اخبار دولية

"إبادة جماعية" في السودان.. إلى أين تتجه الحرب بعد فاجعة "ود النورة" وتوعد الجيش للدعم السريع؟

المصدر
أحمد حلمي

الجيش يهدد قوات الدعم السريع برد "قاسٍ" على "مجزرة ود النورة"، وتقرير أممي يحذر من "إبادة جماعية"، فإلى أين تتجه الحرب في السودان؟

ولا يزال التضارب في أعداد ضحايا الهجوم الذي شنته ميليشيات الدعم السريع على قرية "ود النورة" سائداً. إذ نقل تقرير لشبكة CNN الأمريكية عن مسؤولين محليين وشهود عيان مقتل 150 وإصابة 200، بينما تحدث بيان لوزارة الخارجية السودانية عن مقتل 180 من أهالي القرية.

ميليشيات الدعم السريع، التي يتزعمها محمد حمدان دقلو "حميدتي" وتحظى بدعم من الإمارات، لم تنفِ الهجوم على قرية "ود النورة"، لكنها نفت أن تكون استهدفت المدنيين في القرية وقالت إنها "هاجمت قوات للجيش السوداني بطريقة استباقية".

تهديد الجيش للدعم السريع لم يكن الهجوم على قرية "ود النورة" الواقعة على بعد 160 كلم من العاصمة الخرطوم الأول من نوعه، إذ شنت ميليشيات الدعم السريع، التي يصفها الجيش بقيادة عبد الفتاح البرهان بأنها "ميليشيات متمردة"، عشرات الهجمات على قرى صغيرة في أنحاء ولاية الجزيرة الزراعية منذ سيطرت على عاصمة الولاية ود مدني في ديسمبر/كانون الأول الماضي.

ندد مجلس السيادة الانتقالي المتحالف مع الجيش بالهجوم على القرية، وأصدر المجلس بياناً وصف فيه الواقعة بأنها "أفعال إجرامية تعكس السلوك الممنهج لهذه الميليشيات في استهداف المدنيين".

بينما أصدر الجيش السوداني نفسه بياناً قال فيه إنه سيرد "رداً قاسياً" على هجوم ميليشيات الدعم السريع. وجاء البيان الصادر باسم البرهان قائد القوات المسلحة في أعقاب اتهامات وجهها نشطاء محليون للجيش بعد الاستجابة لنداءات الاستغاثة من أهالي القرية.

الخارجية السودانية، من جانبها، أعلنت ارتفاع عدد قتلى "مجزرة" قرية ود النورة إلى 180، وقالت الوزارة في بيان: "المجزرة البشعة التي ارتكبتها ميليشيا الدعم السريع في قرية ود النورة بولاية الجزيرة، راح ضحيتها أكثر من 180 من القرويين العزل، بينهم أطفال ونساء". وأضافت أن "مجزرة ود النورة تفوق جرائم المجموعات الإرهابية المعروفة دولياً".

ماذا تقول ميليشيات الدعم السريع؟ أصدرت ميليشيات الدعم السريع بياناً قالت فيه إنها هاجمت قواعد للجيش ومجموعات مسلحة متحالفة معه بمنطقة ود النورة وفقدت ثمانية جنود، مشيرة إلى أن التقارير المتداولة حول الواقعة "غير دقيقة".

لكن لجان "مقاومة ود مدني" اتهمت الدعم السريع باستخدام المدافع الثقيلة ضد المدنيين ونهب القرية والتسبب في "حالات نزوح كاملة للنساء والأطفال من الأهالي نحو المناقل"، وهي بلدة قريبة، وقالت اللجان: "بادر أهالي قرية ود النورة استنجاد ارتكازات القوات المسلحة ولم تستجب لإغاثة المواطنين بكل الخزي والعار".

والخميس ارتفعت حصيلة قتلى القصف المدفعي الذي شنته "قوات الدعم السريع" على أحياء بمدينة أم درمان غرب العاصمة الخرطوم، إلى 40، وفق ما نقلته الأناضول عن ناشطين سودانيين.

