تكنولوجيا

الذكاء الاصطناعي: مفتاح لمستقبل أفضل أم بوابة للدمار؟

المصدر

نعيش في عصرٍ تتسارع فيه التغيرات التكنولوجية بوتيرةٍ لم يشهدها العالم من قبل، وأبرز هذه التغيرات هو التقدم المذهل في مجال الذكاء الاصطناعي. يمكن القول إن الذكاء الاصطناعي هو القوة الدافعة الجديدة التي ستعيد تشكيل حياتنا بطرقٍ لم نكن نتخيلها. بينما نرى اليوم تأثيره في جوانب متعددة من حياتنا، فإن إمكاناته المستقبلية لا تزال في طور الاستكشاف.

بدأ الذكاء الاصطناعي كفكرةٍ ثم تحول إلى واقعٍ ملموس بفضل التقدم في علوم الحوسبة والهندسة. من خلال التعلم الآلي والتعلم العميق، أصبحت الآلات قادرةً على التعلم من البيانات وتحسين أدائها بمرور الوقت. يمكننا رؤية نتائج هذا التطور في حياتنا اليومية، من المساعدين الافتراضيين مثل سيري وأليكسا إلى السيارات ذاتية القيادة.

في حين أن التقدم في الذكاء الاصطناعي يبشر بإمكانياتٍ هائلة، فإنه يواجه أيضًا تحديات تقنية وعملية كبيرة. على سبيل المثال، رغم قدرة الآلات على التعلم، فإنها لا تزال تفتقر إلى القدرة على التفكير النقدي والتعلم الإبداعي كما يفعل البشر. إضافةً إلى ذلك، هناك تحديات في مجال معالجة اللغة الطبيعية وإدراك المحتوى البصري بشكلٍ يتماشى مع الإدراك البشري. وهذه التحديات ليست سوى البداية، فالتقدم التكنولوجي يأتي دائمًا مع قضايا أخلاقية وأمنية وتنظيمية تحتاج إلى معالجةٍ دقيقة. فمع زيادة قدرة الأنظمة على التعامل مع البيانات الضخمة وتحليلها، تزداد المخاوف بشأن الخصوصية وكيفية حماية البيانات من الاختراق والاستخدام غير المصرح به.

تأثير الذكاء الاصطناعي على الاقتصاد والوظائف بالطبع، سيكون للذكاء الاصطناعي تأثيرٌ كبير على الاقتصاد العالمي وعلى طبيعة العمل والوظائف. فمن خلال قدرته على أتمتة (Automation) العديد من المهام الروتينية والمتكررة، سيؤدي إلى زيادة الإنتاجية وخفض التكاليف في مختلف القطاعات. على سبيل المثال، في قطاع التصنيع، يتم استخدام الروبوتات الذكية لتحسين كفاءة الإنتاج وتقليل الأخطاء البشرية.

لكن رغم الفوائد الاقتصادية التي قد يجلبها الذكاء الاصطناعي، يثير هذا التحول مخاوف بشأن زيادة معدلات البطالة. فوفقًا لتقرير صادرٍ عن المنتدى الاقتصادي العالمي، سيرتفع معدل الاعتماد على الآلات في جميع أنواع الوظائف إلى 52% بحلول عام 2025، وستقضي الأتمتة و الروبوتات والذكاء الاصطناعي على 85 مليون وظيفة على مستوى العالم في الفترة نفسها.

ولكن المثير للتفاؤل هو أن الأتمتة ستخلق أيضًا 97 مليون وظيفة جديدة في المستقبل، وهذا شيءٌ يدعو للأمل، وذلك مع أن هذه الوظائف ستكون جديدة تمامًا، وكثيرٌ منها لم يوجد بعد، وفي جميع الأحوال فإن هذه أرقامٌ كبيرة وتغييراتٌ هائلة ستطرأ على سوق العمل في المستقبل في مختلف الدول والمجتمعات، وهو الأمر الذي يتطلب تدخلًا سريعًا وعمليًا من قبل الحكومات والشركات والعمال أنفسهم. وذلك سيستدعي هذا التحول إعادة هيكلة نظم التعليم والتدريب لإعداد القوى العاملة للوظائف المستقبلية.

