أصدرت الشؤون الإسلامية في المملكة العربية السعودية قرارا يلزم أئمة المساجد ب"القراءة النجديّة".
والقراءة النجدية تلاوة على نغَم معين درج عليه أهل نجد منذ عشرات السنوات، وبتعبير آخر هي مقام لحني ليس من المقامات السبعة الرئيسية المعروفة، لكنه يتوسط مقام "البيات" و"الصبا"، وهو إلى "البيات" أقرب.
ليس صحيحا أن القراءة النجدية خاطئة كما يُشاع؛ بل هي قراءة سليمة تلتزم بقواعد اللغة والتجويد، لكنها غير صارمة في الالتزام بقواعد التجويد المعروفة، وقد كان الشيخ محمد عبدالله السبيّل والشيخ عبدالله الخليفي من أشهر من يقرأ في الحرم المكي بهذا النمط، وعلى نحو قليل القارئ عبدالله خياط.
وكمقام الحجاز بالنسبة لأهل الحجاز، ومقام الحسيني لأهل العراق، ارتبطت القراءة النجدية جغرافيًا ب"نجد" وبمنطقة "الدرعية"، المركز الحضاري القديم للسعودية، واشتهر بها أهل هذه المنطقة التي كوّنت النواة الأولى لحكم آل سعود.
كانت السعودية و"هضبة نجد" على سبيل الخصوص، تقرأ بهذا المقام حتى الانفتاح الديني الذي رافق فترة "الصحوة" في ثمانينيات القرن الماضي، فتسربت المقامات الأخرى ثم شاعت، وغدا معظم مشايخ السعودية يقرؤون بها، منهم مشايخ الحرم، الذين يقرؤون بمقام الرست، كالشيخ السديس والشيخ الشريم، في حين بدأت القراءة النجدية بالتراجع والانحسار.
تُعـِد السعودية "الصحوة" وما رافقها من تغيرات طرأت على المجتمع السعودي، إبّان التحشيد لحرب السوفييت، غلطةً يجب أن تُصحح، والتصحيح يجب أن يبدأ بإحداث قطيعة بين السعوديين و ما أنتجته الصحوة من تحولات على المستوى الديني والثقافي والفكري، بما فيها التلاوة بالمقامات التي تعدها "دخيلة" على المجتمع، وانقلابا على "التلاوة الوطنية".
ولعلنا نلحظ كيف بدأت السلطات، مؤخرا، بتدشين حملات عن العادات السعودية الأصيلة و الزي الوطني السعودي، وكيف استعرضت في عيد التأسيس المنصرم، لأول مرة، نساءً سعودياتٍ بزي تقليدي، ودشنت حملات إلكترونية على غرار هاشتاج ( زيّنا يوم بَدينا).
في واقع الأمر، فإن الأمر لا يتعلق بحماية التراث وحراسة الموروث، بل برغبة سعودية ملحّة في ترسيخ مركزية قيَم "نجد" في الذهنية السعودية، في مقابل قيم "الصحوة" الطارئة والدخيلة على المجتمع السعودي، وبتعبير أوضح فإن الأمر يتعلق (بحراسة النظام الحاكم لا حراسة الهوية).
مبعث تلك الرغبة هو القضاء على الأصوات التي أنتجتها الصحوة، والتي دعت، وما تزال، لإجراء إصلاحات سياسية عميقة في نظام الحكم والإدارة، وهي أصوات تقبع حاليا في السجون السعودية، وأصوات أخرى مازالت تتنامى في المهجر.
تلك الأصوات تشكل التهديد الأبرز لنظام الحكم في السعودية؛ لهذا فإن السلطات ترغب بالتخلص منها بمبرر العودة للأساس، ويبدو أن فكرة "العودة للأساس" سيكون غطاء جيدا لممارسات السلطات السعودية الحالية، خصوصا أنه ينسجم مع التوجه الجديد بالانفتاح ونوايا التحديث المزعوم.