اخبار دولية

الغارديان: بعد انتهاء الحرب الإيرانية الإسرائيلية.. من هو الرابح الحقيقي في هذه المعركة؟ (ترجمة خاصة)

المصدر
ترجمة خاصة

عقب جولة من المواجهات العسكرية المباشرة وغير المسبوقة بين إسرائيل وإيران، وبمشاركة أمريكية، أسدل الستار على الصراع بإعلان وقف إطلاق النار. لكن ضجيج إعلانات النصر الذي صدر عن كل طرف لم يكن أقل صخباً من دوي الانفجارات، حيث سارعت كل من واشنطن وتل أبيب وطهران إلى تقديم روايتها الخاصة التي تؤكد تفوقها الاستراتيجي. يغوص هذا التقرير التحليلي عميقاً خلف هذه الروايات المتضاربة، متسائلاً: بعيداً عن حرب التصريحات، من هو الرابح الحقيقي في هذه المعادلة المعقدة، وما هي المكاسب والخسائر الاستراتيجية التي ترتبت على الأرض؟

يكشف التحليل الذي ترجمه "خطوط برس" للعربية عن حقيقة أكثر قتامة وإثارة للقلق من مجرد تحديد المنتصر، ففي قلب هذه المواجهة، يكمن الخطر الأكبر في أن ما يعادل عشرة رؤوس نووية من اليورانيوم الإيراني عالي التخصيب قد أصبح مصيره مجهولاً وخارج رقابة الوكالة الدولية للطاقة الذرية. وهو ما يطرح سؤالاً جوهرياً: هل أدت هذه الحرب، التي هدفت إلى كبح طموحات إيران النووية، إلى نتيجة عكسية تماماً، ودفعت طهران والمنطقة بأسرها خطوة أقرب نحو حافة الهاوية النووية؟

نص التقرير:

في خطوة لم تكن مفاجئة لأحد تقريباً، سارعت جميع الأطراف إلى إعلان انتصارها مع قبولها الرسمي لوقف إطلاق النار الذي أعلنه دونالد ترامب صباح الثلاثاء. غير أن تحديد الرابحين والخاسرين على المدى الطويل، إن وجدوا، سيستغرق بعض الوقت.

بحلول منتصف النهار في الشرق الأوسط، لم يكن غبار المعركة قد انقشع بعد. فبعد أكثر من ساعتين من الموعد المفترض لبدء الهدنة عند الساعة 05:00 بتوقيت غرينتش، أعلنت إسرائيل أنها اعترضت صاروخين على الأقل قادمين من إيران باتجاه شمال البلاد، ورغم أن إيران نفت إطلاق أي شيء، توعدت إسرائيل برد مدمر.

وما أن استيقظ ترامب على هذه الأنباء، حتى ثار غضبه وألقى باللوم على كلا الجانبين، لكنه خص إسرائيل بقسط وافر من السخط، مطالباً إياها بإعادة طياريها ومحذراً من أن إلقاء قنابلهم سيشكل "انتهاكاً جسيماً".

أفادت التقارير أن رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، كان يسعى لتهدئة الرئيس الأمريكي، إذ إن الخلاف مع ترامب يضر به سياسياً، كما أن الضغط سيمارس عليه بشدة للعودة إلى الالتزام بوقف إطلاق النار.

من جهتها، صورت إيران الهدنة على أنها "فُرضت على العدو"، وهو تقييم يثير الشكوك على الفور، بالنظر إلى العدد الضئيل جداً من صواريخها التي تمكنت من اختراق درع أعدائها الدفاعي، وحجم الضرر المحدود الذي أحدثته.

وحتى لو نجح ترامب في إعادة الهدنة إلى مسارها، فإن ادعاءه الجريء خلال الليل بأنه ضمن سلاماً دائماً قد تكشّف عن خطئه بسرعة مهينة.

ففي حديثه لشبكة "إن بي سي نيوز" ليلة الاثنين، قال ترامب: "أعتقد أن وقف إطلاق النار غير محدود، وسيستمر إلى الأبد"، متوقعاً أن إسرائيل وإيران "لن تطلقا النار على بعضهما البعض مرة أخرى أبداً".

أما تقييمه الشامل الآخر، بأن برنامج إيران النووي قد "طُمس" ولن يُعاد بناؤه أبداً، فقد تردد صداه على لسان نتنياهو، وإن كان بنبرة أقل حزماً.

وفي إقراره بوقف إطلاق النار، أصدر مكتب نتنياهو بياناً أعلن فيه أنه نجح في إزالة "تهديد وجودي مزدوج، يتعلق بالقضية النووية والصواريخ الباليستية على حد سواء".

