود الشمالية مع السعودية، إذ دارت معارك كبيرة نهاية عام 2019 وبداية عام 2020، في صعدة، وفي مديرية حرض في محافظة حجة، وحصل الحوثيون على أسلحتهم"، بحسب ما رصده الضابط الذهب، والذي أضاف إلى مصادر السلاح هجمات الحوثيين على المناطق السعودية في الحدود الشمالية.

ويبدو انتشار الأسلحة الأميركية في اليمن ووصولها إلى أيدي المليشيات الحوثية عبر مقطع مصور منشور على موقع الإعلام الحربي الإلكتروني التابع للحوثيين بتاريخ 7 يوليو/تموز 2020، إذ حصلوا خلال العمليات العسكرية بمحافظة البيضاء جنوب شرق صنعاء، على أسلحة بينها قذائف مدفع هاوزر عيار 105 وقذائف مدفعية عيار 57، وغيرها من البنادق والذخيرة.

وخضع أفراد وشركات محدّدة مرتبطة بالحوثيين إلى حظر تسليح، وسّعه مجلس الأمن الدولي في فبراير/شباط الماضي، بدعم من دولة الإمارات بعد هجوم بطائرات مسيّرة استهدف العاصمة أبوظبي وتبنّته الجماعة، وينص القرار الذي صاغته المملكة المتحدة ويمدّد حظر الأسلحة حتى 28 شباط/فبراير 2023، على أنّ "الكيان" المحدد في ملحقاته، أي الحوثيين، "سيخضع لإجراءات تتعلق بحظر الأسلحة" المفروض على اليمن منذ عام 2015. وذكر الموقع الرسمي للأمم المتحدة، أن مجلس الأمن اعتمد القرار 2624 (2022) تحت البند السابع، الذي يقضي بتجديد نظام العقوبات على اليمن، ويصف جماعة الحوثيين -المعروفة بجماعة أنصار الله- بـ"جماعة إرهابية". واعتبر القرار، أن "استمرار توريد الأسلحة ومكوناتها إلى اليمن يعد انتهاكا لحظر الأسلحة المحدد الأهداف المفروض بموجب الفقرة 14 من القرار 2216 (2015) باعتباره تهديدا خطيرا للسلام والاستقرار في اليمن والمنطقة".

وجاء القرار الجديد بعدما أصدر مجلس الأمن الدولي في 14 إبريل 2015 قراره رقم 2216، ونص على حظر توريد الأسلحة والعتاد ووسائل النقل العسكرية، لزعيم الحوثيين عبد الملك الحوثي وقيادات من الجماعة وقيادات من النظام السابق في البلاد.

ويكشف بائع السلاح أشرف محمد والذي التقاه معد التحقيق في متجره بصنعاء، بعدما ادعى أنه يرغب في الشراء، أن الأسلحة الأميركية التي يبيعها كانت في الأصل خاصة بأجهزة الجيش والأمن وأنه مستعدٌ لتوفير أي نوعٍ منها وبالكمية المطلوبة. فيما كان بين يديه 4 مسدسات Glok الأميركية قال إنها من الجيل الرابع، ولا تزال جديدة ومغلفة، ويباع المسدس بسعر 2500 دولار، مؤكدا أن لديه كميات من الجيل الخامس لهذا المسدس، وصلت إليه من السعودية، ويبيع القطعة بسعر 4000 دولار، لكنه رفض الإفصاح عن أي تفاصيل تتعلق بطريقة خروجها من السعودية، أو الجهة التي تزوده بها، في حين وافق بعد تردد على تزويد معد التحقيق بصور للمسدس.

 

أسواق السلاح كمحالّ البقالة

لا يشكل توافر جميع أنواع الأسلحة في اليمن مسألة محلية تهدد السلام والأمن في اليمن فحسب، بل يمتد أثرها خارج حدود اليمن، "وتنتشر تلك الأسلحة في أسواق خاصة تعمل كأنها محالّ بقالة"، وفقا لما جاء في تقرير أعضاء فريق الخبراء عملا بقرار مجلس الأمن وفقا للفقرة 21 (ج) من القرار 2140 (2014)، الصادر في 20 فبراير/شباط 2015، فالزبون غير مطالب بإبراز بطاقة هوية حتى يشتري أي نوع من الأسلحة، بما في ذلك المسدسات الصغيرة والبنادق الهجومية والقنابل، وأدت الصراعات التي نشبت في البلاد إلى ارتفاع سعر الأسلحة إلى 8 أضعاف وازدياد الطلب عليها، وفق التقرير ذاته.

