صرح الحوثيون بأنهم قبلوا تمديد الهدنة لأسباب إنسانية ، لكن شحنة الانسانية في تصريحهم لم تصمد كثيراً أمام الحقيقة التي تضمنها التصريح ذاته حيث ربطوا نجاح الهدنة بتحقيق أهداف انقلابهم الذي أغرق اليمن في كارثة الحرب والدمار.
تريد مليشيات الحوثي أن تقول أن بيدها أن تمنح الهدنة ، وأن بيدها أن تمنعها ، وهم بهذا إنما يؤكدون أنهم هم الذين يتحكمون في مسار هذه الكارثة التي تسببوا فيها ، بدءاً بالانقلاب ، مروراً بالحرب ، وصولاً إلى تداعيات الوضع العام المأساوي الذي يعيشه اليمن.. من هنا تصبح الهدنة من وجهة نظرهم شأناً حربياً، أي أنها استراحة محارب لا أقل ولا أكثر، وأنها لا شأن لها بالسلام الذي يتطلع اليه الشعب اليمني بعد طول معاناة ويدعمه العالم من منطلق إنساني بعد أن تراجعت السياسة في تقديم عنوان واضح للسلام بسبب ما أصابها من خذلان .
هل تتحول الهدنة بهذا إلى معركة بين مفهومين أحدهما يتعاطى معها كشأن حربي ولا يراها أكثر من كونها مجرد حيلة للحصول على المزيد من المكاسب اللوجستية التي تعزز قدرته العسكرية ، وآخر يرى أنها قد تكون طريقاً للسلام ، فبقدر ما يتحقق من مصالح للناس فإنها تصبح محمية بهذه المصالح ، يعني فتح الطيران ، تشغيل الموانئ ، رفع الحصار عن المدن المحاصرة ، حرية التنقل ، انتظام دفع الرواتب ، إعادة توحيد المؤسسات .. الخ ، وأن من شأن كل ذلك أن يفكك حالة الحرب إلى عناصرها المكونة لها بحيث يمكن التعامل مع كل عنصر بحاله ، مما يؤسس لمسار موضوعي للسلام يصعب تجاوزه .
الحقيقة التي لا يمكن تجاهلها هي أن القضية اليمنية سياسية بالدرجة الأولى ، وأن محاولة تحويلها الى قضية انسانية يغيب معها جوهر المشكلة السياسي لن يجعل من الهدنة سوى محطة استعداد لمواصلة إضرام الحرب .
الحرب في الوقت الحاضر فقدت زخمها ، وأخذ أوارها يخبو بعد أن فشل الانقلابيون في توسيع رقعة انقلابهم ، كما فشلوا في اقناع الناس بمشروعهم ، واستنفدوا طاقتهم في قمع واخماد معارضيهم من الشعب الذي يرزح تحت وطأتهم ، وبعد أن حشدوا قسراً إلى محرقة الحرب وساحات الموت شباب اليمن وأطفاله في مشاهد لا يمكن أن يسجلها التاريخ إلا كتعديات على الانسانية يعاد انتاجها على ذات المنهج الكهنوتي وبنفس الأدوات ، ولذلك يجب أن لا يسمح بتحويل الهدنة إلى محطة للتلهي بمعاناة الناس بالحديث عن "الانسانية" المفرغة من دلالاتها السياسية التي يتحقق معها سلام ودولة واستقرار وبناء.