في ظل إصرار الهند على الردّ على هجوم كشمير الذي وقع الأسبوع الماضي واتهمت باكستان بالمسؤولية عنه، ومع حديث إسلام أباد عن "معلومات استخباراتية عن إعداد الهند لشن هجوم عسكري خلال 24 إلى 36 ساعة"، والتعهد بـ"ردّ حاسم" على أي عمل عدواني، تبدو باكستان والهند أقرب من أي وقت مضى إلى الصدام العسكري، على الرغم من محاولات وضغوط دولية جارية لتهدئة الأوضاع ومنع انفجارها. وفي حين تتفاوت توقعات حدود هذا الصدام وتداعياته على المنطقة عامة، يبرز العديد من الدوافع والكوابح التي ستحسم توجّهات باكستان والهند في هذه الأزمة، والتي تتفاوت بين المصالح الداخلية والحسابات الخارجية لكل منهما.
أزمة متصاعدة بين باكستان والهند وبدأت الأزمة بين باكستان والهند بعد هجوم على مجموعة سياح في 22 إبريل/ نيسان الماضي في مدينة باهالغام بكشمير الهندية، خلّف 26 قتيلاً، جميعهم من السياح الهنود، باستثناء مواطن بنغالي، لتسارع نيودلهي إلى اتهام إسلام أباد بالوقوف وراء الهجوم الذي أسفر عن أكبر حصيلة من القتلى المدنيين في المنطقة ذات الأغلبية المسلمة منذ عقود. وحددت الشرطة الهندية هوية اثنين من الباكستانيين من بين المسلحين الثلاثة المسؤولين عن الهجوم، أما الثالث فهو هندي. وقالت الشرطة إنهم أعضاء في جماعة "عسكر طيبة" أي "جيش الحق"، المتمركزة في باكستان، والمصنّفة منظمة إرهابية من الأمم المتحدة. غير أن باكستان نفت أي دور لها في هجوم باهالغام، رافضةً الاتهامات الهندية ووصفتها بأنها "تافهة"، مؤكدةً انفتاحها على تحقيق "محايد وشفاف وموثوق". وتطوّرت الأحداث، لتغلق باكستان والهند المعبر الحدودي الوحيد العامل بينهما، كما علّقتا التبادل التجاري، وتبادلتا طرد مواطني بعضهما البعض، في إطار إجراءات المعاملة بالمثل. كذلك علّقت الهند اتفاقاً رئيسياً لتقاسم المياه مع باكستان، وهو الاتفاق الذي يعد حيوياً لإمدادات المياه في الدولة المجاورة. يذكر أن الجارتين النوويّتين خاضتا ثلاث حروب منذ استقلالهما عام 1947، وكادتا تنزلقان إلى حرب رابعة بسبب النزاع المستمر على إقليم كشمير.
ومع انزلاق الأوضاع إلى مزيد من التوتر، أعلنت إسلام أباد أن لديها "معلومات استخباراتية جديرة بالثقة" تفيد بأنّ الهند تخطط لتوجيه ضربة عسكرية وشيكة. وقال وزير الإعلام الباكستاني عطا الله تارار، في بيان صدر قرابة الساعة الثانية فجر أمس الأربعاء بالتوقيت المحلي (21,00 بتوقيت غرينتش الثلاثاء)، إنّ "باكستان لديها معلومات استخباراتية جديرة بالثقة تفيد بأنّ الهند تنوي شنّ هجوم عسكري خلال الـ24 إلى الـ36 ساعة المقبلة، مستخدمةً حادثة باهالغام ذريعةً واهيةً"، مشدّداً على أنّ "أيّ عمل عدواني سيُقابل بردّ حاسم. الهند ستتحمّل المسؤولية الكاملة عن أيّ عواقب وخيمة في المنطقة". وكان رئيس الوزراء الباكستاني شهباز شريف قد حضّ الثلاثاء الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس على "أن ينصح الهند بضبط النفس". وأكد أن بلاده ستدافع عن سيادتها وسلامة أراضيها بكل ما أوتيت من قوة في حالة وقوع أي اعتداء من جانب الهند.
