جزيلان.. الثائر الذي غيبه الٳعلام 1

في تاريخ الشعوب.. أجيال يواعدها القدر، ويختصها دون غيرها بأن تشهد لحظات التحول الحاسمة في التاريخ.

أنه يتيح لها أن تشهد المراحل الفاصلةفي تطور الحياة تلك المرحلة التي تشبه مهرجان الشروق حين يحدث الانتقال العظيم ساعة الفجر من ظلام الليل الى ضوء النهار.

إنها تشهد لحظات باهرة لم تصنعه وحدها، وإنما تشهد النتيجة الظافرة لتفاعل عوامل أخرى كثيرة واصلت حركتها في ظلام الليل الأسفع الرهيب، وعملت وسهرت، وبذلت من ذات نفسها، لتدفع الثواني بعد الثواني الى  الانتقال ساعة الفجر.

بهذه الكلمات افتتح اللواء عبد الله قائد جزيلان كتابه الاهم عن التاريخ السري للثورة اليمنية 26 سبتمبر مسجلاً بذلك شهادة أهم قائد عسكري شارك في تنفيذ وصناعة اللحظة الحاسمة في تاريخ الثورة السبتمبرية،.

ولقد كان جزيلان _ومن موقعه كمدير للكلية الحربية ومدرسة الاسلحة الذي كان ضباطها وطلابها هما صناع وأبطال تلك الثورة _ واحد من أولئك الذين اختصهم القدر بشهادة بل وصناعة تلك اللحظة التاريخية في حياة الشعب اليمني..

وكان اللواء جزيلان واحد من الجيل الذي واعدها القدر لتعيبل

لحظات الانتقال العظيم من ظلم الليل الدامس الذي امتد مئات السنين الى ساعة الفجر وضوء النهار.

يؤكد اللواء جزيلان أن أقدامه على كتابة ونشر هذا الكتاب هو ليكون نبراساً للأجيال القادمة طلائع الغد المشرق في اليمن، حتى تكون الصورة واضحة القسمات بدون زيف أو تزييف، مؤكداً ثقته بأن الحقيقة وحدها هي الباقية على مر الأيام.

 وللاسف فأنه وبعد نصف قرن مضى من عمر ثورة 26سبتمبر ولاتزال هناك العديد من الحقائق التي يجهلها كثير من الناس عن هذه الثورة بشخوصها وأحداثها وماعرفته الاجيال عن الثورة فيه الكثير من الغموض وأحيانا التلفيق نتيجة غياب التوثيق الدقيق والأمين لمجريات وأحداث الثورة الأمر الذي أدى الى تهميش وتغييب عدد من المناضلين والأحرار الذين شاركوا في صناعة هذا الحدث العظيم والى جانب غياب التوثيق الدقيق

في المقابل هناك العديد من الثوار والمناضلين الذين كانوا من أبرز قيادة الصف الاول في قيادة الثورة وكانت لهم إسهامات كبيرة في نجاحها والوصول بها الى بر الأمان لكنهم آثروا الاعتزال السياسي بعد سنوات من قيام الثورة حينما أحسوا أن هناك من يلهثون وراء المطامع الشخصية والخلافات الحزبية والمناطقية وان مصلحة الوطن اخر مايعنيهم

ولقد كان اللواء عبدالله جزيلان _ وهو القائد الاهم والابرز في ثورة سبتمبر _ من أوّل المغادرين للسلطة بعد انقلاب 5نوفمبر1967م.

والذي كان أخر مسؤولية تولها هي نائب رئيس الوزراء، ونائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، وعضو مجلس قيادة الثورة، إضافة الى مناصب أخرى كان تولها بعد الثورة...

في هذه الحلقة والحلقات القادمة نحاول أن نستعرض أهم ما جاء في مذكرات اللواء جزيلان الذي صدرت أوخر ثمانيينات القرن الماضي . بعنوان التاريخ السري للثور اليمنية، وتعد من أهم الكتب و المذكرات التى تحدثت  بحقيقة ما جرى قبل وليلة السادس والعشرين من سبتمبر.

وهذه أبسط محاولة نحاول فيها تسليط الضوء على دور هذا البطل اليماني المغمور، خصوصاً وانما جاء في شهادته يتطابق بشكل كبير  مع شهادات أخرى،أكدت جميعها دور اللواء جزيلان الحاسم والكبير في ثورة السادس والعشرين من سبتمبر.

إلا ان الكتاب الذي يتكون من ثمانية فصول حاول أن يتوسع فيه المؤلف الى قبل تلك الحظة التاريخية الخالدة وبالتحديد الى بداية وجذور النضال اليمن ضد أسرة بيت حميد الدين والتى استولت على السلطة بعد انسحاب القوات العثمانية من اليمن عام 1918م فبدأ أسوأ نظام حكم عرفه التاريخ.

حسب اللواء جزيلان الذي يؤكد ذلك بمثلين من عهد الامام يحي الذي خاض معه الشعب اليمني حرب ضروساً  ضد الاتراك حتى أخرجهم من اليمن فلاح في الأفق ان عهداً جديداً  يوشك ان تشرق شمسه، لاسيما بعد ان استتب الأمن في البلاد، إلا ان الامام  أبقى كل شيئ كما هو ، جهل ،وفقر، ومرض، وتخلف.

بل وابتدع أساليب أكثر خبثاً من حكم الاتراك، فبدد الامل الذي، داعب خيال الشعب، وذهب به الأمر أن حول القليل من المدارس والمستشفيات ومظاهر المدنية التي أدخلها الاتراك الى قصور خاصة له املاك تخدمه شخصياً ،ولم تعد تقدم الخدمات البسيطة التى أنشئت من أجلها.

ومثال أخر من عهد الإمام أحمد الذي جاء والليل الحالك السواد يلف اليمن في طياته والسجون تفتح أبوابها وتقول :هل من مزيد?

وسيف الجلاد ظمآن باستمرار، يريد أن يرتوي من دماء الابرياء.

ولكي يعرف القارئ العقلية التي كانت تحكم اليمن في عهد ماقبل الثورة يذكر لنا اللواء جزيلان الموقف التاريخي المشهور:

عندما قامت الوحدة بين مصر وسوريا بعث الإمام أحمد برقية الى الرئيس جمال عبدالناصر يطلب فيه الانضمام الى هذه الوحدة، وتقول البرقية بالحرف الواحد:

(من أمير المؤمنين الناصر لدين الله الامام أحمد حميد الدين 

الى فخامة الرئيس جمال عبدالناصر

لقد استخرت النجوم  وبعد الحساب الطويل،  تبين لنا أن نجمكم يكسب نجوم الآخرين، ويغطي عليه، ولهذا نريد، أن ننضم اليكم، والولد البدر في طريقه الى عندكم لبحث الامور، ونقل رأينا)

ويعلق اللواء جزيلان :بهذه العقلية المشعوذة كان الإمام أحمد يحكم الشعب اليمني في النصف الثاني من القرن العشرين ويقرر علاقته بالدول والشعوب حسب حساب، النجوم، وكم من مآسٍ ارتكبت في حق. الشعب نتيجة الشعوذة.