قبل أكثر من شهر، أطلق نشطاء في مدينة تعز، حملة إلكترونية واسعة النطاق لتحريك الجمود الذي سيطر على ملف الكهرباء منذ حوالي تسع سنوات.
ولا زالت الحملة التي انطلقت تحت وسم "#تعز-طافي" متواصلة منذ أسابيع، وبدأ العمال بالفعل في صيانة محطة "عصيفرة" الحكومية، ويقول القائمون على هذه الحملة إن عودة التيار الكهربائي للمدينة المحاصرة، ستكون بشكل تدريجي خلال الأيام والأسابيع القادمة
ومنذ بدء الحملة التي رفعت شعار "الكهرباء الحكومي مطلب شعبي"، ما يزال المئات من أبناء مدينة تعز يتوافدون كل جمعة لأداء الصلاة أمام محطة عصيفرة، شمالي المدينة، تأكيدا على استمرار مطالبهم بعودة الكهرباء الحكومية.
وتوقفت محطات الكهرباء الحكومية عن الخدمة منذ هجوم مليشيا الحوثي على المدينة مطلع عام 2015، وظهرت محطات كهرباء خاصة تقدم هذه الخدمة الأساسية للسكان بمالغ خيابة مستغلة الفراغ في المؤسسة الحكومية، جراء الحرب التي أشعلتها ميليشيا الحوثي، التي لا تزال تحاصر المدينة منذ 9 سنوات.
يقول مواطنون إن هذه الحملة أعادت الأمل إليهم، بعد تسع سنوات من الظلام الدامس واليأس من توفر الكهرباء بسعر معقول، مشيرين إلى أنه منذ العام 2018 ظهرت شركات الكهرباء التجاري بالمدينة بشكل غير قانوني، حتى وصل بها الحال لبيع الكيلو الوات من الكهرباء ب1100 ريال.
وشكّلت الحملة التي يقودها مجموعة من النشطاء أبرزهم نايف الوافي، صلاح الرحال، ورقة ضغط على السلطة المحلية بالمدينة، التي سارعت لعقد عدة اجتماعات طارئة، لعمل حلول مؤقتة، كان آخرها اجتماع ترأسه وكيل المحافظة الدكتور عبد القوي المخلافي، بتاريخ 22 أكتوبر الفائت، لخفض سعر الكهرباء التجاري وإلغاء الاشتراك الشهري.
واعتمد الاجتماع، تحديد سعر استهلاك وحدة الكيلو وات من الكهرباء ب800 ريال، ابتداءً من شهر نوفمبر، مع إلغاء الاشتراك الشهري الذي يفرضه مالكو شركات الكهرباء على المستهلكين، بواقع 2000 ريال على كل مشترك.
كما جرى خلال الأيام القليلة الماضية، تشغيل تجريبي لأحد مولدات محطة عصيفرة، بقدرة 6 ميجا وات، فيما يتم العمل على صيانة المولد الآخر بقدرة 5.5 ميجا، في الوقت الذي تقول السلطة المحلية إنها تتابع محطة 30 ميجا من البرنامج السعودي لتنمية وإعمار اليمن.
ومنذ تسع سنوات، تسببت الحرب بتدمير كبير طال البنية التحتية للمؤسسة العامة للكهرباء في تعز، الأمر الذي دفع بعض رؤوس الأموال وقوى النفوذ بالمدينة إلى استغلال وضع المواطنين، وإنشاء محطات تجارية للكهرباء خارج إطار القانون وبيع سع الوات بشكل مبالغ فيه.
في البداية بدأت فكرة تأجير خطوط الكهرباء بالعام 2018، باقتراح من القائم بأعمال مدير فرع المؤسسة العامة للكهرباء عارف غالب آنذاك، على موظفي المؤسسة، وإمكانية تأجير خطوط الطاقة للشركات التجارية الخاصة، ومنذ خمس سنوات يتكبد المواطنين أعباء فواتير الكهرباء الباهظة، ما دفع الكثير منهم مؤخرا لتخفيف استهلاك الكهرباء، أو فصل التيار الكهربائي بشكل نهائي.
عمر الهلالي مالك احدى البقالات في تعز، يقول "للمصدر أونلاين"، إنه يدفع كل أسبوعين 30 ألف ريال لإحدى شركات الكهرباء التجاري، برغم امتلاكه لثلاجة واحدة يشّغلها خلال ساعات قليلة في الصباح مع بعض لمبات الإضاءة.
ويبرر ملاك محطات الكهرباء التجارية ارتفاع سعر الكهرباء، بأنهم يواجهون صعوبة كبيرة في توفير مادة الديزل، ما يضطرهم لشرائه من الأسواق السوداء بالعملات الصعبة.
من جانبه، يوضح المهندس منصور القباطي، أن المولدات الموجودة بمحطة "عصيفرة" التي جاري العمل على صيانته ستوفر الكهرباء لأجزاء واسعة من المدينة، وهي بحاجة إلى توفير المشتقات النفطية المطلوبة لتشغيل المولدات، بعد إجراء عمليات المفاقدة.
ويشير القباطي الى أنه في محطة عصيفرة، يوجد مولدات ستنتج 10 ميجاوات أي ما يعادل ما تنتجه شركات الكهرباء التجارية وأكثر من ذلك في حال تم تشغيلها بالكامل، لافتا الى أن الكهرباء ستغطي مديريات المدينة الثلاث - القاهرة المظفر وصالة - وإلى جانبها صبر الموادم.
ورغم الجهود المكثفة من نشطاء وعمال الا أن قيادات في السلطة المحلية بتعز، تؤثر الإبقاء على الكهرباء التجارية، دون بذل أي جهد لتوفير الخدمة بتكاليف أقل مما تفرضه هذه الشركات على المواطنين منذ سنوات.