وكان وزير الدفاع الباكستاني خواجة محمد آصف قد قال لوكالة رويترز في وقت سابق إن توغلاً عسكرياً هندياً بات وشيكاً. وأضاف أن باكستان في حالة تأهّب قصوى، لكنها لن تستخدم أسلحتها النووية إلا إذا "كان هناك تهديد مباشر لوجودنا". كذلك قال آصف، في حديث مع قناة "سماء" المحلية، أول من أمس الثلاثاء، إن الخيار الأول لإسلام أباد هو تجنّب الانزلاق نحو الحرب. لكنه أضاف أن القوات الباكستانية في أعلى درجات الجاهزية، على جميع الأصعدة، للدفاع عن البلاد. وتابع: "نحن نغطي أجواء باكستان ومياهها الإقليمية وحدودها البرية على مدار الساعة. وسنستخدم كل ما لدينا من الإمكانات لصد أي هجوم أو انتهاك قد تُقدم عليه الهند، وسنذهب إلى أبعد الحدود، بما في ذلك استخدام السلاح النووي إذا تعرضت بلادنا لتهديد وجودي". وأعرب عن خيبة أمله إزاء الموقف الأميركي حيال التصعيد بين نيودلهي وإسلام أباد، وقال إن الولايات المتحدة تنظر إلى هذا الصراع من منظور براغماتي صرف، ولم تبد حتى الآن أي رغبة جدية في لعب دور الوسيط أو الساعي للتهدئة.
في المقابل، وافق رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي، أول من أمس الثلاثاء، على عملية عسكرية رداً على اعتداء كشمير. وأفاد مصدر في الحكومة الهندية وكالة فرانس برس الثلاثاء بأن مودي أبلغ القوات المسلحة بأنها تتمتع "بحرية تحرك كاملة لتحديد أسلوب وأهداف وتوقيت ردنا على الهجوم الإرهابي على المدنيين في كشمير". ولفت إلى أن رئيس الوزراء أكد لقادة الجيش والأمن في اجتماع مغلق أن "الهند تعتزم توجيه ضربة ساحقة للإرهاب". وبحسب المصدر فإن مودي أعرب عن "ثقته التامة بالقدرات المهنية للقوات المسلحة الهندية"، ومنحها دعم حكومته الكامل. وتتفاوت حسابات الهند وباكستان تجاه التصعيد الحالي بينهما، فلكل بلد دوافعه الداخلية والخارجية، كما العديد من العوامل الكابحة التي قد تدفعهما لمنع الدخول في حرب شاملة.
دوافع باكستان على الرغم من أن باكستان قد تضطر للدخول في حرب، مع إعلان الاستنفار العسكري، وتأكيد قادتها أنها قادرة على مواجهة أي عدوان، حتى التوغل البري، إلا أن محللين يرون أنه بسبب الوضع الاقتصادي والمعيشي الداخلي لن تتحمّل باكستان حرباً طويلة المدى، من هنا ثمة خشية من أن إسلام أباد قد تلجأ إلى استخدام السلاح النووي إذا ما تحوّل الصراع إلى حرب شاملة.
وفي هذا السياق، قال المحلل الأمني الباكستاني سميع الدين سيد، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن "باكستان لا تريد الحرب بأي حال من الأحوال، خصوصاً في هذه الأحوال العصيبة، إذ إن بلادنا منهكة اقتصادياً، بسبب الديون، والبطالة والغلاء، على عكس الهند التي تتمتع باقتصاد قوي جداً". وأضاف: "مع ذلك إذا فُرضت الحرب على باكستان، فلن يكون هناك مناص منها، لذا نرى أن البلاد مستعدة للمواجهة على مختلف الأصعدة". وأوضح أن "أي عملية محدودة النطاق، برية كانت أو جوية، ستنتهي بانتصار باكستان، إذ إنها مستعدة لخوض أي حرب محدودة. أما الحرب طويلة الأمد فلا تريدها باكستان، ولن تتحمّلها، خصوصاً إذا شملت هجوماً برياً وجوياً معاً، لأن باكستان تملك قدرات عسكرية كافية، لكنها لا تضاهي القدرات العسكرية الهندية". ولفت سيد إلى أن "ما تخشاه باكستان أيضاً احتمال منع الهند وصول المياه إليها، حينها سيتعيّن على باكستان أن تقدم على الحرب وتستهدف المواقع الهندية كما أعلن عدد من وزراء الحكومة"، مضيفاً أن "منع الهند المياه كلياً يبدو أمراً صعباً من الناحية العملية، لأنها بحاجة إلى بناء سدود جديدة وهو ما سيأخذ فترة طويلة من الزمن، غير أنها في الوقت الراهن قادرة على منع وصول كميات من المياه، فإذا فعلت ذلك، حينها يتعيّن على باكستان شن الحرب".
