تُعدّ فرنسا، بعد الولايات المتحدة، أهم مزود أسلحة للتحالف السعودي - الإماراتي المنخرط في الحرب اليمنية منذ 2015. من الذي يجهز ويصلح طائرات التحالف القتالية؟ أين يتم تكوين العسكريين؟ أين تُنتج القنابل التي تضرب الأسواق والمنازل اليمنية؟ هنا تحقيق عن الشركات الفرنسية الكبيرة التي استفادت من الحرب بدعم من الدولة الفرنسية.
أسفر النزاع في اليمن عن مقتل 110 آلاف شخص خلال سبع سنوات، منهم ما يقرب من 13 ألف مدني، وفقاً لبيانات المنظمة غير الحكومية "أكليد" (Acled)، المتخصصة بجمع البيانات حول النزاعات المسلحة. لم تكف الحكومة الفرنسية، منذ انطلاق التدخل العسكري للتحالف العربي بقيادة السعودية ضد المتمردين الحوثيين في مارس/آذار 2015، عن نفي تورط فرنسا. في يناير/كانون الثاني 2019، أكدت فلورانس بارلي، وزيرة القوات المسلحة الفرنسية، لقناة "فرانس أنتير" الإذاعية، "أننا لم نقم أخيراً ببيع أي سلاح يمكن استخدامه في الصراع اليمني". وأوضحت أن المعدات التي تم تسليمها تستخدم فقط "لضمان حماية الأراضي السعودية من الهجمات الباليستية الآتية من اليمن".
بعد بضعة أشهر من ذلك، في 15 إبريل/نيسان 2019، أثبت تحقيق عنوانه "صُنع في فرنسا" أجراه موقع "ديسكلوز" الاستقصائي، مدعم بتقرير صادر عن مديرية المخابرات العسكرية "دي أر أم" (DRM)، عكس ذلك. ولم تشارك طائرات ومروحيات ودبّابات ومدافع فرنسية في هجمات التحالف فحسب، بل استُخدمت هذه الأسلحة لاستهداف مناطق مدنية.
تحقيق "ديسكلوز": لم تشارك طائرات ومروحيات ودبّابات ومدافع فرنسية في هجمات التحالف فحسب، بل استُخدمت هذه الأسلحة لاستهداف مناطق مدنية
عمل أيضاً، وبعناد، وزير الخارجية الفرنسي السابق، جان إيف لودريان، على الحفاظ على الرواية الرسمية. وأصر في 13 فبراير/شباط 2019، أمام لجنة الشؤون الخارجية في الجمعية الوطنية، التي لم يكن لها تفاعل كبير، بأن فرنسا "لا (تقدم) أي شيء لسلاح الجو السعودي". وهي كذبة تتجاهل تسليم شحنات من أدوات الليزر لتحديد الأهداف من مجموعة "تاليس"، والتي تمّ إرسالها إلى السعودية على الأقل حتى 2017، فضلاً عن آلاف الصواريخ المصنوعة في فرنسا والتي تم تسليمها لتحالف السعودية العسكري.
أعطت الدولة الفرنسية، سنة 2019 وحدها، الضوء الأخضر لـ47 عقداً لتصدير ذخيرة إلى السعودية، وطوربيدات وصواريخ وقذائف موجهة ومواد متفجرة أخرى، بقيمة إجمالية مليار يورو للسعودية، و3.5 مليارات يورو للإمارات. في العام التالي، 2020، قفزت هذه التراخيص بنسبة 40 في المائة للسعودية و25 في المائة للإمارات.
اليمن بين مطرقة التحالف وسندان الحوثي
تتوافق هذه الأرقام مع تراخيص التصدير الممنوحة من قبل اللجنة الوزارية، شديدة الغموض، لدراسة صادرات المواد الحربية (CIEEMG). تسمح هذه الأرقام بتقييم مدى شهية الصناعيين الفرنسيين وزبائنهم في حالة حرب، حتى لو كان في نهاية المطاف عدد العقود الموقّعة - والسرّية - أقل في كثير من الأحيان.