وينظم القانون رقم 40 لعام 1992 حمل الأسلحة النارية والذخائر والاتجار بها في اليمن، وينص في المادة 28: "على أن التاجر المرخص له بفتح محل للاتجار، عليه أن يحتفظ بسجلات، وفق ما تقرره الأنظمة والتعليمات الصادرة من سلطة الترخيص، يدون فيها التفصيلات كافة المتعلقة ببيان ما يحتويه محله التجاري من موجودات، ما باعه أو اشتراه من أسلحة، والجهة أو الجهات التي جرى شراء الأسلحة والمتفجرات وقطع الغيار وغير ذلك من المواد منها"، وتنص المادة 30 من نفس القانون على أنه: "يجب على التاجر أن يسجل لديه اسم المشتري ورقم البطاقة الشخصية وتاريخها وكمية ونوع المواد المباعة وأن يحرر شهادة موقعه منه يعطيها للمشتري تثبت أنه باعه سلاحا أو مواد مفرقعة أو ذخيرة". بالتالي كان من المقرر أن يسهل تطبيق هذا القانون مهمة الأجهزة الأمنية في تعقب الأسلحة المُباعة، لكنّ هناك خللا حقيقيا في التنفيذ، بسبب تعدد جهات التنفيذ وكذلك الجهات المانحة للتراخيص، وفي الوقت الراهن فإن جميع القوانين تبددت ولم تعد تطبق، كما يرصد الخبير العسكري الذهب.

وأسهم عدم تطبيق القانون في أن يصبح اليمن في الترتيب الثاني بعد الولايات المتحدة، من حيث حيازة المدنيين للأسلحة، بإجمالي 14.900 مليون قطعة سلاح، وفق ما رصده المعهد العالي للدراسات الدولية والإنمائية في جنيف، بمسح الأسلحة الصغيرة المنشور في يونيو/حزيران 2018.

ويبدو الانتشار الكبير للاتجار في السلاح الأميركي عبر ما يوثقه تحقيق "العربي الجديد" من خلال جولات ميدانية واتصالات مع بائعين في  20 سوقا مركزيا تبيع الأسلحة الأميركية، الخفيفة والمتوسطة، ومعظمها لم يسْبقْ استِخدامُها على الإطلاق، وتتوزع على محافظات صنعاء وصعدة وعمران وذمار والجوف التي تسيطر عليها جماعة الحوثي، بالإضافة إلى محافظات تعز ومأرب وشبوة وعدن الواقعة تحت سيطرة الحكومة الشرعية المعترف بها دوليا.

ومن أبرز الأسلحة المعروضة في 12 سوقا جال فيها معد التحقيق، منها ما هو في صنعاء وأمانة العاصمة، بندقية M16A1 برقم تسلسلي 9527418، ورشاش M60 يحمل الرقم التسلسلي SM-34، وبندقية  AR-15A3، التي تحمل الرقم التسلسلي LBD048064، وأخرى  من طراز COLT AR-15، تحمل الرقم SP 00628، وبندقية ثالثة من الطراز ذاته تحمل الرقم 761390V، والتي تباع بشكل عادي رغم حظر التسليح الدولي المفروض على الجماعة.

 

 

أسواق الأسلحة في اليمن

والتقى معد التحقيق أحد تجار الأسلحة في صنعاء (لم يسأله عن هويته حتى لا يثير شكوكه)، وتظاهر بنيّته شراء 4 بنادق أميركية من طراز M4A1 carbine، وبالفعل عرض عليه التاجر إحداها وتحمل الرقم التسلسلي w921393، وبالفعل أبدى التاجر استعداده لبيعها مقابل 8000 دولار لكل بندقية منفردة، ومع الملحقات، تباع بـ 15000 دولار كما قال، لافتا في الوقت ذاته، إلى استعداده توفير أي كمية يطلبها الزبون، وفي أي وقت، لامتلاكه كميات كبيرة منها في مخازنه حصل عليها من أحد القادة العسكريين التابعين للمجلس الانتقالي بمدينة عدن، وهي من ضمن الأسلحة التي حصل عليها المجلس من الإمارات لدعمه في قتال الحوثي. وتواصلت "العربي الجديد" مع المتحدث الرسمي باسم المجلس الانتقالي الجنوبي، علي الكثيري، الذي رفض التعليق على أي أمر.