لا شك أن القاذفات الإسرائيلية والأمريكية قد أحدثت دماراً هائلاً، حيث انتشرت صور الأقمار الصناعية التي تظهر مواقع نووية إيرانية وقد تحولت إلى أنقاض، وحفر في الأرض حيث يُفترض وجود منشآت تحت الأرض.

وقد أكدت الوكالة الدولية للطاقة الذرية وقوع أضرار جسيمة في الغرف العلوية والجوفية في منشأة نطنز الرئيسية لتخصيب اليورانيوم، وكذلك في منشأة فوردو المحصنة التي بنيت داخل جبل. وأوضح المدير العام للوكالة، رافائيل غروسي، أنه حتى لو لم تتمكن القنابل الأمريكية الخارقة للتحصينات من الوصول إلى قاعات التخصيب، فمن المتوقع أنها تسببت في "أضرار بالغة الأهمية" بالنظر إلى "الطبيعة شديدة الحساسية للاهتزازات التي تتسم بها أجهزة الطرد المركزي".

كما تحولت عدة منشآت أخرى في مجمع أصفهان النووي المترامي الأطراف إلى أنقاض، ولحقت أضرار جسيمة بمنشآت أخرى في أنحاء البلاد.

لكن غروسي أوضح أن الوكالة لم يعد بإمكانها تتبع مصير مخزون إيران البالغ 400 كيلوغرام من اليورانيوم المخصب بنسبة 60%. ويُعد هذا اليورانيوم عالي التخصيب (HEU) من أهم جواهر تاج البرنامج النووي الإيراني، فإذا ما تم تخصيبه إلى نسبة 90%، فسيكون كافياً لصنع حوالي 10 رؤوس حربية.

قبل الهجوم الإسرائيلي المفاجئ، كانت الوكالة تضع هذه المواد تحت المراقبة عن بعد في موقع تخزين يقع في عمق مجمع أصفهان، ولكن منذ الهجوم، فقدت أثرها.

وبما أن اليورانيوم عالي التخصيب يمكن تخزينه ونقله في حاويات بحجم أسطوانات الغوص، فمن السهل نقله عبر البلاد في سيارات عادية لا تثير الشبهات.

وقد ألمح مسؤولون إيرانيون علناً إلى أن مخزون اليورانيوم عالي التخصيب قد نُقل قبل تعرض البلاد للهجوم.

من جهته، اعترف نائب الرئيس الأمريكي، جيه دي فانس، بأن واشنطن لا تعرف مكان هذا اليورانيوم، ووعد في برنامج "هذا الأسبوع" على قناة ABC بالقول: "سنعمل في الأسابيع المقبلة لضمان أننا سنتخذ إجراءً بشأن هذا الوقود".

وأضاف: "هذا أحد الأمور التي سنتحدث مع الإيرانيين بشأنها".

وفي هذا السياق، كتب إيان ستيوارت، المدير التنفيذي لمكتب واشنطن في مركز جيمس مارتن لدراسات عدم الانتشار (CNS)، على منصة بلوسكاي: "هناك ما يعادل عشرة أسلحة نووية من المواد (يورانيوم مخصب بنسبة 60%) خارج السيطرة، والوكالة الدولية للطاقة الذرية لا تعرف مكانها. يجب أن يكون هذا هو مصدر القلق الرئيسي".

بدوره، قال جيمس أكتون، المدير المشارك لبرنامج السياسة النووية في مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي: "من الصعب المبالغة في تقدير خطورة هذا الأمر... قد تكون هذه الحرب كارثة لجهود منع الانتشار النووي". وكتب على منصة إكس: "دعوني أصيغ الأمر كالتالي: لو أن اتفاقاً نووياً سمح لإيران بالاحتفاظ بما يعادل عدة قنابل من اليورانيوم عالي التخصيب خارج ضمانات الوكالة، لقلنا (وهو قول صحيح) إنها صفقة سيئة للغاية. ومع ذلك، هذه هي النتيجة التي أفضى إليها استخدام القوة العسكرية".

ويرى خبراء نوويون أن إيران تستطيع تحويل مخزونها من اليورانيوم المخصب بنسبة 60% إلى مواد صالحة للاستخدام العسكري بسهولة نسبية. فمنذ انسحاب ترامب من الاتفاق النووي متعدد الأطراف عام 2018، لم تعد الوكالة قادرة على حصر جميع مكونات أجهزة الطرد المركزي الإيرانية.

