أخبار محلية

"كتب دراسية، عملات، وقود، غاز".. السوق السوداء تلتهم الحركة التجارية في صنعاء

المصدر
بهاء علي

مع نشوء أزمة في إحدى السلع، أو الخدمات الأساسية، تظهر الكثير من الأسواق السوداء، أو الاقتصاد التحتي كما يسميه البعض، لتوفيرها وبيعها بأسعار مضاعفة على مرأى ومسمع من جميع أجهزة الدولة المسيطر عليها من قبل جماعة الحوثي، فيضطر المستهلك لشرائها من تلك الأسواق، بأسعار مضاعفة ومتفاوتة.

سوق المشتقات النفطية "أين نروح أين نذهب، هذا عملنا نصرف منه " هكذا عبر صادق الخولاني أحد العاملين في السوق السوداء وهو يحكي سبب عمله في هذه التجارة الغير مشروعة، بشارع خولان للمشتقات النفطية، حيث يعد أكبر الأسواق السوداء وأشهرها في صنعاء، يمتد على مساحة 15كيلومتر تقريباً، وتتوفر به جميع أنواع المشتقات النفطية التي يعتمد عليه الكثير من السكان في توفير احتياجاتهم عند الأزمات، حيث تعمل بتسعيرة موحدة في الغالب، ويمارس هذا السوق نشاطه بشكل مستمر مثله مثل الأسواق النظامية تماماً، تتم عملية البيع بواسطة سيارات (هيلوكس) مزودة ببراميل بسعة 150 لتر وأكثر وطربات صغيرة تعمل بالكهرباء ، من أجل التعبئة مباشرةً ،فيما البعض يعتمد على عملية البيع التقليدية.

الغاز المنزلي والبنزين والديزل يتم عرضها وبيعها، دون أي قيود، وتستحوذ على أماكن عشوائية بالقرب من المنازل بل تتواجد في كثير من الأوقات داخل الحارات، ويعمل الكثير من تجار تلك الأسواق على تنشيط وتغذية هذه الأسواق، من خلال تخزين هذه المواد بعبوات كبيرة جداً في منازلهم، دون وجود أي وسائل سلامة، حيث أشتعل الحريق في سوق شارع خولان مرات عديدة، وفي أسواق أخرى وفي منازل تستخدم لتخزين تلك المواد.

يؤكد صادق لـ "المصدر أنلاين"، أن العمل في هذا السوق يجلب له عوائد مالية كبيرة، كما أن العاملين فيه لديهم خبرة في جلب وبيع هذه المواد، وينتعش كثيرا أيام الأزمات، حيث تصل فيه سعر ال٢٠ لتر بنزين الى الضعف من سعرها الأصلي وكذلك بقية المواد.

ورغم مخاطر هذه الأسواق وأضرارها سواء على الاقتصاد المحلي أو على المواطن بشكل مباشر، إلا أنها أصبحت تقدم خدمة طارئة في إنقاذ البعض من أصحاب وسائل النقل الداخلي، اللذين تتوقف مركباتهم نتيجة نفاد مادة البنزين ويتم تزويدها من هذه الأسواق حسب، رضوان التويتي سائق باص أجرة.

يحصل  تجار السوق السوداء عادة على المشتقات النفطية من المحطات الرسمية في الوضع الطبيعي، وفي الأزمات يعمل البعض على جلبها من مدن أخرى لا تشملها الأزمة، وفي هذه الحالة يكون سعرها مرتفع جداً بسبب تكاليفها المرتفعة.

سوق الكتاب المدرسي اذا تنقلت في الشوارع الرئيسية للمدن التي تسيطر عليها جماعة الحوثي بما في ذلك صنعاء، ستلاحظ جلياً، كيف أصبح الكتاب المدرسي سلعة رائجة يباع على أرصفة الشوارع وفي الطرقات، في صورة تعكس مدى انهيار العملية التعليمية في بلادنا، بعد تخلي سلطات الجماعة عن توزيعه على الطلاب وبيعه في الأسواق السوداء، ونقاط بيع افتتحتها الجماعة يباع فيها المنهج الدراسي بسعر مرتفع يصل الى قرابة 20$  لمنهج الصف الأول الابتدائي. 

يطبع الكتاب المدرسي بعدة نسخ، تختلف في الجودة وكذا السعر، وفق أحد الأشخاص العاملين في بيع الكتب بالسوق السوداء "هناك كتب تطبع بالمطابع العامة للكتاب المدرسي تكون ملونه وحجمها كبير لكن سعرها مرتفع ،وكثير من العاملين بالسوق السوداء نطبعها بمطابع خارجية بجودة أقل وسعر منخفض، وهو الأكثر مبيعا

طارق مثنى مدرس في صنعاء يقول (للمصدر أونلاين) "المدارس الأهلية توفر المنهج لكن بأسعار مضاعفة حيث تبيع المنهج لصف الأساسي بمبلغ يصل الى عشرة ألف ريال ،لكن بالسوق السوداء سعره ثلاثة ألف ريال، الأمر الذي دفع الكثير من أولياء الأمور الى التوجه لهذه الأسواق.

