هل انا ضد خطوة فعلية للسلام تغير واقعنا اليمني وتعيد للناس حياتهم المفقودة؟ بالطبع لا، حتى هذه الخطوة بكل اختلالاتها سأنظر لها كأمر واقع، متعايشا مع نظرتي المتشائمة لما سيكون عليه المآل.
لكن البعض تساءل لماذا الحرب، لماذا لم يحدث هذا من البداية؟ وسأقول ان الحرب كانت ضرورة، لتثبيت الملامح الحالية. شرعنة مراكز قوى جديدة بالحرب، وتأكيد شرعية لاعبين جدد، لم يكن بالإمكان تصويغها خارج الحرب.
ايضا تثبيت واقع معنوي ونفسي، بالنسبة لليمنيين يتكيف مع الواقع الجديد، ويتقبل أي وضع، بعد ان تدهور طموحه السياسي الى عودة شبه حياة، وشبه راتب خسر ثلاثة ارباع قيمته.
وطوال تلك السنوات خسرنا، فرص ممكنة، ونستفيق على وضع مدمر، بلد كانت تعاني من بنية تحتية هزيلة، كانت تراكم عقود تعود الى الستينيات.
هذا بخلاف حقوق طفيفة امتلكناها بعد تضحيات جسيمة لليمنيين، لكنها اليوم تعرضت للسلب، وسيتم شرعنة ذلك برعاية العالم.
ماذا عن الجبايات والأشكال النافذة خارج اطار القانون، لن استطرد هنا، لكن تخيلوا معي كل ذلك. وكل التضحيات والدماء، اليمنيين الذين فقدوا وظائفهم ومساكنهم، وفقدوا أمنهم الغذائي.
الحرب التي تراكمت بالخراب، لتعلن وجها لليمن ممزقا وتراجيديا، يشبع فقط النفوس الصغيرة، التي استبدلت الوطن بتعصبات ضيقة مناطقية وطائفية.
وكل هذا تحت يافطة السلام، لكن هل حصلنا عليه او سنحوزه؟ وفي تصوري حصلنا على أرض، هي حقا لنا، لكنها منزوعة وعائمة على براميل متفجرة، وستبقى محكومة بترتيبات اقليمية ودولية.
فالأطراف المتصارعة، ستحصد مكاسبها من الحرب، وهناك من قبض ثمن ذلك مسبقا، لتبقى لليمني رحلة تيه وسط أراض مسدودة، بعلامات ومحاذير وآلات قمع، وسيبقى فقط صورة معلنة لإحسان يتشدق بقيم انسانية، ويسعى متحالفا مع الشرور احتجازنا في حظيرة واقع ترتديه الخصومات والأحقاد، لنرتعي منها.
لكن علينا ان نتمسك فيه كذاكرة وحلم، والذاكرة والحلم يتقاطعان، كي لا نتباكى على ماض لم يكن كما نريد، لكنه في ظل حاضر أكثر سوء بكثير، يتجمل.