ترفض الحكومة الفرنسية، لغاية الآن، الكشف عن تفاصيل الأسلحة التي تمّ تسليمها بالفعل لكل دولة أجنبية. مع ذلك، تُبرز تقاريرها العامة، التي تُقدَّم كل عام إلى البرلمان، مدى أهمية التجارة مع اثنتين من أكثر الدول تدخلاً في الشرق الأوسط، السعودية والإمارات، وهما على التوالي ثالث وخامس أكبر زبون للأسلحة الفرنسية.
نعلم بالتالي من هذه التقارير أنه بين عامي 2015 و2021، سلّمت فرنسا معدات عسكرية وذخائر وخدمات صيانة بنحو 9 مليارات يورو إلى السعودية، قائدة التحالف العربي المشكل لدعم الحكومة اليمنية ضد المتمردين الحوثيين.
لم تعد الفجوة الكبيرة بين خطابات فرنسا وأفعالها في ما يتعلق باحترام حقوق الإنسان لتُتقبل، أكثر فأكثر، من طرف الرأي العام. في مرسيليا ولوهافر، منع عمّال الميناء (دوكير) شحنات موجهة إلى السعودية. وفي الجمعية الوطنية الفرنسية، دعا نواب ومنظمات غير حكومية إلى فتح لجان تحقيق وتعليق الصادرات إلى التحالف العربي. وقد أصبح اليوم غالبية الفرنسيين يؤيدون ذلك.
لمطاردة الحوثيين الذين يختلطون بالسكّان، يقوم أعضاء التحالف العربي بمهاجمة المزارع والأسواق والمراكز الصحية أو مواقع التزود بالمياه. وقد قُتل ثلثا الضحايا المدنيين الذين سجلتهم منظمة "أكليد" غير الحكومية حتى عام 2019 نتيجة قصف للتحالف.
لم يضع إعلان السعودية وقف إطلاق النار في 30 مارس 2022 حدّاً لا لغارات عملياتها المسماة "إعادة الأمل" ولا لهجمات الحوثيين. وفقاً لمنظمة "أكليد" غير الحكومية، قتل في غضون 5 أشهر ما يقارب 400 يمني ونفذ تحالف الرياض ما يقارب 200 قصف جوي. في خضم ذلك تساعد فرنسا الإمارات على تجديد مخزونها من الصواريخ.
في 3 ديسمبر/كانون الأول 2021، نالت شركة تصنيع الصواريخ (MBDA) عقدا بقيمة ملياري يورو لتجهيز 80 طائرة "رافال" طلبتها الإمارات من داسو. حتى لو لم تكن طائرات "رافال" جاهزة قبل عدة سنوات، فإن صواريخ (MBDA) قابلة للاستعمال، بمجرد تسليمها، على طائرات "ميراج" العاملة فعلياً في اليمن. بالنسبة للرئاسة الفرنسية، فإن هذا العقد "التاريخي"، "تتويج أساسي للشراكة الاستراتيجية بين البلدين".
ترفض الحكومة الفرنسية، لغاية الآن، الكشف عن تفاصيل الأسلحة التي تم تسليمها بالفعل لكل دولة أجنبية
مجموعة تصنيع الصواريخ (MBDA)، المملوكة بشكل مشترك بين إيرباص والشركة البريطانية بي أيه إي سيستمز (BAE Systems) والإيطالية ليوناردو، هي المزود الأوروبي الرئيسي للتحالف. سلاح الجو الإماراتي مجهز بصواريخ كروز من طراز بلاك شاهين (Black Shaheen)، وهو أحد أنواع نظام كروز طويل المدى المستقل المسمى "سكالب" أو "ستورم شادو"، والذي يتميز حسب إشهار البيع للمصنّع بـ"دقة استهداف عالية بفضل نظام ملاحة متطور".
هذه الصواريخ، التي هي في الخدمة أيضاً لدى الجيش السعودي، يتم تجميعها في وسط فرنسا هي الأخرى، وتعد ورقة رئيسية للتحالف. وهي محملة بـ400 كيلوغرام من المتفجرات قادرة على تفجير مبنى بضربة واحدة ويمكن تشغيلها على جميع طائرات التحالف المقاتلة: تايفون، تورنادو وغيرها من طراز ميراج 2000.