بالإضافة إلى ما سبق، باتت الجماعات المسلحة داخل باكستان، كالحركات الانفصالية البلوشية وطالبان الباكستانية، محط قلق آخر لإسلام أباد في هذه الفترة الحساسة، لأنها إذا كثفت هجماتها، بموازاة أي عملية للهند، حينها سيزداد الضغط على القوات المسلحة الباكستانية التي سيكون عليها أن تحارب في أكثر من جبهة.
بالتوازي مع ذلك، تواجه إسلام أباد عدداً من التحديات الداخلية، أبرزها الانقسام السياسي، وهو ما جعل الحكومة الباكستانية تتجنّب دعوة الأحزاب السياسية كلها للاجتماع لمناقشة الأوضاع بين باكستان والهند رغم الدعوات لعقد اجتماع كهذا والسماح لرئيس الوزراء الباكستاني السابق، زعيم حزب حركة الإنصاف المعتقل عمران خان، أن يشارك فيه. لكن الحكومة لم تفعل ذلك، بل ما تزال تواصل حملة الاعتقالات والملاحقات القضائية، وآخر فصولها اعتقال صنم جاويد، القيادية البارزة في حركة الإنصاف (حزب خان) يوم السبت من أمام سجن أدياله حيث يسجن خان. ما دفع بعض نشطاء هذا الحزب لاتخاذ موقف معارض للمؤسسة العسكرية حتى في هذه الفترة العصيبة. فالقيادي البارز في حزب خان (الإنصاف)، شهباز جل، قال في تعليق على القضية عبر قناة "يوتيوب" الخاصة به إن قائد الجيش الباكستاني الجنرال عاصم منير وراء كل ما يحدث، وإنه سيذهب إلى أي خطوة من أجل الحصول على الشهرة والبقاء في المنصب. كذلك أكّد الإعلامي المخضرم الداعم لحزب خان، معيد بيرزاده، في حديث له، أن الكثير من صنّاع القرار في واشنطن وغيرها من العواصم الغربية يعتقدون أن الجنرال عاصم منير هو الذي أمر بالهجوم على السياح في الهند من أجل الحصول على مكاسب شخصية له، ولكن الأمور سارت بخلاف ما هو كان يتطلع إليه.
وعن الانقسام الداخلي في باكستان، قال المحلل السياسي الباكستاني محمد عامر بت، لـ"العربي الجديد"، إن الوضع السائد بسبب الصراع مع الهند كان فرصةً لحسم الخلافات السياسية الداخلية، وأنصار عمران خان توقعوا ذلك، ولكن الحكومة لم تفعل ذلك، من هنا بات الانقسام الداخلي من أهم التحديات في هذه المرحلة العصيبة التي تمر بها باكستان. ولفت إلى أن الأحزاب الدينية أيضاً مستاءة من المؤسسة العسكرية والحكومة، لأسباب مختلفة، أبرزها سياسات المؤسسة العسكرية في التعامل مع أفغانستان، إذ يعتقد الزعيم الديني المولوي فضل الرحمن أنه تمكن من إقناع حكومة طالبان في كابول بالتعاون مع إسلام أباد في كل المجالات، ولكن المؤسسة العسكرية الباكستانية أفشلت تلك الجهود، بالتالي الأحزاب الدينية مستاءة من المؤسسة العسكرية أيضاً، وهذا الانقسام تحدٍ كبير.
لكن هناك رأياً آخر يرى أن الحرب "ستحوّل الانتباه تماماً إلى عدو مشترك"، وفق المحللة السياسية الباكستانية عائشة صديقة. وأوضحت صديقة لوكالة فرانس برس: "عندما يسود الخوف من الحرب، يظهر الناس دعماً أكبر للجيش". وعندما صوّت مجلس الشيوخ على قرار مناهض للهند الأسبوع الماضي، صوّت حزب حركة الإنصاف لصالح القرار، مما ضمن إقراره بالإجماع. وأكدت صديقة أنه لم يكن أمام الحزب خيار آخر، وإلا اعتبر غير وطني. كما قال الشيخ وقاص أكرم، المتحدث باسم حزب الإنصاف: "الأمر لا يتعلق بالوقوف مع هذه الحكومة أو الجيش، بل بالوقوف في وجه العدو".