وإذا جئنا إلى مجال الرعاية الصحية، فسيحدث الذكاء الاصطناعي ثورة من خلال تحسين دقة التشخيص وتخصيص العلاجات. على سبيل المثال، يمكن لأنظمة الذكاء الاصطناعي تحليل الصور الطبية بسرعة ودقة أكبر من الأطباء البشر، مما يساعد في الكشف المبكر عن الأمراض مثل السرطان. تستخدم منصة IBM Watson Health الذكاء الاصطناعي لتحليل البيانات الطبية واقتراح العلاجات، مما يساعد الأطباء في اتخاذ قرارات أكثر استنارة.

تعليم مخصص لكل فرد في مجال التعليم، سيساهم الذكاء الاصطناعي في تخصيص تجربة التعلم لكل طالب على حدة. من خلال تحليل أداء الطلاب، يمكن للأنظمة الذكية تحديد نقاط القوة والضعف لكل طالب وتقديم مواد تعليمية تتناسب مع احتياجاته الفردية. على سبيل المثال، يمكن لمنصة مثل Coursera استخدام الذكاء الاصطناعي لتوصية بالدورات التدريبية المناسبة بناءً على تاريخ تعلم الطالب وأدائه. إضافة إلى ذلك، يمكن للذكاء الاصطناعي مساعدة المعلمين في إدارة الفصول الدراسية وتقييم أداء الطلاب بطريقة أكثر دقة وكفاءة، مما يؤدي إلى تحسين جودة التعليم بشكل عام.

تعزيز للأمن أم سلب للحريات؟ ربما يعد الذكاء الاصطناعي أداة قوية في مجال الأمن والسلامة، حيث يمكن استخدامه للكشف عن التهديدات والجرائم بشكل أسرع وأكثر دقة، مما يساعد في زيادة الأمن وتعزيز وجوده. بالإضافة إلى ذلك، يمكن للذكاء الاصطناعي أيضًا تحسين إدارة حركة المرور والتنبؤ بالحوادث، مما يقلل من الازدحام المروري ويزيد من سلامة الطرق. تعتمد أنظمة التحكم في إشارات المرور الذكية على الذكاء الاصطناعي لتحليل حركة المرور وضبط توقيت الإشارات بشكل ديناميكي لتحسين تدفق السيارات.

لكن، مع تزايد استخدام أنظمة الذكاء الاصطناعي، تزداد أيضاً المخاوف بشأن الخصوصية وكيفية حماية البيانات الشخصية. تتطلب هذه التقنيات جمع كميات هائلة من البيانات وتحليلها، مما يجعلها عرضة للاختراق والاستخدام غير المصرح به. بالإضافة إلى ذلك، تطرح مسألة الشفافية والمساءلة في اتخاذ القرارات. إذ تعتمد العديد من الأنظمة الذكية على خوارزميات معقدة قد تكون غير شفافة للمستخدمين. وهنا تأتي الأسئلة المهمة، فكيف سيتم تطوير معايير جديدة لضمان الشفافية في عمل هذه الأنظمة وتمكين المستخدمين من فهم كيفية اتخاذ القرارات؟

فعلى سبيل المثال، في مجالات الأمن والدفاع، كيف سيتم وضع معايير أخلاقية واضحة لاستخدام الذكاء الاصطناعي؟ بمعنى أنه كيف سيتم ضمان أن يتم استخدام هذه التقنيات بطرق تعزز الأمن والسلامة دون المساس بحقوق الإنسان والحريات الأساسية؟

لا شك أن الذكاء الاصطناعي سيغير عالمنا بطرق لا يمكن تصورها. من تحسين الرعاية الصحية والتعليم إلى تعزيز الأمن والسلامة، ستحدث هذه التقنية ثورة في جميع جوانب حياتنا. ولكن مع هذه الفوائد، تأتي تحديات كبيرة تتطلب اهتمامًا دقيقًا من جميع الأطراف المعنية، بما في ذلك الحكومات والشركات والأفراد.

الكاتب | عبدالله مثنى