علي والشيطان .. نقاش

أثارت مقالتنا جدلا واسعا حول تحالف علي مع قطاع الطرق للإطاحة بنظام الخليفة عثمان من أجل استرداد "حقه الإلهي".

 الردود، الجيد منها والرديء، استندت إلى هذه الحجج:

- الأشتر ومحمد بن أبي بكر (رجال علي) لم يشتركا في قتل الخليفة

- الأشتر لم يكن في المدينة

- علي لم يدافع عن القتلة وإنما أجل محاكمتهم كي لا تشتبك الخلافة مع قبائلهم وتحدث فتنة

- علي من الصحابة، والصحابة دين وليسو موضوعا تاريخيا.

-استند الغفوري إلى ترهات تاريخية وحيل لغوية في تمرير تخيلاته عن التاريخ.

- اشترك أبناء علي في الدفاع عن عثمان بأمر من أبيهم، ما يفي عنه تهمة التآمر.

حسنا..

١- قاد الأشتر سلسلة من الثورات ضد ولاة عثمان في عدد من الحواضر في العراق، ثم انطلق إلى المدينة وقاد المتمردين في الهجوم على منزل الخليفة، وفي طريقه اعتدى على صفية زوج النبي وكانت قد هبت مع النساء للدفاع عن بيت الحاكم.  سنترك كل المؤرخين جانبا ونختار شيخهم الأكبر: البخاري. سنجد في كتابه  "التاريخ الكبير: ٧/ ٢٣٧" ما يلي:

عن كنانة مولى صفية أم المؤمنين قَال:

 كنت أقود بصفية لتَرُدّ عنْ عثمان فلقيها الأَشْتَرُ فضرب وجه بَغلتِهَا حَتى مالت، فقالت: رُدونِي لا يَفْضَحنِي هَذَا.

 قالَ الْحَسنُ فِي حديثه: ثم وضعت خشبا مِنْ منزلها ومنزل عثمان تنقل عليه الماء والطعام.

لنبق مع البخاري، وسيتفق معه لفيف كبير من المؤرخين:

الأشتر في المدينة، الأشتر يهاجم زوجة النبي، زوجة النبي تدافع عن الخليفة (وهي من أصول يهودية)، الأشتر يهاجم من يدافع عن بيت الخليفة بمن فيهم صاحبة المقام الرفيع (السيدة الأولى، أم المؤمنين) ويكاد يفضحها. لا يوجد أي ذكر في كل كتب التاريخ لغيرة علي على زوجة النبي، زوجة ابن عمه. يقتل الخليفة ويرتب علي جيشه ويذهب إلى العراق ثم الشام لقتال المسلمين ويكون الأشتر قائد جيشه، ثم سيعينه واليا على مصر فيلقى حتفه في الطريق. إذا لم تجدوا كتاب البخاري فابحثوا في الكتب التالية:

الطبقات الكبرى لابن سعد، تاريخ الطبري، البداية والنهاية لابن كثير، وغيرهم.. على أن البخاري يفي بالغرض.

الأشتر الذي قاد الهجوم على منزل الخليفة (بصرف النظر عما إذا كان قد وجه له طعنة مباشرة أم تجول في منزله منتصرا) يصبح قائدا لجيش علي في صفين، ثم يحصد قرارا بتعيينه حاكما لمصر! ما معنى هذا التحالف الأزلي، وهذه المكافأة؟ في رسالة علي إلى أهل مصر مديح رفيع المستوى للأشتر، يعكس الرضا التام عن تاريخ الرجل.

٢- كان الأشتر في المدينة، وصل إليها مع عصابته مندسا ضمن وفد من الحجيج. لنراجع حديث البخاري الذي أورده في التاريخ الكبير، ولنذهب إلى الجزء الثامن من الطبقات الكبرى لابن سعد ص. ١٠١ وسنجد الأخبار.

مرة أخرى:

القاتل الذي تسلل مع الحجيج، ثم اقتحم بيت الخليفة وشارك في تصفيته يصبح قائدا لجيوش الخليفة الجديد وواليه الأهم وصانع انتصاراته.

٣.   أجل علي محاكمة القتلة اتقاء للفتنة، أو كما يبرر ابن تيمية في منهاج السنة: كانوا عسكرا، وكان لهم قبائل تغضب لهم.

هذا الهراء على لسان ابن تيمية لا يستقيم مع أي فصل من فصول التاريخ. فقد تجاوز علي مسألة محاكمة القتلة إلى توليتهم قيادة الجيش وأجهزة الدولة. فإذا كان قد تجنب المساس بالأشتر، خوفا من أتباعه كما يبرر ابن تيمية، فالأدهى أنه سلمه الجيش في صفين، ثم ولاية مصر!

