الارتفاع المفاجئ في درجة الحرارة، وتراجع الأمطار، ونقص رطوبة التربة، وغيرها من التغيرات المناخية التي تنعكس سلباً على زراعة المانجو وإنتاجه السنوي، هي ما يشكوه المزارع اليمني محمد الزبيدي، الذي تكبد خسائر كبيرة خلال موسم هذا العام نتيجة العوامل المناخية التي أفسدت المحصول وقللت حجم الإنتاج، ليخرج الرجل بموسم "صفري" كما يقول لرصيف22.
يتحدث الزبيدي، وهو مزارع في محافظة الحديدة الواقعة على الشريط الساحلي للبحر الأحمر، بأن أزمة التغيرات المناخية أثرت على إنتاجه للمانجو، خاصة وأن تقلبات الطقس تحدد فترة الحصاد، ولهذا تعرضت محاصيل بعض مزارعه الواقعة في المناطق الأشد الحرارة للتلف، ناهيك عن الأمراض التي ساهمت في إفساد المحصول. يقول: "تتسبب التغيرات المناخية بتغيير مواعيد الزراعة وظهور حشرات وآفات جديدة تتكيف مع طبيعة المناخ سواء كان حاراً أو بارداً، وتؤدي إلى انتشار الأمراض وزيادة تكاثر الحشرات الضارة، وهذا ما يثير قلقنا". يضيف المزارع بأن تقلبات المناخ تظهر تأثيراتها على جودة المحصول، فلاحظ في موسم هذا العام تغييراً في حجم وشكل ولون وطعم المانجو، ما انعكس سلباً على قيمته السوقية وسمعته، وأدى إلى كساده في الأسواق، ويتابع: "مقارنة بين هذا الموسم والذي سبقه، انخفض الإنتاج ما يقارب 30%، كما أن المحصول المتوفر لدينا أقل جودة من المواسم السابقة، وهذا ما يفسر قلة الطلب عليه، أو شراءه بأسعار زهيدة". وتعد محافظة الحديدة والسهل التهامي ومحافظة حجة، من أهم المحافظات المنتجة لفاكهة المانجو في اليمن، وتأتي بعدها محافظات لحج وتعز وحضرموت وأبين، وتتنوع أصناف المانجو المزروعة في اليمن، بين قلب الثور وتيمور وأبو سنارة والحافوص والفونس والباميلي والبركاني والسوداني.
•أزمة المناخ
يواجه المئات من مزارعي المانجو في اليمن أزمة حقيقية نتيجة التغيرات المناخية، فوصلت خسائر بعض المزارعين إلى النصف، وانصرف البعض الآخر إلى زراعة محاصيل أخرى. يقول الاستشاري والمدرب الزراعي محمود فاروق إن اليمن يعاني كغيره من البلدان من عواقب تغيرات المناخ، على الرغم أنه لا يتحمل سوى القليل من المسؤولية إزاء أسبابه، ويؤكد بأن فاكهة المانجو من أكثر المحاصيل تضرراً نتيجة ارتفاع درجات الحرارة. ويشرح في حديثه لرصيف22: "لم يتخيل المزارعون أن هذه الأشجار المعمرة التي تخطى عمرها 60 عاماً، يمكن أن تتساقط ثمارها دون سبب واضح مثل حدوث العواصف أو الأمطار، فموجة الحر الشديدة التي تشهدها مناطق زراعة المانجو، هي واحدة من العوامل التي عجّلت عملية نضج الثمار وصولاً إلى طور النضج الاستهلاكي، ليقطف المزارعون المحصول في وقت واحد". وينوّه إلى أن التباين الكبير في درجات الحرارة بين النهار والليل على مدار فصل الربيع أمر غريب على الأجواء اليمنية، وأن تذبذب الطقس خلال فصل الصيف نهاراً والشتاء ليلاً، وتغير كميات الأمطار، أدت إلى ارتباك في كثير من المحاصيل ومنها المانجو، خاصة وأنه يعتمد على الأمطار الموسمية في فصلي الربيع والصيف. ويشير إلى أن التغيرات المناخية بدأت ترمي بظلالها على اليمن منذ أعوام، وأن محصول المانجو تأثر جزئياً في بعض المناطق، فيما تعرض لمشكلات كثيرة في الإنتاج الكلي على مستوى البلاد. وتشير تقديرات إلى أن 30% من أشجار المانجو اليمنية باتت غير مثمرة، إضافة إلى موت بعض الأشجار سنوياً بسبب المناخ المتقلب، وتعرضها للجفاف أو الآفات الزراعية.