في وسط فرنسا، صواريخ
وبما أن صاروخ ستورم شادو/سكالب برنامج فرنسي بريطاني، يتم توزيع إنتاج المكونات بين المواقع الصناعية في إنكلترا وتلك الموجودة في بورج، حيث تشغّل MBDA (مجموعة تصنيع الصواريخ)، 1700 عامل.
يتم إنتاج النظم الإلكترونية والحاسوبية لهذه الصواريخ في محافظة شار الفرنسية. يتم فيها أيضاً اختبار الذخيرة - بعد تجميعها - في المختبرات التي تحاكي ظروف الطيران المختلفة (مثلاً عن طريق تعريض الصاروخ لدرجات حرارة قصوى). وفي بورج أيضاً، تقوم الشركة المتوسطة Aérospatiale SME ASB بتصنيع البطاريات الحرارية الضرورية لدفع هذه الصواريخ على بعد أكثر من 400 كيلومتر من هدفها.
تحتوي أيضاً الترسانة السعودية المدرجة من قبل المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية، إحدى القنابل الرئيسية في كتالوغ مجموعة تصنيع الصواريخ (MBDA): صاروخ بريمستون (Brimstone- "الكبريت")، والذي يمكن تحميله على الطائرات كما على الدبابات، ويتم تصنيعه في لوستوك، بضاحية مانشستر. كما تم أيضاً اللجوء إلى عمال بورج لتصنيع أول منضدة اختبار صواريخ بريمستون، تم شحنها جاهزة للتشغيل إلى إنكلترا.
تؤوي بورج والبلدية المجاورة، لاشاپیل سان أورسين (La chapelle Saint-Ursin)، مصنعين لشركة نكستر (Nexter) ينتجان مجموعة متنوعة من ذخيرة المدفعية. وقد طلب السعوديون من الشركة، في خضم الحرب الأهلية في اليمن، تسليمهم قذائف 120 ملليمترا لتسليح دباباتهم لوكلير- Leclerc.
في 2016، خططت شركة نكستر لبيع 53 ألف قذيفة و50 ألف مكون متفجر - والتي تسمى "صواريخ مدفعية" في القاموس العسكري- إلى الإمارات، وفقاً لمذكرة من الأمانة العامة للدفاع والأمن الوطني (SGDSN) بتاريخ 1 يونيو/حزيران 2016، كشف عنها موقع "ديسكلوز".
تحت رئاسة فرانسوا هولاند، لم يكن للقانون الدولي وحياة اليمنيين أي وزن أمام المصالح الاقتصادية الفرنسية
في لافيرتي سان أوبان (La Ferté Saint Aubin)، جنوب مدينة أورليان، كان من المقرر أن تقوم جونغانس ((Junghans - وهي شركة متوسطة تمتلك مجموعة تاليس نسبة 49 في المائة منها - بتزويد الحرس الوطني السعودي بـ41500 صاروخ من ذخيرة مدفعية عيار 155 ملم، مزودة بمدافع سيزار من نفس القطر. وقد بلغت القيمة الإجمالية للعقود 350 مليون يورو. على الرغم من تردد بعض الدبلوماسيين في ذلك الحين، أعطت الدولة الفرنسية الضوء الأخضر. في عام 2016 ذاك، كان دفتر الطلبيات ممتلئاً إلى درجة أن شركة نكستر لم تكن تمتلك قدرة إنتاجية كافية. وبقصد إرضاء الزبون الإماراتي في أسرع وقت ممكن، تم أخذ القذائف من مخازن سلاح الفرسان الفرنسي.
توظف مجموعة تصنيع الصواريخ (MBDA) ونكستر ومناولوهما 5000 شخص في مدينة بورج، أي 10 في المائة من العمالة في المنطقة الحضرية. تشارك شركة تصنيع الصواريخ MBDA في لجنة تحكيم المسابقة المحلية للشركات الناشئة في قطاع الدفاع "Def Start"، وكانت حتى راعي نسختها الثانية.