غير أن هذا ليس أسوأ ما في سيرة علي. فالرجل الذي قال إنه يريد أن "يدفع أفسد المفسدتين" ، كما يبرر له أهل السنة، قام وجمع جيشه وزحف إلى العراق ثم الشام ليخوض حربين ضد جيشين يقودهما كبار الصحابة وزوجة النبي، متسببا في شرخ الإسلام إلى فلقتين متقاتلتين حتى الآن.

في الحربين قتل من المسلمين ما يداني الربع مليون كما تذهب مراجع تاريخية عديدة. أليس غريبا أن يخوض علي بن أبي طالب حربين إقليميتين، ضد المسلمين في العراق والمسلمين في الشام، غير آبه بالفتنة والمفسدة؟ وحين يتعلق الأمر بقتلة عثمان، وهم مئات من المتمردين على مدى نظره، يتذكر الفتنة والمفسدة ووحدة الصف!؟

٤. الصحابة دين لا تاريخ.

 تخبرنا كتب التاريخ عن الصحابة: من زنا، ومن سرق، ومن قتل، ومن خان، ومن والى الروم ضد المسلمين، ومن صار سكيرا، ومن تفرغ للجواري والغناء، ومن تمرد، ومن اعتزل، ومن .. أي: كانوا مجتمعا بشريا بحتا، يجري عليهم ما يجري على كل المجتمعات. لنختر صحابيا واحدا، من أشهر أصحاب النبي وممن شهدوا بيعة الرضوان: المغيرة بن شعبه. يقول عنه الإمام الذهبي في "سير أعلام النبلاء"، الجزء الثالث:

كان ينكح أربعا جميعا، ويطلقهن جميعا، وكان يصاحب المرأتين بين نارين تشعلان.

ولنقرأ هذه الحادثة الشهيرة التي رواها عشرات المؤرخين والمحدثين بمن فيهم البخاري في صحيحه:

دخل  أربعة من الشهود على عمر وشهدوا على المغيرة بن شعبه. قالوا:

"رأينا نفساً تعلو ، أو إستاً تنبو ، ورأينا رجليها على عنقه كأنهما أذنا حمار ، ولا ندري يا أمير المؤمنين ما وراء ذلك".

ويحدث أن يتلعثم الراوي الرابع، أمام توسل الخليفة له في أن لا يفضح رجلا من أصحاب محمد، وتجمد القضية ويجلد الشهود

كانوا مجتمعا بشريا، ولو كانوا دينا لما ارتكبوا مذبحتين عظيمتين ضد بعضهم أمام العالم كله.

٥- مما سبق نرى أننا لم نستند إلى ترهات.

٦. فيما يخص دفاع أبناء علي عن بيت الخليفة.

مرة أخرى: ماذا كان علي وبنوه يفعلون كل الوقت في المدينة والجيوش تخوض حربا ضد إمبراطورية روما في الشمال، وبقايا فارس في الشرق؟ تقول مصادر عديدة أن أبناء علي وقفوا أمام منزل عثمان مع من وقف من المسلمين، ولكنهم غادروها قبل اقتحامها، ولم يشتبك منهم أحد مع المهاجمين ولم يصابوا بأذى. فما معنى أنهم دافعوا عن بيت الخليفة؟ ولماذا لم يستخدم علي وجاهته في الذود عن رئيسه؟ هل كان أقل وعيا وخيالا وشجاعة من صفية؟

وأسوأ من كل هذا على الإطلاق:

اقرؤا أشعار الحسين، لا أقواله ولا من قالوا عنه.  للحسين قصائد كثيرة مكسورة الوزن وساذجة البناء ولكنها تقول الكثير: لا تكاد قصيدة واحدة منها تخلو من تحسره على ذهاب "ميراث النبي" إلى غير أهله. بعض تلك النصوص قالها في حياة أبيه، ويتوقع منه أن يحمي منزل مغتصب ميراثه!

٧- اشتراك محمد بن أبي بكر (ربيب علي بن أبي طالب وابن زوجته) في الهجوم على منزل عثمان ذكره لفيف هائل من المؤرخين يفوق عددهم الحصر. وعندما وجد ابن تيمية نفسه في مأزق وهو يحاول أن يفسر ما جرى قال إن "محمد" لم يكن صحابيا ولم تكن له أي فضيلة تروى (منهاج السنة).

ويا للعجب وياللمربي!

 أن يتربى شاب في منزل علي ابن أبي طالب وعندما يبلغ ال ٢٥ عاما نكتشف أنه رجل بلا فضيلة!