بينما قالت "لجان مقاومة كرري" في أم درمان في بيان، الجمعة، إنه "بسبب القصف العشوائي على المواطنين من قبل قوات الدعم السريع، ارتفع عدد الشهداء إلى 40 وأكثر من 50 إصابة"، وأضافت أن "الحصر الدقيق للقتلى والمصابين جراء القصف ما زال جارياً".

وكانت وزارة الصحة السودانية قد قالت فجر الجمعة، إن "الميليشيا المتمردة (الدعم السريع) قصفت أحياء كرري بمدينة أم درمان، باستخدام الأسلحة الثقيلة، ما أدى إلى استشهاد عدد من المواطنين، حيث وصل مستشفى النو التعليمي نحو 10 جثامين و48 إصابة".

تدخل أمريكي للضغط على البرهان تأتي هذه الهجمات المكثفة من جانب الدعم السريع كمؤشر واضح على سعي "حميدتي" إلى حسم الحرب عسكرياً والسيطرة على العاصمة الخرطوم، في ظل الدعم "الثابت" الذي يتلقاه من الحليف الرئيسي له، الإمارات، في مقابل عدم وجود "حليف" يعتمد عليه بالنسبة للجيش.

الولايات المتحدة، المنشغلة تماماً بموسمها الانتخابي المحتدم من جهة ودعم حليفتها إسرائيل في حربها على قطاع غزة، تبدو كأنها قد نسيت السودان والحرب الذي تمزقه منذ فشل مساعي الهدنة التي رعتها واشنطن والرياض في مدينة جدة السعودية قبل اندلاع الحرب على غزة.

وعندما سعى الجيش السوداني بقيادة البرهان إلى التوجه شرقاً نحو روسيا بحثاً عن حليف له ثقل دولي، أخذت إدارة جو بايدن خلال الأسابيع الأخيرة وقتاً مستقطعاً من أزماتها وألقت مبادرة رمزية في شكل اتصال هاتفي أجراه وزير الخارجية أنتوني بلينكن مع البرهان.

كان هذا الاتصال هو الثاني من نوعه منذ اندلعت الحرب الأهلية في السودان بين الدعم السريع "حميدتي" والجيش "البرهان" منصف أبريل/نيسان 2023، وبحسب بيان الخارجية الأمريكية يوم 28 مايو/أيار الماضي، أجرى بلينكن الاتصال بالبرهان من أجل "ضرورة إنهاء الصراع في السودان (على وجه السرعة)، وتمكين وصول المساعدات الإنسانية دون عوائق بما في ذلك الوصول عبر الحدود وعبر خطوط المواجهة، وذلك من أجل تخفيف معاناة الشعب السوداني".

وبحسب البيان نفسه فإن الوزير بلينكن تطرق أيضاً إلى استئناف مفاوضات (جدة)، وضرورة حماية المدنيين والتخفيف من حدة الأعمال العدائية في الفاشر بولاية شمال دارفور.

لماذا هذا الاهتمام الأمريكي "المفاجئ"؟ جاء هذا الاتصال من جانب بلينكن في ظل عدد من المعطيات يمكن من خلالها تفسير هذا الاهتمام المفاجئ من جانب واشنطن:

– الاتصال جاء بعد يوم واحد من انعقاد المؤتمر التأسيسي لتنسيقية القوى المدنية الديمقراطية السودانية "تقدم" بالعاصمة الأثيوبية أديس أبابا.

– شهدت المعارك على الأرض خلال الأسابيع التي سبقت هذا الاتصال تقدماً واضحاً للجيش السوداني وحلفائه من حركات الكفاح المسلح في دارفور والقوات النظامية الأخرى، والمتطوعين للقتال من المستنفرين من الشباب على الأرض، ما أدى إلى تعرض الدعم السريع لسلسلة من الهزائم وفقدانها لكثير من مواقعها في الخرطوم، وفي ولايات الجزيرة والنيل الأبيض وشمال وغرب كردفان.