تشرح إيرين فيليكس، رئيسة المنطقة الحضرية بورج Plus: "بعد فترة من إعادة الهيكلة في نهاية التسعينيات، زادت عمليات التوظيف في قطاع الدفاع بشكل كبير منذ خمس سنوات، وذلك بفضل طلبيات من الجيش الفرنسي ودول أخرى". ولا تُقلق الاتهامات بالتواطؤ في جرائم الحرب الموجهة ضد الشركة الرائدة في المنطقة هذه، المنتخبة من اليسار المتنوع. وتجيب "أوريان 21": "تعرف الصناعات الدفاعية جيداً الإطار الذي يمكن أن تعمل فيه. تدعم المجموعة الإقليمية النسيج الصناعي، ولكنها لا تتدخل في الأمور الدبلوماسية التي تديرها الدولة".
على بعد 200 كيلومتر من بورج، في مقاطعة اللوار، تُعد شركة نكستر، التي تمتلك الدولة الفرنسية نسبة 50 في المائة منها، وزناً ثقيلاً في الصناعة المحلية.
في رُوان، حيث توظف ما يقارب 1400 أجير، يقوم مصنعها بتسليم مدافع سيزار التي تعد السعودية أحد أكبر زبائنه. وقد استلمت السعودية، بين 2018 و2021، 42 مدفعا.
تحت رئاسة فرانسوا هولاند (2012 – 2017)، لم يكن للقانون الدولي وحياة اليمنيين أي وزن أمام المصالح الاقتصادية الفرنسية في داخل اللجنة الوزارية لصادرات الأسلحة (CIEEMG).
في صيف 2016، بعد سنة ونصف من بدء العملية السعودية - الإماراتية، أسكتت وزارة القوات المسلحة مخاوف الدبلوماسيين في كي دورسي (مقر وزارة الخارجية الفرنسية) الذين كانوا قلقين بشأن "عدم التطابق مع التزاماتنا الدولية". كان من المستحيل إعادة النظر في عقود أبرمت مع دول تمثل "ما يقرب من ثلث حجم صادراتنا". أيّد ديوان فرانسوا هولاند، بل وأمر حتى، بـ"عدم الرجوع عن القرار المبدئي لدعم شركائنا الاستراتيجيين من خلال صادراتنا".
محركات صواريخ من تولوز
بعد وصول إيمانويل ماكرون إلى السلطة في 2017، تم الاحتفاظ بعقيدة هولاند مع استثناءات ضئيلة. خلال الولاية الأولى (2017 ـ 2022)، أعطت اللجنة المشتركة بين الوزارات (CIEEMG) ما لا يقل عن 77 رخصة تصدير للذخيرة للسعودية و87 ترخيصاً لحليفتها الإمارات. عدد قليل فقط من العقود تم إسقاطها. بـ"لافيرتي سانت أوبان"، اضطر مصنع ذخيرة لـ"تاليس" إلى إيقاف شحناته إلى السعودية ابتداء من صيف 2020. يقول موظف في فرع الدفاع لمجموعة "تاليس" التي تمتلك الدولة الفرنسية 26 في المائة منها: "حذرت مصالح الدولة تاليس بأن رخصة التصدير السارية حتى يونيو 2020 لن يتم تجديدها؛ وبالتالي سارع موظفو لافيرتي بشحن الطلبيات السارية للسعودية.
لم يكن هذا العقد بقيمة بعض الملايين من اليوروات حاسماً بالنسبة لمصنع "لُواري" الذي يعتمد بنسبة 70 في المائة على طلبيات وزارة القوات المسلحة الفرنسية".
قبل التعليمات الجديدة كان هذا الموقع القديم لشركة "تي دي آي" TDA للتسليح، الذي أدمج في "تاليس"، يوفر ذخيرة مدفعية عيار 120 ملم للسعوديين. وقد تم تصوير هذه القذائف في ميادين القتال في اليمن، من طرف مصور لوكالة "أسوشييتد برس" في إبريل 2015.
ليست منطقة الوسط، فال دي لوار، هي وحدها المساهمة في المجهود الحربي للتحالف السعودي الإماراتي. ففي تولوز، يقوم مصنع "سافران باور يونيتس" Safran Power Units بتجميع أجزاء محرك TR60 القوي والمصمم خصيصاً لدفع صواريخ ستورم شادو/ سكالب. وتشيد الشركة الأوروبية الرائدة في المحركات التوربينية على موقعها على الإنترنت بـ"نجاعته وأدائه التشغيلي الذي تم إثباته في الميدان خلال العديد من النزاعات".
