منذ اليوم العالمي لحرية الصحافة في الثالث من مايو الجاري، شهدت الساحة اليمنية موجة جديدة من التصعيد ضد حرية الكلمة، حيث سجلت سلسلة متلاحقة من الانتهاكات بحق الصحفيين والنشطاء، تصدرت جماعة الحوثي واجهتها بممارسات قمعية ممنهجة، وسط تنديد محلي ودولي يتسع يوماً بعد آخر.
ففي محافظة ذمار، اختطفت ميليشيا الحوثي قبل أسبوع، الناشط المجتمعي محمد محمد صالح اليفاعي، على خلفية دعوته لرفع العلم الوطني على المؤسسات الحكومية بمناسبة عيد الوحدة اليمنية، الذي يصادف 22 مايو.
وأفاد الصحفي فؤاد النهاري بأن اليفاعي كان قد أطلق حملة عبر مواقع التواصل تطالب المؤسسات برفع العلم، وهو ما أثار حفيظة السلطات الحوثية.
وقال ناشطون إن اليفاعي شوهد وهو يلتقط صوراً للأعلام الممزقة على بعض المكاتب الحكومية قبيل اختطافه.
وتزامن ذلك مع حملة اختطافات شملت ناشطين آخرين، أبرزهم عبدالوهاب الحراسي، الذي أُوقف أثناء توجهه لزيارة اليفاعي في سجنه بمدينة ذمار ذاتها.
وعقب ذلك، كشف الصحفي النهاري نفسه عن محاولة اختطافه مساء الخميس 15 مايو، بعد وصول قوة أمنية حوثية من البحث الجنائي إلى منزله على متن مركبتين.
وقال النهاري إن المداهمة جاءت بعد قرابة شهر من تقديمه بلاغاً رسمياً إلى مباحث ذمار التابع للميليشيا، بشأن تلقيه تهديداً بالتصفية الجسدية من مجهول، قال له: "سوف نقدم رأسك هدية للسيد"، في إشارة إلى زعيم الجماعة عبدالملك الحوثي.
نقابة الصحفيين اليمنيين أعربت عن إدانتها الشديدة لملاحقة النهاري، محمّلة سلطة الأمر الواقع في ذمار كامل المسؤولية عن سلامته وسلامة أسرته، وداعية المنظمات الحقوقية للتضامن مع الصحفيين اليمنيين في وجه ما وصفته بـ"سلسلة متواصلة من الانتهاكات الممنهجة".
في سياق متصل، عقدت ما تسمى المحكمة الجزائية المتخصصة بصنعاء، الخاضعة للحوثيين، جلسة ثانية لمحاكمة الصحفي محمد دبوان المياحي، الذي اعتُقل في سبتمبر الماضي على خلفية منشورات ناقدة، قبل أن ينقل نهاية أبريل إلى سجن هبرة، بعد صدور قرار اتهام جديد يحيله لمحكمة قضايا الإرهاب، على الرغم من صدور قرار سابق بعدم اختصاص المحكمة.
ووصف محامي المياحي، عمار ياسين، المرافعة الحوثية بأنها "مليئة بالتهويل وتفتقر إلى الجدية"، موضحاً أن لائحة الاتهام حمّلت موكله "مشاكل الدولة من الاقتصاد إلى البيئة"، في صياغة قال إنها توحي بأنها كُتبت بواسطة الذكاء الاصطناعي.
وكانت نقابة الصحفيين اليمنيين قد علّقت على محاكمة المياحي، وقالت إن ما يجري له "يؤكد نمطاً ممنهجاً في استغلال القضاء لتصفية الحسابات مع الصحفيين"، وطالبت بالإفراج الفوري عنه وإيقاف هذه الإجراءات التعسفية.
جنوباً، في مناطق سيطرة المجلس الانتقالي الجنوبي المنادي بانفصال جنوب البلاد، وإن كان الوضع بأفضل حالاً بالمجمل، إلا أنه يشهد بشكل مستمر اعتداءات على الصحفيين والنشطاء وتقييداً لحقهم في حرية القول والكتابة على منصات التواصل الاجتماعي.
ففي يوم الثلاثاء 20 مايو، اعتقلت قوات أمنية تابعة للمجلس الانتقالي الناشط المجتمعي فؤاد الديقان في مديرية التواهي بالعاصمة المؤقتة عدن، على خلفية مشاركته في تظاهرة سلمية شهدتها مديرية خور مكسر قبل أيام، احتجاجًا على تدهور الخدمات الأساسية في المدينة.
ووفقاً لمصادر تحدثت لـ"المصدر أونلاين"، فإن الديقان كان قد شارك في التظاهرة التي نُظّمت يوم السبت الماضي، حيث رفع المحتجون لافتات تطالب بتحسين خدمات الكهرباء والمياه، وإنهاء معاناة المواطنين المتفاقمة في ظل الأوضاع المعيشية المتردية.
وكان الديقان قد تعرض، في عام 2021، لعملية اعتقال من قبل قوات مكافحة الإرهاب بقيادة يسران المقطري، على خلفية قيادته احتجاجات شعبية في مديرية التواهي، معقل المجلس الانتقالي.
وأول من أمس الإثنين، قال الصحفي ياسين العقلاني إنه تلقى تهديدات مباشرة على خلفية نشره تقريراً صحفياً حول ما وصفها بـ"اختلالات جسيمة" في اختبارات الثانوية العامة الخاصة بالطلاب اليمنيين المقيمين في مصر.
