أثار الجمهور المغربي ضجة على السوشيال ميديا وهو يغني أغنية “جانا الهوا”، لعبد الحليم حافظ، في حفلة للمطرب أمين بو دشار، ما أثار انتباه الناس في مص هو حفظ الجمهور للأغنية على اختلاف أعمارهم رغم مرور أكثر من 50 سنة على وفاة صاحبها.
لكن الجمهور المغربي بشكل خاص يعشق عبد الحليم حافظ، فهو واحد من أشهر المطربين المصريين في المغرب، بسبب علاقة الصداقة التي جمعته بالملك الحسن، والد الملك محمد الخامس الملك الحالي للمغرب، والذي كان صديقا مقربا للغاية من حليم. وكان الملك يحب حليم و يرعاه ويتولى علاجه بالخارج على نفقته الخاصة، بل وفي صورة شهيرة يفتح الملك دولابه لحليم ويطلب منه أن يختار البدلة التي يفضلها، فاختار حليم بدلة شهيرة، ظهر بها لاحقا في حفلاته.
والعلاقة بين الثنائي وثيقة الصلة، فأرسل الملك الحسن الثاني إلى أشهر مصمم أزياء عالمي للرجال وقتها واسمه “سمالتو”، وطلب منه أن يصمم بدلتين من نفس القماش والشكل والتصميم، واحدة له والأخرى للعندليب، وجعل “سمالتو” يوقع على تعهد يمنعه من تصميم بدلة مثلها قبل 30 عاما وهو ما حدث.
تعرف على قصة بدلة العندليب للمصمم الإيطالى الشهير "سمالتو" - اليوم السابع كما أن واحدة من سيارات عبدالحليم، كانت من نوع “الفيات 130 موديل 74، 3200 سي سي أتوماتيك”، ولونها فضي، وكان يوجد منها 4 سيارات فقط فى مصر، واحدة عند الرئيس السادات وواحدة يمتلكها مقار وهو وكيل السيارة في مصر، وأخرى عند السفير البريطاني في مصر، والرابعة عند عبد الحليم وأهداها له الملك الحسن الثاني.
وعبد الحليم الذي جمعته علاقة صداقة قوية بملك المغرب، كاد أن يتورط في الانقلاب عليه، والإطاحة بحكمه وحكم عائلته للأبد.
الحسن الثاني وعبد الحليم في صورة من المغرب
كانت المناسبة الاحتفال بعيد ميلاد الملك في قصر الصخيرات في العاصمة الرباط في العاشر من يوليو 1971 عندما فوجئ الضيوف في القصر بدخول عربات عسكرية تضم أكثر من 1200 جندي وضابط، ظن الضيوف في البداية إنها قوات تابعة لعرض عسكري، لكن الحقيقة إنها قوات انقلابية حضرت للانقلاب على الملك.
كان الانقلاب بقيادة الكولونيل محمد اعبابو وبإشراف الجنرال محمد المذبوح، وكان أعبابو مدير المدرسة العسكرية الشهيرة في المغرب وقتها “أهرممو”، فاقنع طلاب المدرسة والعساكر إن هناك خونة يتربصون في الملك ويجب أن يتخلصوا منهم، فذهب العساكر لهذا الغرض، لكن الأمر كان انقلابا عسكريا للتخلص من الملك نفسه. وذهبت القوات كذلك للإذاعة، التي كان عبد الحليم حافظ متواجدا بها للانتهاء من أغنية أعدها تمجيدا لصديقه الملك، لكن الانقلابيين دخلوا الاذاعة وحاصروها.
فبينما كان عبدالحليم حافظ منهمكا في الغناء في أحد استديوهات الإذاعة المغربية، إذا بمجموعة من العسكريين يحملون البنادق الآلية يتقدمهم شخص يحمل رشاشا ويده على الزناد مصوبا السلاح باتجاه عبدالحليم حافظ مهددا بقتله فورا إذا لم يطع الأمر وينفذ التعليمات.
وطلبوا من عبد الحليم قراءة بيان للانقلاب، في الواقع لم يكن هناك بيانا مكتوبا، بل طلب الانقلابيين من حليم أن يقول كلمات من شأنها تحبيب الناس في الانقلاب.
كان حليم أذكى من أن يقع في هذا الفخ، فرفض الأمر، وبرر ذلك بأنه مصريا يعني أجنبي عن البلاد، ويفضل أن من يقوم بذلك شخص مغربي، فاقتنعوا بكلامه وتورط في ذلك الملحن المغربي عبد السلام عامر الذي كان يرافقه وزوجته في الإذاعة، وكان صديقا شخصيا لعبد الحليم حافظ، ليعرف عبد السلام عامر بالفنان الذي ألقى بيان انقلاب الصخيرات، ليعيش حياة تعيسة للغاية بقية حياته، بالمناسبة كان عامر كفيف البصر منذ طفولته.
كان هناك ضابط يعرف بعلاقة حليم بالملك، وإنه متواجدا في الإذاعة لتسجيل أغنية تمجيدا في الملك، فصار يضرب حليم ويركله، لكن هناك ضابطا آخر كان يحب أغاني عبد الحليم خلصه من يديه، وأشار عليهم بوضع عبدالحليم في احدى الغرف واغلاقها عليه حتى اتمام اجراءات الانقلاب كاملة ليحددوا بعدها مصيره.
وقبل ان يتم اغلاق باب الغرفة قام الضابط بإعطاء عبدالحليم نسخة من مفتاح الغرفة وهمس في أذنه بعيدا عن كل العسكريين الذين كانوا معه بأن يهرب عندما يتسنى له الظرف المناسب في هدوء من الاجواء، وحذره إن العسكريين سيطلقون عليه النار لو عرفوا بنيته في الهرب، وطلب منه الحذر لأنه يحبه.