– كان الوضع في مدينة الفاشر بشمال دارفور يشي بقرب طرد الدعم السريع من الولاية.

– تسارع التقارب بين الخرطوم وموسكو بشكل لافت؛ إذ زار ميخائيل بوغدانوف مبعوث الرئيس الروسي الخاص للشرق الأوسط وأفريقيا ونائب وزير الخارجية الروسي السودان على رأس وفد روسي كبير، حيث أجرى مباحثات على مدى يومين مع وزير الخارجية السوداني ومسؤولين سودانيين، أكد فيها أن "مجلس السيادة السوداني هو الممثل الشرعي للشعب السوداني"، مستنكراً الدعاوى القائمة على المساواة بين شرعية الدولة السودانية والتمرد، ومشيراً إلى دعم بلاده للسودان في مواجهة كل ما من شأنه تهديد سيادته ومصالح شعبه.

ولا شك أن المعطى الأخير تحديداً، أي التقارب بين موسكو والخرطوم، يفسر هذا الاهتمام الأمريكي المفاجئ وحرص بلينكن على "إنهاء الحرب في السودان على وجه السرعة".

ما الدور الذي تلعبه روسيا في السودان؟ كانت روسيا، من خلال ميليشيات فاغنر، أكثر دعماً للدعم السريع في بداية الحرب في السودان، لكن يبدو أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قد أعاد التفكير في الموقف في ظل استراتيجية موسكو الأشمل في القارة السمراء والرغبة في إيجاد منفذ للبحرية الروسية على البحر الأحمر.

إذ يقع البحر الأحمر في قلب استراتيجية روسيا البحرية التي أقرها بوتين عام 2022، والتي تولي تركيزاً متزايداً على المحيطين القطبي الشمالي والهادي، بما يجعل روسيا حلقة وصل بينهما، ويمنحها دوراً بحرياً دولياً استراتيجياً، وهو ما يتطلب وجود روسيا بحرياً على خط يشمل البحرين المتوسط والأحمر وباب المندب والمحيط الهندي، بحسب تقرير لمنصة أسباب المختصة بالتحليل الاستراتيجي والسياسي.

ولذلك؛ فإن مأزق الجيش السوداني يمثل فرصة لموسكو للحصول على موطئ قدم استراتيجي على سواحل البحر الأحمر، وتأمين قاعدة إمداد لوجستية تساعد في نشر السفن العسكرية الروسية في منطقة المحيط الهادئ الهندي، والتي تمثل بؤرة الصراع على النفوذ العالمي خلال العقد القادم.

وبالتالي فإن الوجود العسكري في السودان، إن تحقق فعلياً، يتكامل مع استراتيجية روسيا في أفريقيا، ويضع موسكو في قلب منطقة حيوية قرب باب المندب الذي يطل على خطوط التجارة الدولية، وبالأخص مسارات شحن النفط والغاز، ما يمنح موسكو تأثيراً على أمن الطاقة الأوروبي على وجه الخصوص، والذي يعتمد على واردات الطاقة من الخليج.

ماذا يعني هذا بالنسبة للصراع في السودان؟ روسيا لها أهدافها في السودان والجيش بحاجة للدعم. لذلك؛ تبرز روسيا كحليف محتمل ستساعد العلاقة معها في حصول الخرطوم على أسلحة نوعية، والحد من تعاون قوات فاغنر والدعم السريع، وبالأخص بعد ضم فاغنر إلى الفيلق الأفريقي بقيادة يونس بك يفكوروف، نائب وزير الدفاع الروسي.

كما يمكن لروسيا أن تقدم حماية للجيش السوداني ضد العقوبات الأممية، وسبق أن امتنعت موسكو وبكين عن التصويت على قرار لمجلس الأمن بتمديد فرض العقوبات على السودان في عام 2023، وهو ما قد يتطور إلى استخدام حق النقض "الفيتو" في حال تعزيز العلاقات بين البلدين.

