تريدون الحديث عن الخذلان، تعالوا أقول لكم ما هو!
قصة رونالدو، أحد أهم أبطال كرة القدم في التاريخ، بطل بوزن الذهب، لكنه اليوم بسنينه الـ٣٧ غادر ملاعب مونديالات كأس العالم للأبد، غادر والحسرة تملأه ويعصر قلبه الألم. نعم هكذا كان يمشي وحيداً بخطى ثقيلة نحو غرفة الملابس وما من أحد معه سوى الدموع التي انهمرت على خديه.
كيف حصل هذا يا الله؟! ليس لأن منتخب المغرب انتصر على منتخب البرتغال وأقصاه من النصف النهائي، لأنه في هذه الحال سيكون حال رونالدو هو حال جميع اللاعبين في فريقه ومعهم المدرب، جميعهم حزانى وحيدون ويبكون في غرفة الملابس. لكن لرونالدو سببٌ أخر، سببٌ شخصي وعنوانه "الخذلان".
من الذي خسر رونالدو اليوم وأنهى بطولته الاستثنائية من غير كأس أو صعود إلى مربع الذهب كما يقولون؟! بل والأمر من ذلك، من الذي أنهاه وهو على دكة الاحتياط تارة، ولاعب شوط يتيم في التارة الأخرى في مشهد يشيء للناظر أن وجود رونالدو في ذلك الشوط كان غير مرحب به!
الذي خسر وأقصى رونالدو، كما أقصى منتخب بلاده من البطولة، هو بلاده: البرتغال. البلد الذي يبدو لي غريباً، إذ ظهر لي كبلد يحارب نجومه ورموزه، يحارب رونالدو ولا أدري ما السبب، كما لا أعلم إلا القليل عن سيرة رونالدو وتاريخ البرتغال الكروي أو وضعهم في السياسة أو الاقتصاد، أو كيف هو عليه مجتمعهم. قد أكون متسرعة ومجحفة في حكمي هذا على البرتغال عامة، وادارة المنتخب خاصة، ولكنه ما وصل إلى احساسي ووددت أن أشاركه معكم.
هل رأيتم كيف تحتفي البرازيل أو الارجنتين بنجومها، كيف أن الأرجنتين مثلاً تعلي من شأنهم بل وتمجدهم، كيف غطت صور مارادونا وميسي صور المدرجات والشوارع في قطر، كيف أن أسماءهم صنعت الهتافات والأغاني، كيف كان اعتراف ميسي بأن ماردونا مدربه وقائده، وكيف كان اعتراف ديماريا بأن ميسي صديقه قبل كل شيء، وكيف أن ألفاريز وكلهم يحبون ميسي كبطل وطني قبل أن يحبوه كقائد للفريق.
هكذا كانت الفرق والبلدان في امريكا الجنوبية رغم ضعف حالها السياسي والاقتصادي، إلا أن حالها الانساني ورأسمالها الاجتماعي والبشري كان قوياً ومؤثراً وأقوى من امبراطوريات الاعلام في أوربا والعالم الرأسمالي. وأكاد أجزم، لو أن رونالدو ولد في بلد من بلدان أمريكا الجنوبية وحمل ألوان علمها على قميصه لما رأيناه اليوم حزيناً بتلك الصورة الموجعة.
أيتها البرتغال، أنتِ لم تحترمي رونالدو فقط، أنت لم تحترمينا أيضاً، لم تحترمي ذكرياتنا وذكريات أبنائنا الذين يلبسون قمصان رونالد بالرقم (7) ويحفظون سيرته وعدد أهدافه وتمريراته وميدالياته وجوائزه وكرياته الذهبية، لم تحترمي مشاعرنا وجزء من وجداننا الحديث، لم تحترمي مشاركتنا في قصة عالمية هي ملك للجميع، لقد أقصيتي الكل، رونالدو ونحن.
على كل حال، سيظل رونالدو بطلاً عابراً للحدود وملكاً لكل الجنسيات، ومثالاً لكفاح الفرد الصلب نحو اللامستحيل.