ويحصل التاجر أيضا على أسلحة مستخدمة عن طريق شرائها من الحوثيين، الذين يحصلون عليها كـ"غنائم" أثناء عملياتهم الهجومية ضد مواقع خصومهم من القوات الحكومية الموالية للشرعية أو عملياتهم ضد الجيش السعودي في الحد الجنوبي، مبينًا أن متوسط سعر السلاح المستخدم يصل إلى نصف سعر الجديد.

وردّ تاجر أسلحةٍ بمحافظة مأرب يمتلك محلاً في سوق السلاح، تواصل معه معد التحقيق بعدما ادّعى اهتمامه بشراء النسخة الأميركية من بندقية G3-A3 (تنتجها شركة Heckler & Koch الألمانية بفروعها المنتشرة في أوروبا والولايات المتحدة)، بالإيجاب، مؤكدًا توفرها بكميات كبيرة اشتراها من عسكريين يمنيين يعملون لصالح السعودية في الحد الجنوبي، وبرهن ذلك بإرسال صورٍ من البندقية المطلوبة تحمل الرقم التسلسلي 6528273، إلا أنه اقترح شراء نسخة أرخص، من السلاح نفسه، لكنها مُصنعة في المملكة العربية السعودية بتصريح من نفس الشركة، ويظهر على الصور أنها تحمل الرقم التسلسلي 154392ج3 1411، وتباع بفارق سعر يتراوح  بين 1500 دولار و1000 دولار عن النسخة الأميركية لكل قطعة.

أيضًا لم يفوت التاجر فرصةً للترويج لأنواع أخرى من بضاعته، كان من بينها  ذخائر دبابات أميركية من طراز APDS بسعر 100 دولار للقذيفة الواحدة، بالإضافة إلى أسلحة متوسطة جديدة، مثل المدفع الرشاش الآلي M249 عيار 7.62 ملم.

 

تهريب عبر البحر

عرض أحد تجار الأسلحة في سوق جحانة في مديرية خولان شمال العاصمة صنعاء، على معد التحقيق سلاح MP5 A3 Heckler & Koch ، ويحمل الرقم التسلسلي 3185، وآخر مُدون عليه أنه صنع عام 2018، قائلا إنها من الأسلحة المهربة التي تأتي من الصومال عبر البحر، رغم الرقابة التي يفرضها التحالف بقيادة السعودية على المياه الإقليمية اليمنية، وعند سؤالنا له عن كيفية التمييز بين الأسلحة المهربة والأسلحة التي تأتي عن طريق أطراف الصراع (الأسلحة الحكومية) رد أنه لا فرق بينها من ناحية المصنعية أو الإنتاج، والفارق الوحيد أن المهربة تكون أرقامها التسلسلية مخفية (تم طمسها).

وتصل الأسلحة المهربة خلال السنوات الثلاث الأخيرة، عبر طرق عدة من بينها حمولات ينقلها مهربو البشر ممن يجلبون المهاجرين الواصلين من القرن الأفريقي، كما يؤكد مدير عام مديرية رضوم التابعة لمحافظة شبوة جنوب وسط اليمن، محمد الشكلية (تابع للحكومة الشرعية)، مشيرا إلى أن القوات الأمنية المشتركة اشتبكت في أكتوبر/تشرين الأول عام 2020 مع عصابة تهريب للأسلحة كانت على متن قارب شراعي تستعد لإنزال صناديق أسلحة في شاطئ المديرية، لكنها لاذت بالفرار، وأثناء تمشيط القوات للمنطقة تعرضت لكمين مسلح من قبل عصابات التهريب، أدت إلى استشهاد أحد ضباط خفر السواحل.

وتجلب عصابات التهريب، السلاح على متن سفن تجارية كبيرة، تقف في عرض البحر، ثم تنقل المُهربات من الأسلحة والمخدرات، عبر قوارب صغيرة إلى الشواطئ اليمنية، مستغلين عدم امتلاك قوات خفر السواحل اليمنية زوارق عسكرية لمراقبة المياه الإقليمية، كما لا تتوفر أي قطع بحرية تابعة للقوات البحرية منذ انقلاب الحوثيين وانهيار الدولة، حسب ما يضيف الشكلية.