كم من مزارع ومساكن يمنية ساعدت "سافران" في تدميرها؟ لم ترد الشركة على "أوريان 21". "هذا ليس من شأننا"، يراوغ جان بول لوبيز، رئيس جمعية أصدقاء التراث التاريخي لميكروتوربو (Microturbo)، الشركة العائلية التي ابتكرت محرك الدفع الصاروخي والتي اشترتها سافران.
ومع ذلك، فبعد سنوات عديدة من التسليم يحتفظ المصنعون بعلاقات وثيقة مع زبائنهم. وكما تفصل ذلك شركة MBDA في عرض وظائف "عندما يشتري زبون نظام سلاح، من الضروري تكوينه على استعمال وصيانة نظامه، ويتعين أيضا على MBDA أن تتدخل لدى الزبون للقيام بمستويات من الصيانة التي لا تقع على عاتقه أو بكل بساطة لتصليح أو استبدال معدات معطلة".
يتم التخطيط لزيارات للمراقبة والتحديث كل سنتين على الأقل. حالياً، حسب معلوماتنا، تواصل MBDA تأمين صيانة مخزون صواريخ بلاك شاهين. MBDA، التي تقيم في كورنيش أبوظبي، ترسل بانتظام فرقاً فرنسية وبريطانية إلى هناك في مهمات.
كما يقوم أيضاً موظفو تاليس بتنقلات لتصليح أنظمة الرادار وصواريخ "كروتال" أرض ـ جو المثبتة على هياكل لفائدة السعوديين والإماراتيين. يمتلك البلدان أكثر من مائتين منها. عندما تكون التصليحات معقدة جداً، تتم إعادة الأجزاء إلى بلدة فلوري لي أوبري الصغيرة (Fleury-Les-Aubrais) بمحافظة لواري، حيث أقامت "تاليس" مصلحة خدمة الزبائن لهذه الذخيرة.
تكوين وخدمة ما بعد البيع
"داسو"، رائد آخر في صناعة الدفاع الفرنسية، موجود بشكل مستمر في الإمارات. والسبب وجيه. فقد كانت، في 1986، الدولة الخليجية الصغيرة أول زبون أجنبي لطائرات ميراج المقاتلة، عامين بعد دخولها الخدمة في الجيش الفرنسي. تمتلك الإمارات اليوم 56 منها، بما في ذلك أحدث الطرازات "2000-9"، التي تم الحصول عليها في نهاية سنة 2000 والمجهزة برادارات وتقنيات متقدمة. أكثر من الصواريخ، يستلزم معاينة مستمرة لهذه الطائرات المدججة بالإلكترونيات التي يجب مراقبتها وتحديثها باستمرار من طرف مهندسي مجموعة "داسو". بما في ذلك في خضم الحرب على اليمن، حيث تعد هذه الطائرات المقاتلة حلقة أساسية في الأسطول الإماراتي.
لا يقوم مُصنِّع الطائرات الفرنسي، الشريك الدؤوب للإمارات منذ 40 عاماً، بتكوين الفرق المحلية في أبوظبي فحسب، بل يستقبل أيضاً مراقبين في موقعه في آرغوناي Argonay في سافوا العليا، لتعليمهم كيفية إصلاح طائرات ميراج. تضمن مصلحة ما بعد البيع دخلاً مريحاً للصناعيين. وقد جلب عقد التحديث لنحو 30 طائرة ميراج إماراتية، الذي تم التوقيع عليه في 2019 بموافقة الدولة، 418 مليون يورو لشركة "داسو".
ووعد رئيسها التنفيذي، إيريك ترابيي، بـ"تلبية الاحتياجات التشغيلية لدولة الإمارات". ويعني ذلك بصفة واضحة أن المهندسين الفرنسيين يقومون بتحسين أنظمة الرادار وكشف الأهداف لتمكين الشيخ محمد بن زايد، رئيس دولة الإمارات، من مواصلة تدخلاته العسكرية ومن بينها في اليمن وليبيا.