•قلة التصدير وغياب الإرشاد الزراعي ألحقت الحرب الدائرة في البلاد منذ آذار/ مارس 2015 أضراراً بالغة في كافة مناحي الحياة، وحالت دون تحريك شاحنات التصدير التي كانت تحمل المانجو باتجاه دول الخليج العربي، ما كبد المزارعين خسائر كبيرة. أما في السنوات التي سبقت الصراع المسلح، كان المزارعون والتجار ووكلاء المانجو يجنون أرباحاً مجزية من إنتاج وتصدير الثمار للخارج. وتشير تقارير إلى أن إجمالي عدد أشجار المانجو في اليمن يبلغ نحو 2 مليون شجرة، وأن مساحة الأراضي المزروعة بهذه الفاكهة تتجاوز 25 ألف هكتار، وكان يبلغ إنتاج البلاد منها سنوياً 400 ألف طن، لكن هذه الأرقام تراجعت بسبب تبعات الحرب والتغيرات المناخية القاسية. تعتقد الخبيرة الزراعية أمة اللطيف يحيى أن تراجع إنتاج محصول المانجو في اليمن، ناتج عن زيادة النفقات التشغيلية للإنتاج في ظل الأوضاع التي تمر بها البلاد، وعدم الاهتمام بالعملية الزراعية من حراثة وتسميد وري ومكافحة، ومتابعة الأشجار من قبل المزارع قبل بداية الموسم، بالإضافة إلى غياب السياسات الزراعية والدور الفعال للجمعيات التعاونية. وتضيف لرصيف22، بأن أسباباً أخرى قللت الإنتاج، تتمثل بعدم التصدير إلى الخارج في ظل الحرب، وعدم فتح أسواق خارجية لاستيعاب المنتج ذي الجودة العالية، وعدم وجود ثلاجات تبريد مركزية تضمن استمرارية المحصول حتى الموسم القادم، وتصريف الكميات عبر وسطاء ووكلاء وتقلص عائد المزارعين، وكذا غياب الجانب التسويقي. وتلفت الخبيرة إلى أن غياب دور الإرشاد الزراعي ومكاتب الزراعة في مختلف محافظات ومناطق إنتاج المانجو، وعدم ربط الفلاحين بهيئات ومراكز البحوث الزراعية في اليمن، قد يدفعهم للانصراف إلى زراعة محاصيل أخرى بديلة عن المانجو.
•إحلال شجرة "القات" يسوّغ عشرات المزارعين في وادي البركاني جنوب غربي محافظة تعز، العديد من المبررات لعملية اقتلاع أشجار المانجو المعمرة من مزارعهم، زاعمين أنها شاخت، إذ يبلغ عمر الشجرة ما بين 70 إلى 80 عاماً، وأن مردودها المالي بات ضئيلاً، علاوة على أنها تثمر مرة واحدة فقط في السنة. وفي ظل التنافس المحموم على الكسب السريع، اتجه كثير من مزارعي وادي البركاني إلى زراعة شجرة القات على حساب المانجو، فالمزرعة التي كانت مليئة بمختلف أنواع المانجو والفواكه الأخرى، تحولت إلى جذوع يابسة وضعت في صفوف على أطراف قطعة الأرض، يسميها المزارعون بـ"المِزراب" من أجل حماية نبتة القات المزروعة حديثاً.
يقول المزارع عبدالله البركاني لرصيف22 بأن سبب الاتجاه لزراعة القات هو تأخر شجرة المانجو في الإثمار بسبب تغيرات المناخ، ويضيف: "شجرة المانجو بحاجة لسنوات من العناية، قد تصل إلى خمسة أو ستة أعوام حتى تثمر، لكن بعض المحاصيل الأخرى تمتاز بفترة زراعية أقل، ونبدأ في حصد محصولها والإنتاج سريعاً، وتحقيق أرباح مناسبة لأكثر من موسم في السنة". ويعلل آخرون اقتلاع المانجو واستبداله بشجرة القات، بأن الأخير سيعزز من دخلهم المالي، دون وعي بما قد يترتب على هذه الخطوة، وما ينعكس على البيئة والنشاط الزراعي، ودون وجود أي رقابة على الأمر. وتتحدث تقارير عن تناقص مساحة زراعة المانجو في محافظة تعز اليمنية من 851 هكتاراً في العام 2018 إلى 834 هكتاراً عام 2020، بفارق 17 هكتاراً أي 170.000 متر مربع، وذلك نتيجة غرس شجرة القات في مساحات واسعة، وتالياً قلّت إنتاجية المانجو في تعز من 12.950 طن عام 2018 إلى 10.212 طن خلال 2020. ويرى باحثون في القطاع الزراعي، بأن هناك مخاطر تترتب على توسع زراعة شجرة القات، تتمثل بانحسار الأراضي والمساحات الزراعية، وتدهور خصوبة التربة، وزيادة الملوحة والتعرية فيها، وفقدان الفرص التصديرية، لأن نبتة القات تعد منتجاً محلياً فقط. ويشيرون إلى جملة من التوصيات لمزارعي المانجو، تتلخص بعمل جمعيات تعاونية زراعية، والاهتمام بالعمليات الزراعية قبل بداية الموسم، والحصول على الاستشارات من المهندسين والمتخصصين، ومتابعة نشرة الطقس والمناخ التنبيهية خلال العام لما لها من دور كبير، ومتابعة نشرات الأسواق الزراعية الخاصة بالمحافظات المختلفة، ونقل المحصول إلى عموم مناطق اليمن. وفي هذا السياق ينصح الاستشاري اليمني والمدرب الزراعي محمود فاروق، مزارعي المانجو وغيره من المحاصيل، بالاهتمام بالعمليات الزراعية من حراثة وتسميد وري، ومتابعة الأشجار من قبل بدء الموسم، إلى جانب زيادة الغطاء النباتي في المزارع خاصة الأشجار الحراجية وغيرها من الأصناف، لمساعدتهم في تحسين المناخ والبيئة بشكل عام، ومكافحة الأمراض والآفات الزراعية، بالإضافة إلى تنوع أصناف المانجو، وعدم الاقتصار على أصناف قلب الثور والسمكة والتيمور، كي لا تكسد الثمار في الأسواق وتنخفض أسعارها بسبب عدم الإقبال على شرائها.