أما المدارس الحكومية، فتعتمد بشكل أساسي على السوق السوداء حسب (مثنى) وعند رده عن سؤلنا عن دور وزارة التربية والتعليم ،أردف قائلاً وزارة التربية والتعليم في صنعاء، أكتفت باعتماد مراكز ونقاط بيع خاصة بالكتاب المدرسي، وطرحت المجال مفتوح أمام الطلاب في تحديد وجهتهم المفضلة للحصول على المنهج الدراسي.

لم يكن مضمون المنهج الدراسي الذي شملته تغيرات كثيرة محط اهتمام أكثر الطلاب وهم يذهبون الى هذه الأماكن لاقتناء ما يعتقد أنه سيحدد مستقبلهم المجهول.

سوق العملة على امتداد شارع التحرير وسط العاصمة صنعاء، يتواجد عشرات  الأشخاص يمسكون أوراقا نقدية من العملة المحلية، وينتشرون بمسافات متباعدة، يلوحون للمارة لتقديم خدمة عاجلة وسريعة لصرف العملات، مقابل الاستفادة من فارق الصرف، التي لا تقل عن أسعار الصرف في شركات الصرافة.

ويؤكد بجاش وهو مهتم بالصرافة و أسعار الصرف، أن سوق العملة مصدر مهم يعتمد عليه التجار في توفير العملة الصعبة، لتسديد مشترياتهم من الشركات بالخارج، بعد توقف البنك المركزي عن تغطية النقد الأجنبي للتجار، ويضطروا لشرائها بمبالغ أكبر من السعر الذي يحدده البنك.

الصحفي الاقتصادي (رشيد الحداد) يرى أن هذا السوق كان له أثرا بالغا في التلاعب بسعر الصرف، وعدم استقرار العملة، باعتباره غير نظامي، ولا يخضع للمعاير والضوابط التي تحددها الجهات المعنية.

اقتصاد هش "تتوسع هذه الأسواق السوداء في الدول التي تشهد أزمات فيصبح الاقتصاد هش، فيما تتقلص في الدول التي يكون اقتصادها حر وقوي" حسب الحداد الحداد الذي أكد في حديثه "المصدر أنلاين" أن الأسواق السوداء، تلعب دور محوري في ضرب ما تبقى من استقرار في الاقتصاديات الهش، رغم أن هذا النوع من الاقتصاديات تتميز بامتصاص الصدمات، لكنها تتيح هامش واسع للكسب غير المشروع لمافيا المال حسب قوله.

وبين ( الحداد) أن كافة العاملين في الاتجار غير المشروع، يكون ضحاياها الطبقات الفقيرة والمعدمة مشددا في سياق حديثه، أنه يمكن التحكم بهذه الأسواق بواسطة أهم الفاعلين في القطاعين العام والخاص، وقد تلجأ الدول الى الاستعانة بالجانب الأمني لضبط التلاعب في السوق،

زيادة الطلب وقلة العرض المحامي (عبدالرحمن علي ) يرى أن الأسواق السوداء، تنشأ عالمياً لتجنب القوانين الضريبية والتشريعات التجارية، والتهرب من دفع الضرائب على المبيعات أو المشتريات أي الاستهلاك. وفي الغالب تكون المواد المباعة في السوق السوداء مهربة ،ودخلت السوق دون تسجيلها لدى الجهات الرسمية المختصة.

وقال علي لـ"المصدر أونلاين" أن سبب نشوؤها في اليمن، كان نتيجة عجز الإنتاج الوطني والاستيراد على تغطية الطلب الداخلي، وتوسع الأزمات، و نشوء حالة سوقية يزداد فيها الطلب بشكل كبير على العرض، ما دفع الكثير الى العمل فيها، لكن على عكس ما هو متعارف عليه ليس سرا وإنما مثلها مثل الأسواق النظامية.

قوانين غير صارمة في قرار رئيس مجلس الوزراء رقم(244) لسنة2010م بشأن لائحة مخالفات تسويق المواد البترولية ومكافحة تهريبها ،لم يحدد القانون بوضوح عقوبة العمل في السوق السوداء للمشتقات النفطية ،وإنما نص في مادته(8) على تحصيل الرسوم والغرامات المقررة أو المحكوم بها بالتضامن أو التكافل من المخالفين أو المسئولين عن التهريب ،وأعقب النص ب "وفق الأصول المتبعة في تحصيل أموال الدولة وتعد المواد البترولية ووسائط النقل عند وجودها ضماناً لاستيفاء المبالغ المطلوبة"

و في المادة (9) ينص القانون ب "يجوز عند الاقتضاء بقرار من النيابة العامة بناءً على اقتراح مدير الشركة حجز ما يكفي من أموال المخالفين والمسئولين عن التهريب ضماناً للرسوم والغرامات والمصادرات والتعويضات، وفق القانون على أن تقام الدعوى بأصل الحق امام المحكمة المختصة خلال شهر يبدأ من تاريخ إيقاع الحجز"

تتكرر هذه الأسواق في أغلب المحافظات اليمنية، ولو بنسب متفاوتة، لكنها تبقى ثابتة أفرزتها الحرب، وأحياناً حاجة ضرورية لتغطية ما عجزت عنه السلطات، وإن كانت صنعاء هي الأكثر من حيث نشوء هذه الأسواق، التي أصبحت تحصيل حاصل للكثير من الخدمات الأساسية في اليمن.

المصدر اونلاين