كلُّ ما يتعلق بحياة اليمنيين تحوَّل إلى لعبة سياسية قذرة، وملفات وخيوط تُمسك بها أطراف ملعونة عديدة، تاريخٌ طويل حافل بتدخلات خارجية في اليمن، لم تُترَكْ اليمن لحالها يوماً، ولا مُنح اليمنيون فرصة واحدة ليصلوا إلى حل يمني - يمني، كل ما يحدث ملخص لأجندات دولية ورغبات إقليمية، هل يعتقد العالم أجمع أن اليمنيين لو تُركوا بمفردهم سيظلون يتقاتلون بينهم حتى الأبد، أم أنها الحقيقة الغائبة غير المسموح بها؟ وهذا أمر خطير على أنفسهم، وعلى الإقليم المحيط بهم، وعلى العالم، وعلى مسرح الجغرافيا الخطيرة المحيطة بهم، فلم نعد ندري هل اليمن ضحية الجغرافيا أم ضحية جيرانها؟ ضحية السعودية وإيران أم ضحية الاستعمار القديم والجديد بكل وجوهه وألوانه اللعينة، أم ضحية الهضبة والانفصاليين، وضحية شواطئه الممتدة، وموانئه التي تسيل لها لعاب دول النفط التي كانت إلى ما قبل سنوات عبارة عن "خيمة ومعزتين" كما قال رئيس مصر السادات؟ أم ضحية ناسه وأهله وذممهم الواسعة وغياب أي شعور وطني بالانتماء، وعاداته الاجتماعية التي سلبت الولاء للوطن، وحل مكانها الولاء للقبيلة والطوق وللمال المُدنَّس الزائل؟ والحقيقة التي مثل الشمس هي أن اليمن ضحية كل ذلك وأكثر.
سنوات من التفاوض في السر والعلن بلا جدوى، لأنَّ أكثرَ السياسيين اليمنيين توابع لمن يدفع ثمن العمالة والارتزاق، أما فاتورة الحرب الباهظة فإنَّ المواطن والوطن اليمني وأجيال من اليمنيين القادمين هم من يدفع أبهظ الأثمان، ومن سيدفع في كل مجالات الحياة بلا استثناء، وهذا نشاهده ماثلاً للعيان، والسعودية تريد أن تتحول من معتدية إلى وسيط، وهي التي يقع عليها دفع تكاليف الحرب والسلام، فهي التي مهَّدت الطريق، وأعطت الضوء الأخضر لدخول المليشيات صنعاء، وغيرها من مدن اليمن، ولما اكتشفت أن حساباتها كانت خاطئة، أو أن لها أجندات أخرى دخلت الحرب، ودمّرت البلاد والعباد هي وشركاؤها بلا هوادة ؛ وقادت عدواناً خارجياً همجياً بمنتهى الصلف، وتركت الشعب في مواجهة عدوان داخلي يتمثل في كل ما ارتكبته وترتكبه المليشيات منذ وصولها صنعاء وما قبل وحتى اليوم، إنَّ ما فعلته بالوطن والشعب والأرض والإنسان لم تفعله أعتى الديكتاتوريات، إن مجرَّد حصر الفظائع التي ترد في شريط أخبار أي قناة وطنية منحازة إلى الوطن، منذ سنوات، تكفي لملء الأرض ظُلماً وعُدواناً وقتلاً ولصوصية ونهباً..
منذ دخولهم صنعاء لم يبقَ من البنك المركزي سوى المبنى، وموارد الدولة التي كانت قائمة تحولت إلى جيوبهم وذممهم وبدروماتهم الخفية، لم يبنوا مدرسة ولا وضعوا حجراً على حجر، حتى لو قيل لهم: كونوا دولة، فذلك من المستحيلات الأربعة؛ لأنهم وُجدوا ليكونوا عصابة وكفى، والعصابات نهاياتها مجهولة، وزمن تواجدها غير محدد، إلا بأحد أمرين: إذا امتلك الشعب إرادة قوية لاجتثاثها، أو جاءت معجزة إلهية، وهذا هو المستحيل بعينه؛ لأن الله لا يحارب نيابة عن المظلومين.
لطالما بدأت الحروب بإرادة اليمنيين، وانتهت بغير إرادتهم...!!
كل ما يتعلق باليمنيين اليوم أصبح شأناً سياسياً بأيدي تجار الحروب، وما أكثرهم..!!
تسليم الرواتب، فتح الطرقات، رفع الحصار، ناقلة صافر، التي تهدد البحر الأحمر وحياة الصيادين وأرزاق اليمنيين، عودة الكهرباء، تصدير النفط والغاز، الصحة، التعليم، كل شيء، نعم كل شيء، يمس حياة اليمنيين، تحول إلى لعبة سياسية ومفاوضات عقيمة، وشهور تجر بعضها، وسنوات تتطاول وتطول، تسع سنوات مرَّتْ بغمضة عين، خسر الشعب كل شيء، وربح تجار الحروب والفاسدون كل شيء...!!
اليمن اليوم يمر بفترة عصيبة حقاً، لم يحدث مثلها منذ سنوات بعيدة حتى حرب 94م كانت لها مآلاتها، وكان بإمكان أي سياسي قراءتها، ورؤية ما سوف يترتب عليها، لكن ما يحدث اليوم وما يتعلق بالوحدة اليمنية أي محلل أو قارئ دقيق لرياح السياسة يجهل مصير اليمن، وما سوف يترتب على تدخلات شياطين الإقليم، وأجندات تجار الحروب.
اليوم أسوأ السيناريوهات في اليمن لا يخطر على بال الشيطان بذاته.
وهذان البيتان للبردوني يلخصان نص ما بيد الشيطان أو ما بأيدي الشياطين جميعاً في اليمن:
أشباهُ ناسٍ وخيراتُ البلادِ لهم
يا للرجال، وشعبٌ جائعٌ عاري
أشباهُ ناسٍ دنانيرُ البــلادِ لهم
ووزنُهم لا يساوي رُبعَ دينـــارِ