ويمكن تنفيذ المرحلة النهائية من التخصيب في موقع ثانٍ في نطنز، كانت إيران تحفره تحت جبل منذ سنوات ولم يتعرض للقصف، أو يمكن أن تتم في أي مبنى صناعي غير لافت للأنظار.

وفي تقديره للموقف، قال جيفري لويس، الأستاذ في مركز دراسات عدم الانتشار بمعهد ميدلبري للدراسات الدولية، إنه إذا قررت إيران الاندفاع نحو صنع قنبلة، فسيستغرق الأمر حوالي خمسة أشهر لإنتاج ما يكفي من المواد الانشطارية لصنع ترسانة نووية صغيرة.

تتفق وكالات الاستخبارات الأمريكية والوكالة الدولية للطاقة الذرية على أنه قبل الهجوم الإسرائيلي، لم تكن هناك أي إشارة إلى أن المرشد الأعلى، آية الله علي خامنئي، قد أمر بصنع رأس حربي. ويكمن الخطر الآن في أن حملة القصف الإسرائيلية والأمريكية قد تدفعه لتغيير رأيه، وتقنعه في نهاية المطاف بأن السلاح النووي هو السبيل الوحيد لردع أعداء إيران.

وإذا اتُخذ هذا القرار، فقد تكتمل بقية قطع الأحجية. من المرجح أن يستغرق بناء رأس حربي فعال عدة أشهر أيضاً، ولكن يمكن القيام به في مساحة صغيرة. ورغم أن إسرائيل اغتالت حوالي 15 عالماً نووياً إيرانياً، إلا أنه بعد أكثر من ربع قرن، من المرجح أن تكون خبرة البلاد النووية أعمق بكثير. يضاف إلى ذلك أن مصير ما يقرب من نصف ترسانة الصواريخ الباليستية الإيرانية، المقدرة بنحو 2500 رأس حربي، لا يزال مجهولاً.

وكان وزير الخارجية الأمريكي السابق، أنتوني بلينكن، قد ذكر أن إدارة بايدن أجرت محاكاة لهجوم على البرنامج النووي الإيراني، لكن تلك المناورات الحربية أظهرت خطر قيام النظام بتفريق أصوله وإخفائها، ومن ثم اتخاذ قرار "بالاندفاع نحو صنع قنبلة". وكتب في صحيفة "نيويورك تايمز": "بذلك، تكون ضربة السيد ترامب قد خاطرت بالتعجيل بحدوث ما كنا نسعى لمنعه".

قد تراهن إسرائيل والولايات المتحدة على قدراتهما الاستخباراتية الهائلة وتفوقهما العسكري لتدمير أي نشاط نووي تحاول إيران استئنافه، عبر شن هجمات متكررة في السنوات القادمة. لكن هذا النهج في منع الانتشار هو أكثر عنفاً وخطورة بكثير من اتفاق كتلك الذي أُبرم في عهد رئاسة باراك أوباما، والذي كان خاضعاً لتحقق ومراقبة الوكالة الدولية للطاقة الذرية.

سيكون اليقين أكبر لو تم استبدال الحكومة الإيرانية الحالية ببديل أكثر طواعية ومتحالف مع الغرب. لقد كان "تغيير النظام" هدفاً حربياً معلناً بشكل متزايد من قبل ترامب وحكومة نتنياهو على مدار الحرب. لكن حتى الآن، تبدو المؤسسة الدينية الإيرانية وقد أصابتها الجراح، لكنها لا تظهر أي علامات على وجود تصدعات داخلية.

صحيح أن النظام مكروه من قبل شريحة واسعة من السكان، لكنه لا يزال يحتفظ باحتكار العنف الذي أبقاه في السلطة حتى الآن. وفي الوقت الراهن على الأقل، يبدو أن الغضب الشعبي من القصف الخارجي يطغى على السخط من الحكام. وفي الواقع، قد يكون أولئك الذين التفوا حول شعار "امرأة، حياة، حرية" في السنوات الأخيرة هم من بين الخاسرين على المدى القصير.

مع مرور الوقت، قد يثبت عجز النظام في مواجهة الهجوم الخارجي أنه شرخ قاتل في بنيانه بأكمله، ولكن لا توجد أي مؤشرات على ذلك حتى الآن.

وعلق لويس على منصة إكس قائلاً: "يجب أن نحكم على هذه الضربة من خلال هدفها الحقيقي، وليس من خلال غطائها القانوني المتمثل في الدفاع الوقائي عن النفس". واختتم بالقول: "إذا أبقت الضربة على النظام الحالي، أو نظام شبيه به إلى حد كبير، في السلطة مع امتلاكه خياراً نووياً، فإنها ستكون قد شكلت فشلاً استراتيجياً".