الأزمة الكبيرة هي أن عبد الحليم ورفاقه صاروا محاصرين داخل الإذاعة المغربية، وعبد الحليم مريض ويحتاج للعلاج، ظل عبد الحليم يكرر إنه محتاج لحقنة العلاج وإلا سيموت، لكن نداءاته لم تجد صدى لدى الانقلابيين، كان في المغرب وقتها عدد من الفنانين المصريين، وعندما بقى حليم محاصرا داخل الإذاعة، قلق زملائه في فندق الهيلتون عليه، فقرروا القيام بأي مبادرة للإفراج عنه.
كان في المغرب وقتها عدد من النجوم منهم محمد عبد الوهاب وشادية وفريد الأطرش ومحمد الموجي، قرر عبد الوهاب والأطرش عدم مغادرة الفندق لأن الرصاص لم يتوقف، لكن شادية قررت التضحية بحياتها لإنقاذ حليم، فخرجت هي ومحمد الموجي والسفير المصري وقتها حسن فهمي عبد المجيد للذهاب إلى الإذاعة لتخليص عبد الحليم، كان السفير المصري وقتها يعرف بسفير الجمهورية العربية المتحدة.
وصل الجميع للإذاعة لكن لم يعرف الضابط المسئول لا شادية ولا الموجي ولا حتى الجمهورية العربيىة المتحدة، لكنه عرفهم عندما قالوا له إنهم من مصر، فسمح لهم بالدخول، بعد إن قال لهم: “من مصر، غلبناكم 3- صفر، إذن ادخلوا ادخلوا”.
على الهامش: (بالفعل فازت المغرب على مصر 3-0 فى تصفيات كاس الامم 1972، ثم كسب منتخب مصر في القاهرة بنتيجة 3-2 وسجل لمصر حسن الشاذلي هدفان وطه بصري هدف، وغاب منتخب مصر عن المشاركة في نسخة 1972 من بطولة كأس الامم الافريقية التي أٌقيمت في الكاميرون بعدما خسر أمام المغرب بنتيجة 5 – 3 في مجموع مباراتي الذهاب والاياب، وهي النسخة الثالثة التي يغيب عنها منتخب مصر، بعد غيابه عن نسخة 1965 بسبب خلافات مع تونس البلد المستضيف، وغيابه عن نسخة 1968 بسبب توقف النشاط الرياضي بعد نكسة يونيو 1967).
واستطاعوا فك الحصار عن حليم ونجحوا في أن يتناول حليم أدويته التي كان مهددا بالوفاة لو لم يتناولها في مواعيدها، وضحت شادية والموجي بحياتهم لإنقاذ حليم من الموت المحقق في الإذاعة المغربية.
عراب صفقة السلاح صديق حليم
لم تستمر علاقة حليم بالملك على وفاق دائم، فحدث خلاف بين الملك وحليم قبل الانقلاب، وهناك من يقول بأن أحد المطربين المغاربة الكبار كان منزعجا من مكانة عبد الحليم في البلاط الملكي فوشي به، لكن الرأي الأقوى هو أن عبد الحليم ذهب يوما إلى الجزائر وغنى للنظام الجزائري، وكانت الخلافات بين البلدين على أشدها، فصدرت الأوامر بمنع أغانيه في المغرب، بل وتم منعه من إقامة حفلات هناك.
لكن الصحفي المغربي مصطفى العلوي نصح حليم أن يسجل رسالة بصوته لملك المغرب ليشرح له موقفه وقصة ما حدث، وهو ما تم، وحصل الصلح بين الملك وحليم، وأقام حليم حفلات كثيرة في المغرب بعدها، وكان عبد الحليم يرعي اليوناني المعروف في المغرب بالمهدي وكان مطرب خفيف الظل ونال شعبية كبيرة في المغرب، وكشفت تحقيقات النيابة مع قادة الانقلاب بعد ذلك إن السلاح المستخدم في اقتحام القصر، كانت صفقة كان وكيلها المطرب اليوناني المهدي فتم اعتقاله، ولا يوجد مصدر واضح يحكي ما حصل له بعدها.
مصير عبد السلام عامر
نجا حليم من الواقعة، أما عبد السلام عامر فتم حبسه إلى أن تدخل الأمير مولاي عبد الله ليطلق سراحه ( مولاي عبد الله هو الابن الثاني للملك محمد الخامس أول ملوك المغرب بعد الاستقلال عن فرنسا، وعينه شقيقه الملك الحسن الثاني في عام 1972 ممثلاً شخصيًا له).
وتم فرض شبه إقامة جبرية فنية عليه، وطمس تاريخه الغنائي، وظل 8 سنوات يعاني من الفقر والمرض، حتى توفي يوم الاثنين 14 مايو سنة 1979 بمستشفى ابن سينا بالرباط على إثر عملية جراحية أجريت له لاستئصال الزائدة الدودية وهو مصاب بمرض السكري.
ونقل جثمانه إلى مدينة الدار البيضاء بدلا من مسقط رأسه القصر الكبير وذلك حسب توصيته، ودفن بمقبرة الشهداء وهو لم يكمل بعد الأربعين سنة من عمره.
فشل الانقلاب، وحكم علي 10 بالإعدام منهم 4 جنرالات، وتم العفو على أكثر من 1000 طالب بالكليات العسكرية شاركوا في الانقلاب بعد خداعهم إنه لحماية الملك، ورحل الملك في 20 يوليو 1999 وتولى بعده ابنه الملك محمد السادس في 23 يوليو 1999، وهو يحكم المغرب حتى وقتنا هذا.