التوتر مع كابول يأتي الصراع بين باكستان والهند في وقت تمر فيه العلاقات الباكستانية الأفغانية بمرحلة عصيبة، لأسباب متعددة، منها تعامل باكستان مع اللاجئين الأفغان وإخراجهم بطريقة غير مناسبة، ما أغضب كل الشرائح الأفغانية. كذلك تتهم حكومة كابول أجهزة الاستخبارات الباكستانية بدعم فرع خراسان في تنظيم داعش، الذي ينشط ضد طالبان الأفغانية. في المقابل تتهم إسلام أباد طالبان الأفغانية بأنها تدعم طالبان الباكستانية ولا تتعاون معها من أجل القضاء عليها. كل تلك العوامل وغيرها أدّت إلى تدهور العلاقات بين كابول وإسلام أباد.
يُذكر أن مبعوث الخارجية الهندية انند بركاش زار كابول في 28 إبريل/ نيسان الماضي، وأجرى مباحثات مع مسؤولين في الحكومة الأفغانية، وفي نتيجتها توافق الطرفان على تعزيز التعاون في شتى المجالات. كما وعد المسؤول الهندي بأن بلاده ستستأنف العمل في المشاريع غير مكتملة التي كانت تموّلها التي توقفت بعد سيطرة "طالبان" على أفغانستان. بالإضافة إلى منح تأشيرات للأفغان وإجراء تعديلات في التعامل معهم. كل هذه الخطوات تُثير قلق باكستان، وتؤكد التقارب المتزايد بين نيودلهي وكابول، وهو أمر لم تكن إسلام أباد ترحب به الأوقات العادية، فضلاً عن هذه الفترة الحساسة.
حسابات الهند على الجانب الهندي، برزت سريعاً الوحدة الداخلية في مواجهة باكستان. وأصدر زعيم حزب المؤتمر، راهول غاندي، وهو من أشدّ منتقدي مودي، بياناً أكد فيه وحدة المعارضة في إدانة هجوم كشمير. وقال غاندي "مهما كانت الخطوات التي ترغب الحكومة في اتخاذها، فسندعمها بالكامل". ورأى أن "الهدف من هذا الهجوم هو تقسيم المجتمع وتأليب الأخ على أخيه". وأضاف "في مثل هذا الوقت، من الضروري للغاية أن يبقى كل هندي متضامناً ومتماسكاً - حتى نتمكن من إحباط مؤامرة الإرهابيين هذه". كذلك نظّم الجناح الشبابي لحزب المؤتمر مسيرات رافعاً العلم الهندي، ومعلناً دعمه لمودي. حتى أفراد الأقلية المسلمة في الهند - الذين يصورهم بعض أعضاء حزب مودي القومي الهندوسي على أنهم "طابور خامس" باكستاني - وقفوا إلى جانب الحكومة. وقال أسد الدين عويسي، رئيس حزب مجلس اتحاد المسلمين لعموم الهند: "تذكروا، إذا دخلتم دولة أخرى وقتلتم أبرياء، فلن تصمت أي دولة".
وقال الخبير السياسي مايكل كوغلمان لوكالة فرانس برس: "يمكن لنيودلهي أن تستغل الوضع لتعزيز صورتها كجهة قوية وحازمة في مواجهة الإرهاب". وتابع: "ويمكن لإسلام أباد أن تستغله لحشد الدعم لقيادة مدنية وعسكرية لا تحظى بشعبية كبيرة في الداخل". ويقف مودي أمام تحدي الالتزام بوعوده الرد على هجوم كشمير، وهو الذي تعهد بملاحقة القتلة "حتى أقاصي الأرض". وقال برافين دونثي من مجموعة الأزمات الدولية لـ"فرانس برس" إن مودي "يتعرض لضغوط للوفاء بوعوده". وتابع "لقد اعتاد الجمهور على خطاب عدائي تجاه باكستان، وهو الآن يتوسل للانتقام، ويطالب برد عسكري".