يقول مدير عام مؤسسة الكهرباء بمدينة تعز عبد الكريم البركاني، في تصريحه "للمصدر أونلاين"، إن المؤسسة تعمل حاليا على تجهيز محطة عصيفرة للعمل، ومسح شبكة الضغط العالي الخارجة من المحطة إلى أنحاء المدينة، والتي تضررت كثيراً بسبب الحرب والنهب والسرقة للشبكة ومكوناتها.
ويؤكد البركاني، أنه تم تأجير شبكة الضغط المنخفض التابعة للمؤسسة بالفعل لمالكي الكهرباء التجارية في العام 2018، وذلك من قبل الإدارة السابقة، مقابل دفع مبلغ بسيط للمؤسسة، (5.9) ريال مقابل كل كيلو وات تبيعه للمواطنين.
ويوجد في مدينة تعز 14 محطة تجارية، يبلغ المشتركين بهذه المحطات، 20 ألف مشترك تقريبا.
وحسب ما ذكره البركاني، فقد تم إلغاء العقود المبرمة بين المؤسسة وأصحاب المولدات التجارية من قبل الشؤن القانونية بالمحافظة في أبريل 2021، منوها الى أن تأجير الشبكة يجب أن يتم من قبل وزير الكهرباء وليس من فرع المؤسسة في المحافظة.
ولفت البركاني، إلى أنه منذ تعينه في منتصف عام 2021 وهو يتابع الإدارة العامة للمؤسسة في عدن، ووزارة الكهرباء والطاقة، لعمل عقود جديدة قانونية مؤقتة لإيجار الشبكة، حتى عودة الكهرباء الحكومية للمدينة.
وقال إنه برغم كل الظروف فقد اضطر للتعامل مع هذه المحطات التجارية كأمر واقع، وذلك حرصاً على مستحقات المؤسسة باستلام الإيجار حسب العقود السابقة التي تم إلغائها، مضيفاً أنه ينتظر صدور العقود الجديدة من وزارة الكهرباء.
وفيما يخص الدعم من الحكومة لكهرباء تعز، يؤكد البركاني أن تعز لم تحصل على لتر واحد من الوقود الذي تقدمه المملكة العربية السعودية، منذ بداية الحرب، مشيرا الى أن شروط صرف وقود المنحة، وجود توليد يتبع المؤسسة العامة للكهرباء، أو أن المؤسسة مستأجِرة محطات توليد تجارية، حتى يتسنى لها بيع الكهرباء للمشتركين، وهذا غير موجود في تعز حتى الآن.
يقول مصدر مسؤول إنه لا يوجد دعم من الحكومة حتى الان لكهرباء تعز، مضيفا أن الحكومة تعيش حالة أزمة في ظل مطالبة أبناء تعز لها بالمشاركة وتقديم الدعم لإصلاح كهرباء عصيفرة، وإعادة التيار الكهربائي للسكان، مشيرا الى أن الحكومة لم تستطع تغطية وتوفير احتياجات محطات عدن، ولذلك فإنها غير قادرة على توفير الديزل لمحطة عصيفرة اذا أعيد تشغيلها، لافتا الى أن الحكومة إذا تمكنت من توفير كميات محدودة من الوقود فإنها لن تصل بسبب اللصوص.
الصحفي سامي نعمان يقول إن حملة (تعز طافي) هي أصدق قضية عامة حُملت في تعز منذ سنوات، لاستعادة حق الكهرباء الحكومية للمدينة.
ويضيف نعمان أن نجاح الحملة مرهون بوجود دولة صارمة لاستمرارها، حيث أن الفترة القادمة أخطر على المحطة من فترة الحرب الحوثية، مشيرا إلى أن لوبيات المنتفعين سيستخدمون كل الأدوات القذرة لإيقاف المشروع وإحراقه أو ربما قصفه.
وبسبب عجز الحكومة عن توفير الديزل للمحطة يٌرجح نعمان، أنه بعد تجهيز محطة عصيفرة، سيتم تشغيلها من قبل جهات توفر لها الديزل من السوق السوداء، وستخفض سعر الطاقة إلى النصف مقارنة بالمحطات التجارية.
يذّكر نعمان أن "محطة كهرباء عصيفرة بحاجة إلى حماية مضاعفة وإلا فسيتم ضربها بالقذائف، لأن هناك مليارات تدر لمسؤولين وتجار ونافذين وعصابات".
كهرباء تعز خدمة يحتكرها تجار السوق السوداء وبمقدرات حكومية .. (تحقيق) الى ذلك يقول المواطن محمد الحذيفي مواطن إن تعز تعاني حصارين، حصار الميليشيا الحوثية التي تمنع عنها كل متطلبات الحياة، وحصار الحكومة لها بمنع إعادة الخدمات الأساسية وعلى رأسها خدمة الكهرباء العامة.
ويشير الحذيفي الى أن مطلبه ومطلب أبناء تعز هو توفير الكهرباء الحكومية دون تأخير، باعتبارها خدمة أساسية من واجب السلطة توفيرها للمواطن بأسعار معقولة وإلا فإنه لا داعي لوجود هذه السلطة.
يتساءل الحذيفي إذا كانت مدينة تعز قدمت وما تزال آلاف التضحيات في سبيل مشروع استعادة الدولة وإنهاء الانقلاب الحوثي؛ فلماذا تتعامل الحكومة معها باللامبالاة وبالإهمال المتعمد؟.
وفي كل الأحوال ما تزال مدينة تعز تعيش بالظلام، وتعاني ويلات الحرب والحصار وفساد مستشرٍي في مفاصل السلطة المحلية، التي عجزت عن توفير أبسط الخدمات الأساسية كالكهرباء التي انقطعت بداية الحرب قبل تسع سنوات.