 

خريطة مسارات تهريب السلاح

وهو ما يؤكده تقرير فريق الخبراء المعني باليمن المقدم إلى رئيس مجلس الأمن في 25 يناير/كانون الثاني 2021، "استنادا إلى تحليل عمليات الضبط البحرية التي تمت منذ عام 2018"، فإن عمليات إمداد الحوثيين بالأسلحة والمواد تتم عبر شبكات التهريب التي تستخدم سفن الشحن التقليدية (المراكب الشراعية)، والتي غالبا ما تعمل دون أوراق صحيحة ودون إرسال إشارة النظام الآلي لتحديد الهوية، ويمكنها تفريغ شحناتها في موانئ صغيرة ما يجعلها خيارا مثاليا لتهريب الأسلحة، ويتبع الطريق الأول سواحل عُمان اليمن ويستخدم لتهريب شحنات عسكرية عالية القيمة مثل مكونات القذائف وحاويات القذائف الموجهة المضادة للدبابات ومكونات الطائرات المسيرة والأجهزة المتفجرة يدوية الصنع وسلك هذا الطريق مركبان شراعيان مصادران في نوفمبر/تشرين الثاني 2019 وفبراير/شباط 2020، وتظهر البيانات المستخلصة من النظام العالمي لتحديد المواقع فيهما، أنهما انطلقا من حضرموت والمهرة إلى جزيرة السودة في عمان قبل الإمساك بهما وهذا يعني أنهما تلقيا حمولتهما في هذه المرحلة، أما الثاني فيستخدم للتزود بالأسلحة الصغيرة والخفيفة من سفينة أخرى قبالة سواحل الصومال وبعضها يتطابق مع الأسلحة الموثقة في ترسانة الحوثيين وتندرج ضمن هذا النمط ثلاث عمليات ضبط، نفذت خلال فترة الرصد 17 إبريل/نيسان 2020 و24 يونيو/حزيران 2020، اعترضت البحرية السعودية شحنتين كبيرتين من الأسلحة الصغيرة والخفيفة وكان المركب الأول شراعيا يمنيا يدعى الشماسي وضُبط على بعد 90 ميلا بحريا من ميناء نشطون، بينما كان المركب الثاني باري 2 شراعيا أكبر حجما من نوع جلبوت، وعلى متنه طاقم صومالي ضُبط على بعد 70 ميلا بحريا شمال شرق بوصاصو، وتمكّن الفريق من تحليل البيانات المستخلصة من مستقبل تحديد المواقع العالمي، ولوحظ أنه كان متجها نحو نقطة التقاء تبعد عشرة أميال بحرية عن الساحل الصومالي، وكان على متن المركب شحنة سجائر حمّلت في دبي في 12 يونيو ومتجهة إلى بوصاصو، وشحنة غير مشروعة من الأسلحة مخبأة في مقصورات مخفية، وتبيّن الوثائق التي عثر عليها على متن باري 2، وإحداثيات نظام تحديد المواقع العالمي أن المركب أبحر في وقت سابق بين موانئ الصومال واليمن وجمهورية إيران.

وشملت عمليات ضبط الأسلحة التي يوثقها التقرير ذاته 350 بندقية تدريب من نوع Tippmann 98، مصنعة في الولايات المتحدة، ويعتقد الفريق أن هذه الأسلحة كانت مخصصة لأغراض التدريب، وعبر تتبع تسلسل العهدة للبنادق الهوائية يتبين أن تاجرا في لبنان، باعها في عام 2019 إلى عميل غير موثق.

ودفع الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب في العام الأخير من إدارته بأكبر الصفقات مع المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، وفي عام 2020، كانت الإمارات العربية المتحدة أكبر متلقٍ لمبيعات الأسلحة من الولايات المتحدة (بمقدار 24.1 مليار دولار أميركي)، أما السعودية فتحتل المرتبة الـ17 في الترتيب، وتلقت أسلحة العام الماضي (بمقدار 640 مليون دولار أميركي)، كما تبين لورين وودز، المديرة المؤقتة لمركز السياسة الدولية، في ردها المكتوب على "العربي الجديد".

في حين يقول ديفيد آي ماكيبي، مسؤول مكتب العلاقات العامة في الخارجية الأميركية، في رده المكتوب على "العربي الجديد" إنهم يتعاملون مع جميع الادعاءات المتعلقة بإساءة استخدام مواد الدفاع أميركية المنشأ على محمل الجد، متوقعين من جميع المستفيدين من المعدات الدفاعية الأميركية الأصلية الالتزام باتفاقية المستخدم الأخير وعدم إعادة نقل المعدات من دون إذن مسبق من الحكومة الأميركية. "لكن تحدث خسائر للمعدات في ساحة المعركة في مناطق النزاع النشطة"، وفق ردّه.