وذكر العقلاني، وهو صحفي في موقع "يمن شباب نت"، في بلاغ رسمي موجه إلى النائب العام ونقابة الصحفيين اليمنيين والاتحاد الدولي للصحفيين، أنه تلقى اتصالاً هاتفياً من شخص يُدعى عبدالهادي الشوذبي، شقيق الدكتور عبدالغني الشوذبي وكيل وزارة التربية والتعليم لقطاع المناهج والتوجيه، تضمن تهديداً صريحاً بالاعتقال والنقل القسري إلى مدينة عدن.
وقال العقلاني إن المتصل هدده قائلاً: "متعرفنيش أنا عبدالهادي الشوذبي، بنجي نكلبشك ونجيبك إلى عدن"، مضيفاً أن التهديد جاء عقب علم الطرف الآخر بوجوده في محافظة تعز. وأشار إلى أنه سبق أن تواصل بشكل رسمي مع الدكتور عبدالغني الشوذبي، وأبلغه بامتلاكه مصادر موثوقة، كما عرض عليه حق الرد ونشر أي توضيح يصدر عنه.
وأضاف العقلاني أن الرد لم يأتِ عبر القنوات القانونية أو الإعلامية المعتادة، وإنما من خلال تهديدات مباشرة، معتبراً أن ذلك يمثل "انتهاكاً صريحاً لحرية الصحافة وسلامة الصحفيين، ويُسيء إلى مكانة المسؤول الرسمي"، محملاً المسؤول الحكومي وشقيقه "المسؤولية القانونية والأخلاقية الكاملة عن أي ضرر قد يلحق به"، داعياً الجهات المعنية إلى اتخاذ إجراءات عاجلة لضمان سلامته ووقف ما وصفه بالانتهاكات المستمرة ضد الصحفيين في اليمن.
وفي بيان، شددت نقابة الصحفيين فرع تعز على رفضها الشديد لهذا النوع من التهديد والوعيد، الذي يلجأ إليه بعض المسؤولين لترهيب الصحافة، بدلًا من اللجوء إلى الأطر القانونية المتعارف عليها، والتي يكفلها حق الرد بعيدًا عن سياسة الترهيب والتخويف.
وفي البيان نفسه، رحبت نقابة تعز بإنهاء ملف الاعتداء الذي تعرّض له الصحفي عمران الحمادي، وإسقاط التهم التي وُجهت إليه في وقت سابق، على خلفية خلافات لا تمتّ للعمل الصحفي بصلة، مؤكدة أن القضية تمثّل اعتداءً غير مقبول على أحد أعضاء الجسم الصحفي.
وشددت النقابة على أن الإجراءات التي أعقبت الحادثة، من احتجاز وتحقيق، كان ينبغي أن تتم وفقًا للأطر القانونية، بعيدًا عن التهم الكيدية والممارسات التعسفية، مرحبة باللقاء الإيجابي الذي عُقد يوم الإثنين، بحضور ممثل عن الفرع وقيادة اللواء 35 مدرع وعدد من الشخصيات الاجتماعية، والذي أثمر عن حل القضية بشكل ودي، وتقديم اعتذار رسمي للزميل الحمادي، إلى جانب إسقاط كافة التهم الموجّهة إليه.
واختتم البيان بالتأكيد على أهمية تهيئة بيئة آمنة للصحفيين في تعز، تضمن حريتهم وتحميهم من التهديد والتخوين، باعتبار حرية التعبير ركيزة أساسية في بناء مجتمع ديمقراطي يحترم الحقوق ويصون الكلمة.
وكانت مصادر إعلامية أفادت، في 13 مايو، بتعرّض الصحفي عمران الحمادي لاعتداء جسدي مبرح من أحد جنود اللواء 35 مدرع التابع للقوات الحكومية، على خلفية اتهام ملفّق مفاده أنه "يؤيد جماعة الحوثي"، وقد رُوّجت ضده اتهامات بهدف التحريض عليه أمام الجهات الأمنية.
وتأتي هذه الانتهاكات جميعاً، بعد أسابيع من إصدار نقابة الصحفيين اليمنيين تقريراً شاملاً بمناسبة يوم الصحافة العالمي، يوثق أكثر من 2000 انتهاك للحريات الصحفية منذ اندلاع الحرب في 2015، قالت فيه إن جماعة الحوثي تتحمل مسؤولية 58% من إجمالي تلك الانتهاكات، متقدمة بفارق كبير على باقي الأطراف.
وبحسب التقرير، تنوعت الانتهاكات الحوثية بين الاختطاف والاعتقال والملاحقة، والاعتداءات الجسدية، والمحاكمات، وتهديد الصحفيين، إضافة إلى حالات تعذيب وقتل، وحجب مواقع إلكترونية، ومصادرة مؤسسات إعلامية، ما يشير إلى أكبر عملية تجريف إعلامي منذ إعادة توحيد البلاد في 1990.
ودعت النقابة الجماعة إلى الإفراج عن الصحفيين المعتقلين، وإلغاء المحاكمات غير القانونية، ووقف استغلال السلطة القضائية لقمع حرية الصحافة، فيما طالبت المجتمع الدولي بالضغط من أجل حماية الصحفيين ودعم المؤسسات الإعلامية المستقلة.