مع ضيق المعيشة وارتفاع الأسعار عقب سيطرة جماعة الحوثي المدعومة من إيران على العاصمة صنعاء أواخر عام 2014 ومن ثم انطلاق عاصفة الحزم في مارس 2015، قرّر التربوي "صغير فارع" مغادرة منزله في مديرية حُفاش بمحافظة المحويت بحثًا عن الرزق.
لم يكن التربوي "فارع"، يدرك أن قراره المدفوع بحاجته وأسرته إلى لقمة العيش، قد ينتهي به في سجون الحوثيين، قبل أن يصدِر بحقه أمر إعدام من المحكمة الخاضعة لسيطرتهم، بعد 8 سنوات من الاختطاف والإخفاء والتعذيب والحرمان.
رحلة المعاناة كان "فارع"، يعمل معلمًا في مدرسة النور بمديرية حفاش، قبل أن يقرر- وفق شقيقه محمد- مغادرة المنطقة بتاريخ 29 سبتمبر 2015 متوجهاً إلى مدينة مارب، بحثاً عن عمل بديل يتمكن من خلاله من تأمين حاجيات أسرته.
يقول محمد "انقطع التواصل بشقيقي ولم نعرف عنه شيئا لأيام، قبل أن تصلنا معلومات من أحد المسافرين الذين كانوا برفقته في السيارة تفيد باختطافه من قبل الحوثيين في نقطة تفتيش بمديرية نهم (شرق صنعاء) على خط صنعاء- مأرب"، موضحاً أن الحوثيين أنزلوا شقيقه "وكلبشوا" يديه إلى الخلف، وربطوا على عينيه، وقاموا بضربه وركله بأقدامهم وأعقاب البنادق قبل اختطافه واقتياده إلى مكان مجهول.
تواصل عقيم من هنا بدأت رحلة أسرة المعلم "فارع"، في البحث عنه في سجون الحوثي، وأثناء ذلك استعانوا بقيادات حوثية في محافظة المحويت، علّها تدلهم على مكان اختطافه، غير أنها لم تصل إلى نتيجة، وفق شقيق الضحية.
بعد نحو 3 سنوات، يقول محمد، إن الحوثيين سمحوا لشقيقه بإجراء المكالمة الهاتفية الأولى، وتحديداً بتاريخ 20 مارس 2018، وكانت للحظات محدودة، حتى أنه لم يتمكّن من الكشف عن مكان إخفائه.
وفي أكتوبر 2020، حصلت أسرة فارع، على معلومات من مختطفين أفرج عنهم ضمن صفقة التبادل التي رعتها الأمم المتحدة بين الحكومة الشرعية والحوثيين حينها، تفيد بوجوده في سجن الأمن والمخابرات التابع للحوثيين بصنعاء.
أخبار الوحشية وهنا، يقول محمد فارع في حديثه لمعد التقرير، إن المعلومات أكدت تعرّض شقيقه للتعذيب والضرب بالهراوات والأسلاك الكهربائية على أيدي المحققين الحوثيين. مضيفاً أنهم "كانوا يقومون بربط قدميه وتعليقه بيديه المكبلتين في السلاسل وضربه على بطنه وقدميه.
واستمر هذا التعذيب في سجن الأمن والمخابرات لمدّة عام، حيث وضعه الحوثيون مع مختطفين آخرين في زنزانة رقم 14 مكتوب على بابها بالخط الأحمر "ممنوع الاقتراب".
وبعد أكثر من ٥ سنوات من المعاناة (وتحديداً في 20 مارس 2021)، تمكّنت أسرة فارع من زيارة "الأستاذ صغير" للمرّة الأولى بعد تلقيها اتصالًا من مدير أمن مديرية حفاش (المعين من الحوثيين) يبلغها بأن السلطات الأمنية الحوثية سمحت بالزيارة.
ووفق محمد فارع، فإن شقيقه (صغير) كان يعاني من مرض في معدته ومن آلام في العظام، ووجدوه أثناء الزيارة وقد تضاعفت أوجاعه مع بقائه في السجن وتعرضه للتعذيب والحرمان، وهي تتضاعف باستمرار حتى الآن.
ساطور الإعدام نهاية ديسمبر 2022، تفاجأت أسرة فارع، بنبأ يفيد بإصدار الحوثيين حكمًا بإعدام التربوي "صغير" ضمن 6 مختطفين من أبناء المحويت بتهمة "التعاون والتخابر مع العدوان" في إشارة إلى التحالف الذي قادته السعودية.
