ربما لا يعرف الكثيرون إن فيلم البرئ بالأساس كان من إنتاج أحمد زكي، لكنه خاف من الفيلم بسبب رسالته السياسية، وقرر عدم إنتاجه، لتتحمس له الفنانة سميرة أحمد كمنتجة، رأت سميرة أحمد أن تسند الدور لنور الشريف، لكن نور الشريف قرأ السيناريو، وقال لعاطف الطيب ووحيد حامد: “الدور لايق قوي على أحمد زكي، أنا مش هعرف أعماله زيه”، فتم التعاقد مع أحمد زكي للقيام بدور أحمد سبع الليل.
واستوحى وحيد حامد قصة الفيلم من واقعة حقيقية حدثت له خلال انتفاضة 18 و19 يناير الشهيرة بانتفاضة الخبز، والتي وصفها السادات بانتفاضة الحرامية، والتي خرج الناس للشوارع فيها اعتراضا على رفع أسعار السلع الغذائية، وكان وحيد حامد في الشارع حينما تلقى ضربة عنيفة من أحد عساكر الأمن المركزي، فوجد عسكري آخر خلال الفض كان يعرفه منذ النشأة في قرية بني قريش بمركز مينا القمح في محافظة الشرقية، فقرر كتابة فيلم البرئ، وبدأ تصوير الفيلم في صيف 1984 وكان يحمل اسم (سبع الليل)، ثم تم الاستقرار على اسم (البريء) قبل عرضه عام 1986.
يحكي الفيلم عن أحمد سبع الليل الشاب الفقير، الذي لم يتمكن من تلقي تعليمه بسبب ظروف معيشته القاسية، فيتعاطف معه حسين وهدان الشاب الجامعي المثقف، ويعلمه المباديء الوطنية، ويشجعه على الالتحاق بالقوات المسلحة، ثم يُحول إلي حراسة المعتقلات، وهناك يتم غسل مخه وإيهامه أن كل من في المعتقل هم أعداء الوطن الذين يحاربون تقدم البلد، ويتم تعليمه الطاعة العمياء.
يتم القبض على حسين وهدان مع مجموعة من الطلاب اليساريين ويحوّلوا إلى نفس المعتقل الذي يخدم به سبع الليل، يلتقي الصديقان في لحظة فارقة تنكشف فيها الحقيقة للمجند المُغيّب، فيرفض تعذيب صديقه، يتم حبس الاثنين معا، يكشف حسين وهدان الحقيقة كاملة لسبع الليل الذي يثور بعدها ندما على ما فعل بالأبرياء، يتم قتل حسين بالأفاعي السامة، فيقرر سبع الليل الانتقام.
كانت نهاية الفيلم، أن يفتح سبع الليل النار، ويقوم بقتل جميع الموجودين في المعسكر قبل أن يموت هو بيد زميل له، لكن هذه النهاية لم تُعرض واستعيض عنها بنهاية شاعرية لأحمد سبع الليل وهو يعزف بالناي، وتم حذف النهاية الأصلية للفيلم بعد تشكيل لجنة رقابية مكونة من وزير الدفاع أبو غزالة ووزير الداخلية أحمد رشدي ووزير الثقافة أحمد عبدالمقصود هيكل.
وتبلغ مدة المشهد الختامي المحذوف من النسخة الأصلية للفيلم حوالي ست دقائق، وظلت النسخة الأصلية من الفيلم ممنوعة من العرض لمدة 19 عامًا قبل أن توافق وزارة الثقافة في عام 2005 على عرضه كاملًا مع النهاية المحذوفة في المهرجان القومي للسينما كتكريم للفنان الراحل أحمد زكي.
وعلى الرغم من أن المخرج الراحل عاطف الطيب، مخرج فيلم “البرئ” لجأ إلى حيلة للهروب من الرقابة، وهي كتابة تنويه قبل الفيلم قال فيه: “وقائع هذا الفيلم لا تمثل الحاضر”، إلا أن “البرئ” واجه حملة كبيرة لمنعه، وروى حامد، أنه تعرض لخديعة كبرى في أزمة فيلم “البرئ”، قائلًا: “أجازت نعيمة حمدي، التي كانت الرقيبة السينمائية وقتها، الفيلم تمامًا دون أي حذف”.
وأضاف حامد: “بدأت الأزمة مع وجود أحد المثقفين ممن يطمعون في منصب كبير بالدولة، وإذا به يقول في العرض الخاص للفيلم كيف يمكن لمجند يحمل سلاحًا أن يفتح النار على الناس، وماذا لو أطلقنا العنان للمجندين بأن يضربوا الجمهور بالنار، ثم تحول هذا الحديث بعد يومين إلى مقالات في الصحف”.
وتابع حامد: “لقد خدعني المنتج أنا وعاطف الطيب، وقال لنا إن موعد لقاء وزيري الدفاع والداخلية، يوم الأربعاء المقبل وبالفعل أقمنا ورشة عمل ثنائية للرد على كل ما يثار حول الفيلم، فإذا به يقص الكثير من المشاهد المهمة ومنها لقطة النهاية، ويعرض الفيلم على الوزيرين يوم الثلاثاء دون وجودنا”.
ربما لم يلاحظ الكثيرون دلالة اسم العقيد توفيق شركس، الذي قام بدوره محمود عبد العزيز، فاسم شركس إشارة للضباط الشراكسة ممن كانوا يسؤوا معاملة ضباط الجيش المصري ويترقون على حسابهم، في إشارة من وحيد حامد إن الضباط من عينة توفيق شركس هم الشراكسة الجددد.
ويظهر الرمز الواضح في اسم نوارة للشخصية التي جسدتها إلهام شاهين، فربما قصد وحيد حامد من الشخصية الإشارة لمصر، خاصة إن نوارة تقول لسبع الليل في زيه العسكري: “انت طولت رقبتي بين الناس”، ربما في إشارة لحرب أكتوبر، ثم يقول له حسين وهو يحتضر: “زي ما جبت نوارة ترجعها تاني”، في إشارة لأن سبع الليل هو الذي عليه أن ينهى كل هذا لأنه المتسبب فيه من البداية.
بالمناسبة، الفيلم واحد من أفضل أدوار إلهام شاهين في مسيرتها الفنية، وجسدت فيه دور الفتاة الفلاحة ببراعة شديدة.
تنبأ الكاتب وحيد حامد بانتفاضة العساكر، وعُرض الفيلم سنة 1985، وبعدها بعام سنة 1986 حدثت انتفاضة الأمن المركزي الشهيرة، والتي خرج فيها عساكر الأمن المركزي للشوارع معترضين على شائعة مفادها زيادة عدد سنوات الخدمة العسكرية لـ 5 سنوات بدلا من 3، وبسبب هذه المظاهرات تم إقالة وزير الداخلية أحمد رشدي، وهو واحد من أفضل وزراء الداخلية في تاريخ مصر.
أجور نجوم الفيلم
قال المنتج صفوت غطاس زوج الفنانة سميرة أحمدفي لقاء ببرنامج “صباح الورد” إن الفيلم كانت ميزانيته ضخمة، وتكلف الفيلم 400 ألف جينه، ووقتها كان أعظم فيلم تكلفته 100 ألف جنيه.
وأضاف أن الفنان محمود عبد العزيز حصل على 26 ألف جنيه، فيما حصل الفنان أحمد زكي على 25 ألف جنيه، والمخرج عاطف الطيب 11 ألف جنيه، موضحا أن هذه كانت أجور الفنانين في هذه الفترة.