في نفس السنة، أرسلت الإمارات قواتها الجوية لدعم الحاكم الأوتوقراطي لشرق ليبيا، خليفة حفتر. ومن بين الضحايا، 44 مهاجرا قتلوا في مركز احتجازهم بواسطة ميراج 2000. وكان الهجوم قد أثار استنكاراً دولياً وتمّ التنديد به في تقرير خبراء الأمم المتحدة لمجلس الأمن.
لتبرير استمرار عقودهم مع السعودية والإمارات، لا يتوانى الصناعيون في التحجج بحماية مناصب الشغل في فرنسا
في 2015، العام الذي قرر فيه التحالف العربي شنّ الحرب، جاء حوالي 30 جندياً إماراتياً للتدريب في أكبر مدرسة فرنسية في قطاع الطيران والفضاء، في بلدية لا تريسن، بالقرب من بوردو. وهناك دفعة جديدة تنتظر التخرج في 2023. في هذه المرة، تستقبل المدرسة عدة مئات من المتدربين من الإمارات، الذين سيتتالون لعدة سنوات، للتعلم على صيانة أسراب رافال القادمة التي تم تقديم طلبيتها في نهاية عام 2021. سيتمكن المتدربون حتى من التحقق من مدى تقدم تصنيع طائراتهم المستقبلية التي يتم تجميعها في ميرينياك، على الجانب الآخر من نهر غارون. هل يتوافق تدريب جيش متهم بارتكاب جرائم حرب مع قيم المدرسة الممولة جزئيا من الأموال العامة؟ تدافع مديرة مدرسة الطيران، آن كاترين غيتار، قائلة: "نحن لا نُكوِّن استراتيجيين عسكريين ولا طيارين، بل متخصصون في صيانة الطائرات".
عندما يبيع "داسو" طائرات "رافال"، فهو يعمل أيضاً على بيع جزء من التكوين "صنع في فرنسا" في لاتريسن. في مدرسة الطيران، التي أنشأتها المنطقة الإدارية آكتين الجديدة، وصناعيون من القطاع، وعلى رأسهم داسو وإيرباص، يسمح التكوين المقترح للزبائن الأجانب الإماراتيين والقطريين أو الهنديين بتمويل شهادات 350 طالبا فرنسيا في الطيران. يصعب في هذه الحالة التعالي على سخاء الزبائن الخليجيين. تشرح المديرة: "يصعب عليّ أن أرى نفسي أرفض طلبات تم التصديق عليها من قبل الوزارة (القوات المسلحة) ورئاسة الجمهورية".
أما السعوديون فيفضلون مناخ اللورين. وقد أقنعتهم الدولة الفرنسية بالمجيء للتدرب على استعمال أبراج المدافع في كوميرسي، وهي قاعدة عسكرية سابقة أخليت بعد رحيل فوج عسكري فرنسي. كان يفترض أن يؤدي هذا المركز، الذي بني خصيصاً للسعوديين بفضل أموال عمومية، إلى تعزيز التوظيف المحلي. لكن بالكاد تمّ خلق 20 منصب شغل من أصل المائة الموعودة، وفقاً لتحقيق لمنظمة العفو الدولية ومجلة ديسيني.
الكونفدرالية العامة للشغل مع وقف مبيعات الأسلحة
لتبرير استمرار عقودهم مع السعودية والإمارات، لا يتوانى الصناعيون في التحجج بحماية مناصب الشغل في فرنسا. لكن الحجة أبعد من أن تصادق عليها النقابات. تخوض الكونفدرالية العامة للشغل (CGT) داخل مجموعة تاليس، منذ عدة سنوات، حركة لوقف بيع العتاد الحربي للسعودية والإمارات المستعملة في الحرب في اليمن. ففضلا عن القنابل المصنعة في وسط فرنسا، فإن مجموعة تاليس هي أيضا المزود الرسمي لأدوات الاستهداف أو "جراب داموكليس" للقوات الجوية السعودية والإماراتية. تسمح هذه النظم البصرية الحديثة بتوجيه نيران الطيران المقاتلة بدقة وتجنب الأضرار الجانبية، إلا عندما يكون المدنيون جزءا من الأهداف المحددة. كما كان حال الحافلة التي تقل تلاميذ المدارس والتي مزقتها ضربة من التحالف في أغسطس 2018.