هذا القرار وفق محمد، أثار صدمة الأسرة المكلومة التي كانت تنتظر عودته سالماً كونه مختطف تعسفاً دون أي ذنب أو تهمة. وما تزال تطلق المناشدات لإسقاط قرار الإعدام الصادر بحقه وسرعة الإفراج عنه وإعادته إلى منزله ورد الاعتبار له.
أحكام إعدام مستمرة والتربوي فارع ليس الضحية الوحيدة لأحكام الإعدام التي تصدرها الجماعة، إذ يُقدّر حقوقيون أن الحوثيين أصدروا أكثر من 400 حكمًا بالإعدام بحق مختطفين ومعارضين سياسيين منذ أبريل 2018، وحتى الآن أُفرج عن 17 محكومًا بالإعدام بينهم 4 صحفيين ضمن صفقات تبادل برعاية أممية وبوساطات محلية.
وما تزال هذه الأحكام تنهال على المختطفين. آخرها حكم إعدام أصدرته جماعة الحوثي في ٥ ديسمبر ٢٠٢٣، بحق الناشطة اليمنية "فاطمة العرولي" التي اختطفت في أغسطس 2022، وأخفيت قسرياً لنحو 8 أشهر وفق بيانات حقوقية.
وجاء حكم الإعدام ضد الناشطة "العرولي" كالعادة بتهمة التخابر مع "العدوان"، والتي أمْستْ سيفاً مصلتاً على رقاب النشطاء والمعارضين في مناطق سيطرة الحوثيين. وتحتها قد يتعرض لكل أنواع الانتهاكات بما فيها الاختطاف والتعذيب والإعدام.
واللافت أن الحكم ضد "العرولي" جاء في الوقت الذي وصلت فيه المفاوضات المباشرة بين الحوثيين والسعودية (قائد التحالف الداعم للحكومة الشرعية) لإحلال السلام في اليمن إلى مراحل متقدمة.
محاكمات صورية وحول قانونية هذه الأحكام، يرى المحامي والحقوقي أمين الخديري، أنها "أحكام خارج القانون ولا مشروعية لها ولا مشروعية للمحاكمات نفسها"، باعتبار أن "الحوثيين جماعة انقلابية ولا مشروعية لها من حيث الدستور والقانون، وأنه لا يوجد فرق بين الأحكام التي تصدرها جماعة القاعدة أو داعش وبين الأحكام التي يصدرها الحوثيون"، حسب تعبيره.
ويصف الخديري، وهو مدير عام دائرة منظمات المجتمع المدني وحقوق الإنسان في الحكومة الشرعية، المحاكمات الحوثية بحق المختطفين بالـ "صورية"، ويؤكد أن أحكام الإعدام التي تصدرها "أحكام معدّة مسبقة وجاهزة لكل من يخالفها في الرأي".
وبحسب الخديري، فإن جماعة الحوثي "تختطف المواطنين من المنازل والطرقات بدوافع سياسية، وبحسب انتماءاتهم الحزبية، وتحاكمهم بناء على ذلك وتفرج عنهم بتلك الدوافع" أيضا.
عقبات أمام الحرية من جانبه يؤكد حسن القبيسي، عضو الوفد الحكومي المفاوض بملف المختطفين والأسرى، أن الحوثيين يصدرون أحكام الإعدام بحق "مختطفين مدنيين"، والهدف من ذلك، وفق القبيسي، هو "رفع السقف في عملية التفاوض، حيث يشترط الحوثيون إخراج المحكومين بالإعدام مقابل أعداد كبيرة من عناصرهم الذين أسرهم الجيش الوطني من جبهات القتال".
واعتبر القبيسي، هذه الاشتراطات الحوثية "خطوة تزيد من تعقيدات التفاوض والتقدم في هذا الملف الإنساني". موضحاً أن الفريق الحكومي واجه تعقيدات منذ بداية المفاوضات فيما يتعلق بفئة المختطفين المحكومين بالإعدام من قبل الحوثيين.
ورغم هذا، يقول القبيسي، إن "الفريق الحكومي استطاع كسر التعنت الحوثي وانتزع مختطفين محكومين بالإعدام في صفقات سابقة، رغم محاولة الحوثيين المراوغة ورفض التفاوض حولهم بهدف رفع السقف وفرض شروطهم".
المصدر أونلاين