حتى الآن، لم يعد مفهوماً لماذا تأتي تصريحات قادة الجيش الوطني في اليمن على غرار "إنّ القوات على استعداد لتحرير المحافظات من مليشيا الحوثي". فما الذي تنتظرونه إن كنتم قادرين على ذلك؟!
قبل عامين، حدثت مواجهات عسكرية بين الجيش والمليشيات الحوثية في محافظة الجوف، حيث سيطر الحوثيون على معظم المناطق هناك، وانسحب الجيش إلى مناطق شرقية في مأرب والصحراء. وقبل يومين، بعد أن كنّا ظننا أنّ تلك المعركة منسية، جاء تصريح لقائد المنطقة العسكرية السادسة اللواء هيكل حنتف، ليقول إنّ الجيش، أو بالأحرى قواته على وجه الخصوص، في أتمّ الاستعداد لتحرير المحافظة من الحوثيين!
مرة أخرى: ما الذي ينتظره قائد الجيش إن كانت لديه القدرة على تحرير الجوف؟ هذه التصريحات ليست منقطعة عن نظيراتها، هي تشبه تصريحات متعدّدة، تكاد تكون متواترة ولفترات طويلة ،عن قدرة الجيش على تحرير الكثير من المحافظات من سطوة الحوثيين.
سبق لوزير الدفاع السابق، محمد المقدشي، أن صرّح عدّة مرّات بأنّ الجيش قادر على هزيمة الحوثيين واستعادة المحافظات بما فيها صنعاء، لكن هذا الجيش لم يخض معركة واحدة منذ خمس سنوات، هدفها تحرير محافظة واحدة أو ربما منطقة واحدة. وما زالت الخريطة العسكرية للحرب منذ خمس سنوات على ما هي عليه، باستثناء سيطرة الحوثيين على مناطق من محافظة الجوف قبل عامين.
تحركات الجيش كلها تصب في استراتيجية الدفاع، لا الهجوم، لذا نسأل: هل بإمكان كلّ القادة العسكريين ذوي المناصب الرفيعة والنياشين البارزة أن يقولوا لنا، كيف يمكن استعادة المحافظات وهزيمة الانقلاب، ونحن لم نخض هجوماً عسكرياً واحداً ضد الحوثيين منذ سنوات؟
نعم، نحن نملك البندقية، ولكننا على ما يبدو، لا ننوي إطلاق النار.
لا يمكن فهم هذه التصريحات من جهة تفضيل خيار السلام بديلاً عن الحرب أو التوصل إلى تسوية سياسية كما يُقال في المؤتمرات الصحافية والتصريحات التلفزيونية... نحن في اليمن ندرك أنه لا يمكن أن يكون هناك سلام بوجود هذه التعقيدات، وما سيجعل الوضع قابلاً للعيش هو سيطرة طرف وانهزام طرف آخر، وكلّ سلام بوجود هذه التعقيدات هو تأجيل للحرب أكثر، أو على الأقل استمرار الوضع على ما هو عليه.
لو كان من الممكن التوصل إلى السلام لكانت الأمم المتحدة قد توصلت إلى شيء في سعيها المستمر منذ سبع سنوات، لكنها حتى الآن، وبعد تعاقب أربعة مبعوثين أمميين، ليس هناك ما يمكن أن يعدّ إنجازاً مهماً لهذه المنظمة التي أنشئت لحفظ السلام ومنع الحرب.
ما ينقصنا في هذا السياق هو الشفافية التي انعدمت في الحالة السياسية اليمنية، هل يملك القادة السياسيون الجرأة ليقولوا بصدق: هل نحن قادرون على هزيمة الحوثيين أم لا؟ وهل السعودية هي التي تعيق ذلك؟
إذن، في النهاية يمكن القول: لا معنى لهذه التصريحات، وسبق أن قال أنطوان تشيخوف: إذا كانت هناك بندقية معلّقة على الحائط في الفصل الأول من رواية، فلا بد من استخدامها في إطلاق النار في فصل تالٍ، وإلا فلا حاجة لوجودها.
نعم، يملك الجيش الوطني في اليمن البندقية، وهي معلقة على الحائط، ولكنه على الأرجح لا ينوي إطلاق النار في فصل تالٍ، ولا حتى في أعوام قادمة.