اشترت السعودية حوالي 60 جراباً فرنسياً، تم تسليم آخرها في 2017، لتجهيز طائراتها تيفون وتورنادو (وفقا لمعهد استوكهولم الدولي لأبحاث السلام). نفس الأمر ينطبق على طائرات ميراج للأسطول الإماراتي، وتواصل "تاليس" منذ 2017 ضمان صيانتها. تمّ إنتاج كل هذه الباسنات (nacelles) التي قدّمت الإمارات طلبية لنسختها الجديدة "تاليوس" في إيلانكور Élancourt، على بعد 40 كيلومتراً من باريس. في هذه البلدية من محافظة إيفلين، ذات 25 ألف نسمة، تتربع مختبرات الدفاع السري لـ"تاليس" على ما يقارب 40 ألف متر مربع. هذا الموقع الضخم، الذي يجمع أكثر من ألف مهندس وفني رفيعي المستوى هو أيضاً مهد الطائرات بدون طيار سبايرانجر (Spyranger)، التي قدم الحرس الوطني السعودي طلبية بشأنها منذ بضعة أشهر.
تكون هذه العقود بقيمة عدة مئات من الملايين من اليوروات. ولا يُعد ذلك مصدر فخر لغريغوري ليفاندوفسكي، منسق الكونفدرالية العامة للشغل في مجموعة "تاليس". يقول النقابي: "لا يتعين علينا تقبل هذه المبيعات بمجرد أن الدولة الفرنسية أعطت تصريحا لها. هناك خطر قانوني على تاليس للتزويد بأسلحة تستخدم في مجزرة. التخلي عن هذه العقود العسكرية يمكن تعويضه من خلال الاستثمار في القطاع المدني، مثل التقنيات والمعدات الطبية". غير أن اقتراح التنويع هذا غير محبذ من باتريك كان، المدير العام لشركة "تاليس"، الذي لا يستسيغ المغامرة في أسواق غير مؤكدة ويفضل "الربحية قصيرة المدى"، وفقا للكونفدرالية العامة للعمال.
وكون أن الأرباح القياسية للصناعيين لا تمس الأجراء، يجعل خطابهم لا يمر. بلغ إجمالي أرباح شركة "داسو" للطيران في 2021 ما يقارب 700 مليون يورو، أي ضعف ما كان عليه في 2020، وحصل مساهموها على 208 ملايين يورو من حصة الأرباح. غير أن صانع الطيران لم يضع موظفيه في الحسبان. وقد لزم عليهم القيام بإضراب لمدة 3 أشهر تقريبا كي يقر الصناعي بزيادة الأجور بحوالي 100 يورو. وقد انتقلت هذه الحركة الاجتماعية غير المسبوقة أيضا إلى مصانع إنتاج الأسلحة لتاليس وMBDA. وأصبحت إيلانكور مركز الغضب حيث دام أطول إضراب في تاريخ تاليس، شهرين ونصف تقريباً. يقول غريغوري ليفاندوفسكي من الكونفدرالية العامة للشغل بتاليس: "موقف مجموعة تاليس التي أرادت توفير الأموال بالارتكاز على سياسة الأجور لم تُفهم إطلاقا من قبل الأجراء في وقت كانت فيه أرقام المجموعة ممتازة، وقد بلغت الأموال المدفوعة لرأس المال حوالي 1,3 مليار يورو".
التحالف الذي بدأ يتبلور بين النقابات والمنظمات غير الحكومية يَعد بإحداث زعزعة داخل صناعة تحظى حالياً بحماية مفرطة من قبل الدولة الفرنسية، التي هي نفسها مساهمة في العديد من الشركات الرائدة في هذا القطاع، خصوصاً أنه على المستوى الداخلي بدأ ضغط الرأي العام يقلق مدراء الموارد البشرية. وتكون بعض الشركات التي تعرضت لانتقادات بسبب أسلحتها المستعملة في اليمن قد وجدت صعوبة متنامية في توظيف المتخرجين الشباب.
ينشر بالتزامن مع أوريان 21
(https://orientxxi.info/ar)