وفي الوقت نفسه، يرى قادة الجيش السوداني أن موقف الغرب الذي يساوي بين طرفي النزاع ويسعى لتسوية من هذا المنطلق يتسبب في إطالة أمد المواجهة، ولا شك أن الهجمات الأخيرة للدعم السريع، وبخاصة مجزرة ود النورة، تمثل حجرة عثرة إضافية على طريق أي تسوية سياسية محتملة للصراع الدامي.

كل هذه المعطيات تشير إلى أن المرحلة المقبلة من الصراع الدموي في السودان قد تكون أكثر دموية، وللأسف الشديد يدفع المدنيون الثمن من دمائهم وأرواحهم بعد أن فقدوا ممتلكاتهم بالفعل وتحولوا إلى نازحين ولاجئين.

12 مليون نازح ولاجئ فقد قالت المنظمة الدولية للهجرة الجمعة إن عدد النازحين داخلياً في السودان بسبب الصراع قد يتجاوز قريباً 10 ملايين شخص، ما يجعلها أكبر أزمة نزوح في العالم، بحسب رويترز.

محمد رفعت، رئيس بعثة المنظمة للسودان، قال: "ما حجم المعاناة والخسائر البشرية التي يجب أن يتكبدها شعب السودان قبل أن ينتبه العالم؟ أليس 10 ملايين نازح داخلياً كافياً لدفع العالم إلى التحرك العاجل؟". وأضاف "حياة كل واحد من العشرة ملايين نازح تمثل مأساة إنسانية شديدة تتطلب اهتماماً عاجلاً".

كانت المنظمة التابعة للأمم المتحدة قد رصدت هذا الأسبوع وجود 9.9 مليون نازح داخلياً في أنحاء السودان. وتقول إنه كان هناك بالفعل 2.8 مليون نازح داخلياً قبل الحرب. واضطر نحو 12 مليون شخص في المجمل إلى الفرار من منازلهم مع عبور أكثر من مليوني شخص إلى دول مجاورة من بينها مصر وتشاد.

وذكر رفعت أن أكثر من نصف النازحين داخلياً في السودان من النساء، وربعهم من الأطفال دون سن الخامسة. وأضاف أن وكالات الإغاثة تجد صعوبات في تلبية الاحتياجات المتزايدة: "نقص التمويل يعيق جهود توفير المأوى والغذاء والمساعدات الطبية بشكل كاف. تتزايد المخاوف بشأن تأثير النزوح على المدى الطويل على النسيج الاجتماعي والاقتصادي في السودان".

كانت مسؤولة بارزة في الأمم المتحدة في السودان قد دعت إلى إجراء تحقيق في حادث الهجوم على قرية ود النورة، إذ قالت منسقة الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية كليمنتين نكويتا سلامي: "حتى بالمعايير المأساوية للصراع في السودان، فإن الصور التي تظهر من ود النورة تفطر القلب". واستشهدت سلامي بصور نشرتها على وسائل التواصل الاجتماعي لجان مقاومة ود مدني التي تتابع مثل هذه الهجمات ويظهر فيها عشرات الجثامين في أكفانها قبل الدفن.

بينما اعتبرت الخارجية أن المجزرة "تمثل أحد تداعيات تراخي المجتمع الدولي تجاه الميليشيا الإجرامية (الدعم السريع) ومرتزقتها الأجانب"، وأضافت أنها "تماثل النهج الذي اتبع في مجازر الإبادة الجماعية في رواندا عام 1994". كما اتهمت "الدعم السريع" بـ"ملاحقة الفارين من اعتداءاتها في مدينة الفاشر بإقليم دارفور (غرب) على أساس عرقي". وطالبت الحكومة أن تكون هذه "المجزرة" نقطة تحوّل في نظرة المجتمع الدولي تجاه "الدعم السريع"، ليتم اعتبارها "جماعة إرهابية تمثل خطراً على الإنسانية جمعاء".